TODAY - September 08, 2010
عيدكم مبارك
دعوني أولاً أتقدم بالتعزية لعائلة الزميل رياض السراي، المذيع في قناة العراقية، والذي استهدفه الإرهاب يوم أمس فأرداه صريعاً وهو في ريعان شبابه. كان السراي واحداً من قلة في فضائياتنا العراقية من يمتاز بحضور لافت، فبسمته لا تفارقه، على أنه خلف في أيام العيد هذه حسرات في نفوس محبيه قبل عائلته. تغمده الله برحمته الوافرة.
وعيدنا العراقي يأتي على البيوت الحزنى فلا يستطيع أن يفك أسرها. تذكروا معي أن الشهر الفضيل قد شهد موجة عنف راح ضحيتها العشرات. كما سقط عشرات آخرون بسبب نقص الخدمات في صيف لاهب، وعلي أن لا أنسى الذين قضوا في انفجار مولدة "حي أور"، وجلهم من الشباب الذين كانوا يسألون صاحب المولدة عن سبب انقطاع الكهرباء فانفجرت به وبهم.
أمر مخيف أن نتحدث في لحظة عيد عن الموت. ولكنه شأن عراقي كما يبدو.
سينتقدني المتفائلون على ذلك، وإذ أحسب نفسي من المتفائلين دائماً، فلا أجد غضاضة من تأرخة أعيادنا بموت مستمر. لماذا الموت مستمر في بلادي؟ ها أنا أجتاز عتبة الأربعين بخفة، ولكن جناحيّ مثقلان بالنزف. لا يحضر في ذهني غير مشاهد الموت، أو أطياف أصحاب فارقناهم بعجالة. الموت حق. أدرك ذلك، ولكن أن يجيء على هيئة انتحاريين أو سيارات مفخخة أو كاتم صوت أو انفجار مولدة كهرباء، فهذا أمر آخر.
حتى ذاكرتنا عن العيد مشوهة. أبلغ الألعاب كانت، بالنسبة لي، الركوب في عربة يجرها حصان كهل، مكشوفة من الاتجاهات كلها، وياما سقط أمامي عدد من الأطفال من تلك العربات لتلامس أجسادهم الغضة اسفلت الشارع الصلب فجرحوا... المراجيح التي لعبنا بها صدأت... ثم نعمنا بفترة قصيرة شيدت فيها مدن ألعاب حديثة، ولكن مصيرها اليوم، وبعد ما لا يحصى من حروب صار مأسوفاً عليها هي الأخرى. القطاع الخاص استثمر الموضوع فشيد ملاعب صغيرة وحديثة تكتظ اليوم بالعوائل التي تبحث عن فسحة فرح، حتى ولو كانت خانقة بسبب الزحام.
كل ذلك لا يمنعني من القول بثقة: عيدكم مبارك. والعراقيون بحاجة إلى عيد حقيقي. عيد ينسون فيه الكثير من آلامهم التي سببتها جهات كثيرة وأشخاص وتيارات وأفكار. عيد يجعل الناس تبتسم بحق وتفرح بحق. أقول ذلك ولا يفارقني أبداً مشهد اليتامى الذين تركهم آباؤهم تنفيذاً لرغبة بالموت يطلقها فكر يرى في قتل الآخر باباً مفتوحاً إلى الجنة على مصراعيه.
وبعيداً عن السياسة، التي صارت بالرغم منا زاداً يومياً، أتساءل: أليس من حق العراقيين، باعتبارهم خلق الله ايضاً، أن ينعموا بأيام العيد؟ سيخرج عليك منظرو الموت الجهادي بفتاوى تبيح قتل الناس حتى في يوم سلمي، بل خلق للسلام أصلاً، مثل يوم العيد.
وإني لعلى ثقة أكيدة، بأن العراقيين سيحيون عيدهم بما عرف عنهم من رغبة بالحياة.. وسيتحدون ألسنة اللهب التي يجيد المجرمون صناعتها. فالحياة التي نأمل ونتمنى لا يصنعها عباد الموت، بل عشاق الحياة، ونحن أولهم.
الرحمة لشهداء العراق..