نسب علي زين العابدين ومولده
هو السيد، الإمام [1]، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي، العلوي، يكنى أبو الحسين وقيل: أبو الحسن وأبو محمد وأبو عبد الله [2]، المعروف بزين العابدين [3]، ويُقال له: علي الأصغر، للتمييز بينه وبين أخيه علي الأكبر [4]، وهو رابع الأئمَّة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية.
وهو من سادات التابعين، وأمُّه أمُّ ولد، سنديَّة يُقال لها: غزالة، ويقال: سلافة، أوسلامةبنت يزدجرد أخر ملوك بلاد فارس [5]، وُلِد سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة [6]، وقيل: سنة سبع وثلاثين [7]، وقيل: سنة ثمان وثلاثين [8]، ومنه امتدَّ نسل الحسين رضي الله عنه، ولم يبقَ للحسين من ولدٍ سواه [9].
مكانة علي زين العابدين
كان علي زين العابدين ذا مكانةٍ عظيمةٍ في عيون الناس، وكانوا يُحبُّونه ويُقدِّرونه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له جلالةٌ عظيمة، وكان أهلًا للإمامة العظمي لشرفه وسؤدده وعلمه وكمال عقله [10]، كما كان رجلًا صالحًا وتابعيًّا ثقة [11]، ومأمونًا كثير الحديث عاليًا رفيعًا ورعًا [12]، حتى قال عنه سعيد بن المسيب: ما رأيت أورع منه [13]، وقال الزهري: ما رأيت هاشميًا أفضل من علي بن الحسين [14]، وما رأيت أحدًا كان أفقه منه [15]، وقال يحيى بن سعيد: علي بن الحسين أفضل هاشمى رأيته بـ المدينة [16]، وقال ابن وهب: لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل علي بن الحسين [17].
وممَّا يُؤكِّد تلك المكانة أنَّه لمـَّا حجَّ هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد وطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يستطع من الزحام، فنُصِبَ له منبرٌ فجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، وبينما هو كذلك أقبل عليٌّ زين العابدين بن الحسين وجعل يطوف بالبيت، ولمـَّا بلغ إلى موضع الحجر تنحَّى الناس له عنه حتى يستلمه؛ هيبةً له وإجلالًا وتقديرًا، فقال أهل الشام لهشام بن عبد الملك: من هذا؟ فقال: لا أعرفه. فقال الفرزدق وكان حاضرًا: أنا أعرفه، وأنشد:
هَذَا سَـلِـيلُ حُسَـــيْنٍ وَابْــنُ فَاطِمَــــةَ ... بِنْتِ الرَّسُولِ الَّذِي انْجَابَتْ بِهِ الظُّلَمُ
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... وَالْــــبَــــيْــــتُ يَـــــعْرِفُـــــــــهُ وَالْحَـــــــــلُّ وَالْحَـــــــــــــرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَــــادِ اللهِ كُــــــــــلِّهِـــــــم ُ ... هَـــــــذَا النَّــــــــــــــــقِيّ ُ التَّـــــــقيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
تمسُّك علي زين العابدين بالكتاب والسنة ودفاعه عن الصحابة
كان علي زين العابدين من أئمَّة أهل السنة والجماعة، وقد استنكر الغلوَّ في حبِّ أهل البيت؛ فقد قال: "أيُّها الناس أحبُّونا حبَّ الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارًا" [18].
كما كان شديد التمسُّك بالكتاب والسنة وما كان عليه جدُّه علي بن أبي طالب وأبوه الحسين رضي الله عنهما، لا يحيد عنه قيد أنملة في عقيدةٍ أو عبادةٍ أو عمل [19].
كما كان رضي الله عنه كثير التبتُّل والورع، وكان حسن الرأي بالشيخين أبي بكر وعمر وبالخليفة الراشد عثمان رضي الله عنهم، شديد الحب لهم والتقدير لأعمالهم، شديد الحب للصحابة أجمعين، فلمَّا أظهر بعض المتستِّرين بآل البيت الطعن بأبي بكر وعمر تصدَّى لهم وأظهر البراءة من هؤلاء الطاعنين [20].
وقد سُئِل علي زين العابدين: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: بمنزلتهما منه الساعة [21]، وقد جاء -أيضًا- رجلٌ إليه وقال له: أخبرني عن أبي بكر؟ قال: عن الصِّدِّيق تسأل؟ قال: وتُسمِّيه الصِّدِّيق؟ قال: ثكلتك أمُّك، قد سمَّاه صدِّيقًا من هو خيرٌ منِّي، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار، فمن لم يُسمِّه صديقًا، فلا صدَّق الله قوله، اذهبْ فأحب أبا بكر وعمر، وتولَّهما، فما كان من إثمٍ ففي عُنُقي [22].
رواية علي زين العابدين للحديث
روى علي زين العابدين الحديث عن أبيه الحسين الشهيد رضي الله عنه، وكان معه يوم كربلاء وله يومئذٍ ثلاثٌ وعشرون سنة، وكان موعوكًا فلم يُقاتل، ولم يتعرَّضوا له بل أحضروه مع أهله إلى دمشق، فأكرمه يزيد بن معاوية رحمه الله، وردَّه مع أهله إلى المدينة، وروى -أيضًا- عن جدِّه الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن صفية أمِّ المؤمنين وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي هريرة وعن عمِّه الحسن بن علي وعبد الله بن عباس وأبي رافع مولى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطائفة غيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين [23].
وروى عنه أولاده أبو جعفر محمد، وعمر، وزيد المقتول، وعبد الله، والزهري، وعمرو بن دينار، والحكم بن عتيبة، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وحبيب بن أبي ثابت، وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، وهشام بن عروة، وأبو الزبير المكي، وأبو حازم الأعرج، وعبد الله بن مسلم بن هرمز، ومحمد بن الفرات التميمي، والمنهال بن عمرو، وخلق كثير سواهم [24].
زهد علي زين العابدين وعبادته
كان علي بن الحسين عابدًا زاهدًا وفيًّا جوادًا منيبًا [25]، حتى سُمِّي زين العابدين، والسجَّاد، وذو الثفنات [26]؛ لكثرة عبادته وسجوده وصلاته [27]، وأجمع معاصروه على أنَّه كان أعبد الناس [28]، فذكر أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، وكان إذا توضَّأ اصفرَّ [29]، وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له مَالَكَ؟ فقال: ما تدرون بين يديَّ من أقومٍ ومن أُنَاجي [30]، وقال عنه ابن تيمية: علي بن الحسين زين العابدين وقرَّة عين الإسلام لكثرة ما اشتهر عنه من عبادة وزهد وورع وتسامح وعلوِّ أخلاق [31].
كما كان علي زين العابدين كثير القيام، كثير البرِّ في رمضان، وكان كثير الصدقة في الحج، كثير الصدقة في سائر أحواله، وكان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة ويقول: "إنَّ الصدقة في سواد الليل تُطفئُ غضب الرب" [32].
وكان ناسٌ من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمَّا مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يُؤتَون به بالليل، ولمـَّا مات وجدوا بظهره أثرًا فسألوا عنه، فقالوا هذا ممَّا كان ينقل الجِرَبَ [33] على ظهره إلى منازل الأرامل [34]، ولمـَّا مات وجدوه يعول مائة أهل بيت [35].
كما كان رحمه الله كثير الدعاء؛ فعن طاوس رحمه الله قال: «سمعتُ علي بن الحسين وهو ساجدٌ في الحِجْر يقول: "عُبَيْدُكَ بِفنائك، مسكينُك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك". فوالله ما دعوت بها في كربٍ قط إلَّا كُشِفَ عنِّي» [36].
وكان يقول علي بن الحسين رحمه الله: "اللهمَّ إنِّي أعوذ بك أن تُحسَّن في لوائح العيون علانيتي وتُقبَّحَ في خفيات العيون سريرتي، اللهمَّ كما أسأتُ وأحسنتَ إلىَّ، فإذا عُدت فعد عليَّ" [37].
وفاة علي زين العابدين
مات علي زين العابدين بن الحسين بالمدينة سنة أربعٍ وتسعين (94هـ) من الهجرة، وهو الأصحُّ والأثبت، ودُفِن بالبقيع، وكان يُقال لهذه السنة (سنة الفقهاء)؛ لكثرة من مات فيها من الفقهاء والعلماء، وكان حين وفاته ابن ثمانٍ وخمسين سنة، وقيل: تُوفِّي سنة اثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، وقيل: سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة مائة [38].
[1] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 4/ 386.
[2] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/ 360، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 386، والسخاوي: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، الكتب العلميه، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1414هـ= 1993م، 2/ 276.
[3] ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1900م، 3/ 266.
[4] الطبري: المنتخب من ذيل المذيل، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ص119، وابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 163، والزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002 م، 4/ 277.
[5] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 163، 164، والطبري: المنتخب من ذيل المذيل، ص119، وابن قتيبة الدينوري: المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1992م، 1/ 214، وسبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، دار الرسالة العالمية، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 1434هـ= 2013م، 8/ 182، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/ 365، وابن كثير: البداية والنهاية، دار الفكر، 1407هـ= 1986م، 9/ 104، وصلاح الصفدي: الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناءوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ= 2000م، 20/ 230، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 386، والسخاوي: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، 2/ 276.
[6] صلاح الصفدي: الوافي بالوفيات، 20/ 230.
[7] الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، 10/ 44.
[8] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 386.
[9] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: أسعد داغر، دار الهجرة، قم، 1409هـ، 3/160، وابن خلكان وفيات الأعيان، 3/267، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/ 1148، محمد عبده يماني: علموا أولادكم محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1418هـ= ١٩٩٨م، ص161.
[10] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 398، وعلي الصلابي: الدولة الأموية، مؤسسة اقرأ، مصر، الطبعة الأولى، 1426هـ= 2005م، 2/ 479.
[11] العجلي: الثقات، دار الباز الطبعة الأولى، 1405هـ= 1984م، ص344.
[12] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق، بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400هـ= 1980م، 20/ 383، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 387.
[13] ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الطبعة الأولى، 1326هـ، 7/ 305.
[14] العجلي: الثقات، دار الباز، الطبعة الأولى، 1405هـ= 1984م، ص345.
[15] يعقوب الفسوي: المعرفة والتاريخ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، مؤسَّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ= 1981م، 1/ 544.
[16] ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الدكن، الهند، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1271هـ= 1952م، 6/ 178، 179.
[17] ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، 7/ 305.
[18] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 389، والصلابي: الدولة الأموية 2/ 478.
[19] محمد عبده يماني: علموا أولادكم محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ص162، 163.
[20] محمد عبده يماني: علموا أولادكم محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ص163.
[21] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 394، 395.
[22] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/ 389، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 395.
[23] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 4/ 386، 387.
[24] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 20/ 383، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 387.
[25] علي الصلابي: الدولة الأموية، 2/ 479.
[26] الثفنة: الرُّكْبَة. انظر: المعجم الوسيط، دار الدعوة، 1/ 97.
[27] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/ 379، والمزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 20/ 390، وإبراهيم مصطفى- أحمد الزيات- حامد عبد القادر- محمد النجار: المعجم الوسيط، 1/ 97.
[28] علي الصلابي: الدولة الأموية، 2/ 479.
[29] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/ 378، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 392.
[30] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 167، وابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ= 1992م، 6/ 328.
[31] ابن تيمية: حقوق آل البيت، تحقيق: عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص28، وعلي الصلابي: الدولة الأموية، 2/ 479.
[32] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 20/ 392، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/ 1145.
[33] جِرَابٌ: جمع أَجْرِبَةٌ وجُرُبٌ، وهو وِعاء من جِلْد أو كيس أو حقيبة. انظر: عبد الغني أبو العزم: معجم الغني، ص 9248.
[34] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/ 384، المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 20/ 392، وابن حجر: تهذيب التهذيب، 7/ 306.
[35] الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، 10/ 48، والمزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 20/ 392.
[36] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 41/ 381، وابن كثير: البداية والنهاية، 9/ 105.
[37] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 396.
[38] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 171، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 40/ 411- 416، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/ 399، 400.
قصة الإسلام