العمارة البغدادية.. ذاكرة تاريخية ينخرها النسيان
بيوت بغداد القديمة تتشابه في تصاميمها وجماليتها ودقة تفاصيلها وطرق بنائها (الجزيرة)
قاسم حميد-بغداد
تزخر العاصمة العراقية بغداد بعمارة قديمة فريدة ذات طابع خاص، ورغم تعرضها للإهمال، فإنها تمثل شاهدا على تاريخ الأقدمين وراصدا لتغيرات كثيرة شهدتها البلاد.
حكايات وقصص وأساطير تغلغلت بمسامات جدران البيوت والمباني العتيقة، وباتت مرآة تعكس تغيرات بغداد وذوق سكانها وتحولاتهم الاجتماعية والفكرية والثقافية، وتحمل مضمونا جماليا يمثل ما كانت عليه المدينة التي تنام على جانبي دجلة رغم الإهمال والتآكل وعمليات الهدم وتصدعات الزمن.
جمالية وعملية
تتشابه بيوت بغداد القديمة في تفاصيل رئيسية بتصاميمها وبجماليتها ودقة تفاصيلها وطرق بنائها.
ويعد الخشب عنصرا رئيسيا في بناء هذه البيوت للسيطرة على متغيرات الطقس وتفاوت درجات الحرارة وتكوين الدعامات الأساسية، وفق ما يقول المهندس والأستاذ الجامعي محمد قاسم، الذي يوضح أن معظم تلك البيوت تحتوي على "الحوش"، وهو فسحة كبيرة تتوسط المنزل وتوزع الغرف على جوانبه.
وأضاف قاسم للجزيرة نت أن تصاميم هذه المنازل تعتمد على الهواء الذي يدخل الأقبية ليبرد ويصعد نحو "الحوش" مسببا عملية تهوية مستمرة، وفي الشتاء يحدث العكس حيث يحتمي الأهالي بالطابق الثاني من أجل التدفئة.
إلى جانب ذلك، فإن نظام هذه البيوت بيئي ومتكامل، وناجح من خلال عناصر عدة، منها "الشناشيل" التي تضفي الجمالية على الواجهة والخصوصية للعوائل، وتمد الأزقة بالظلال في أغلب أوقات النهار.
تهديد بالاندثار
وأدى استحداث الشوارع ودخول أنظمة بناء جديدة إلى تحويل معظم هذه البيوت والمباني إلى مجرد ديكورات، خصوصا بعد هجرة أهاليها، إضافة إلى أن استمرار الإهمال دون عمليات منظمة لإعادة بنائها أو ترميمها يهدد باختفاء آثار هذه البيوت ويجعلها جزءا من الماضي خلال سنوات معدودة.
الموظف في أمانة بغداد سليم البكر يقول إن الأحياء التي تكثر فيها البيوت القديمة أو ما تبقى منها أصبحت "شعبية" ومهملة، ومنها الرحمانية والبتاوين وباب الشيخ وأبو نواس والحيدرخانة والفضل والصدرية ومناطق أخرى.
ويضيف البكر أن العدد الكلي للمباني والبيوت القديمة غير معروف، وتعرض أغلبها للهدم والتخريب والبيع بطرق مشبوهة لاستغلال أراضيها للبناء الحديث.
تخريب متعمد
ومنذ 2003 تجاوز عدد البيوت المهدمة والمخربة الألف بيت رغم أنها تخضع لقانون التراث والآثار، الذي ينص على توثيقها ويمنع التصرف بها إلا وفق أحكام القانون، حيث لا يمكن للمالك التصرف المادي بها أو تخريبها أو تغيير معالمها باعتبارها جزءا من التراث، مما دفع بعض من الملاك أو ورثتهم إلى إحراقها لتكون خارج قانون التراث والآثار ومن ثم بيعها أو تحويلها إلى مجمعات تجارية أو أبنية.
ويؤكد البكر على ضرورة استصدار قوانين أكثر صرامة لمنع أصحاب هذه المنازل التاريخية من التصرف فيها كونها وجه بغداد القديم والجميل، في حين يستمر العمل لمعرفة العدد الحقيقي للمنازل التي تحتاج إلى الترميم والتأهيل.
وفيما يحتفي العالم بتراثه وتاريخه ويحوّل المنازل القديمة إلى متاحف ومعارض فنية، بقيت العمارة البغدادية مهددة، في ظل وعود مستمرة لم ينفذ منها إلا ما ندر من جهات حكومية وغير حكومية بالحفاظ على ما تبقى من وجه المدينة الذي يشارف على الاندثار.
المصدر : الجزيرة