محافظة دهوك
تعتبر محافظة دهوك واحدة من المحافظات الاربعة الاساسية في جنوب كوردستان، حيث ترتبط بها ستة اقضية وهي دهوك و اميدي و زاخو و سيميل و اكري و شيخان؛ ومن المنتظر ان ينضم الى هذه الاقضية منطقة بردرش في شباط هذا العام، حيث تم رفع هذا الاقتراح تحويلها الى قضاء من قبل مجلس محافظة دهوك الى مجلس الوزراء في حكومة اقليم كوردستان. ومع قبول هذا الاقتراح سيكون موقع محافظة دهوك هو شمال غرب اقليم كوردستان وشمال العراق. يبلغ تعداد نفوس محافظة دهوك حوالي 550.000 الف نسمة، وتعداد نفوس المدينة اكثر من 250.000 . وتبلغ مساحتها 41 كيلو متر مربع.
تعتبر مدينة دهوك حديثة المنشئ، و يبدأ تاريخها الحديث من سبعينات القرن الماضي لتتحول شيئا فشيئا الى مدينة وتظهر عليها سمات المدن، ولكن عندما نتطلع الى تاريخها القديم فسوف نرى بانها كانت من اقدم الاماكن التي استوطنت بالسكان في المنطقة، حيث مرت عليها عدة حضارات. وهذا ما ظهر بالفعل عندما قام وفد من جامعة وارشو في بولونيا برئاسة البروفسور ( كوسولوسكي) باعمال التنقيب والبحث في قرية نمريكي الواقعة في ناحية فايدة في جنوبي مدينة دهوك وشرق نهر دجلة عام 1985، حيث وصلوا الى نتيجة مفادها ان تاريخ المنطقة يرجع الى ثمانية الالاف عام قبل الميلاد وكانت هناك حياة في تلك الازمنة على هذه الدروب. بالاضافة الى موقع كهف جارستين أي ( كهف ذو اربعة اعمدة) الواقع في وادي دهوك، والذي تؤكده بعض المصادر للمؤرخين والباحثين الذين زاروا المنطقة ان تعتبر من اقدم الكهوف التي عاش فيها الانسان بكل طبيعته.
وكما يؤكده المؤرخ حسن احمد بان تاريخ كهف جارستين يعود الى القرون الوسطى واقدم وثائقها تعود الى من قبل 12000 سنة قبل الميلاد. وهذه امثلة قليلة من الكثير من المواقع الاثرية التي تشهد على عراقة منطقتنا هذه، حيث هناك تل باستك وكمون والتي ترجع الى تاريخ الدولة الميتانية الكوردية بالاضافة الى تل مالتا وكهف هلامتا في شندوخا الواقعة جنوب مركز المحافظة والتي ترجع في تاريخها الى زمن الاشوريين والميديين، حيث كانت تتمتع باهمية بالغة كونها كانت تشكل طريقا استراتيجيا بالنسبة للدولة الاشورية مع دول الجوار مثل وادي زاخو ووادي دهوك وطريق قشفرى و طريق زركا وطريق دركلا شيخا بالاضافة الى طرق اخرى وواقعة في محافظة دهوك كانت تستعمل للتجارة والحروب في مناطق ميزوبوتاميا واسيا الوسطى وايران وروما.
ويقول البروفسور فورد في هذا الصدد: ان بعض من الباحثين والمنقبين يؤكدون ان مدينة دهوك الحالية بنية على انقاض المدينة الاشورية القديمة ( اديان) حيث كانت تعتبر عاصمة (رمبوسي) في عهد الامبراطورية الاشورية. وهذا ما يؤكده الاستاذ بابان ( طه باقر ص فؤاد سفر) في كتابه ( المرشد الى مواطن الاثار والحضارة) حيث يشير الى ان مدينة ( مالياتى) قرية مالتا الحالية كانت من المواقع الحربية الرئيسية في عهد امبراطور الاشور ( سنحاريب) 704-681 قبل الميلاد.
وما يزال هناك الكثير من الكهوف والاثار المنحوتة في الصخور والمواقع الاخرى التي تدل على مصداقية هذه الحقائق في ان الحياة كانت موجودة في هذه المنطقة منذ الازل.
اما بصدد كلمة دهوك فهناك عدد من المتابعات:
- يشير المؤرخ انور مايي والذي يعتمد في مقولته هذه على معلومات نشرت في مجلة العالمين والتي نشرت تحقيقا لـ ( هارتمان) ان
اسم دهوك في عهد الامبراطور ( تاسيسوس بيزا سيوس) كان (جاهوك)
اما المؤرخ حسين حزني موكرياني فيقول: في اوساط القرن الرابع الميلادي كان هناك امير باسم ( اخ شندو) يحكم هذه المناطق وكان يقوم باخذ ضريبة على شكل كفين وقسطين من كل بضاعة تمر في منطقته لذا فقد سميت المنطقة بأسم دهوك. ويؤكد هارتمان ان (اخ شندو) قد حكمها في القرن الثاني الميلادي وتحول الاسم في ما بعد لتتحول الى شندوخا والتي هي الان احدى احياء مدينة دهوك.
وبالرغم من ان المؤرخ انور مايي يدعم هذه النظرية التي يطرحها هارتمان الا انه يعود ويربطها باصل كوردي يعني القرية الصغيرة.
وحتى توفيق وهبي ايضا يدعم هذه النظرية، الا ان الاستاذ امين اوسمان وكما يقوله جمال بابان لا يراها صحيحة بسبب عدم استعمال هذا المصطلح في هذه المنطقة وهو بفارق حرفي الواو والياء.
اما الدكتور فرست مرعى والذي يذكر في احدى مقالاته والتي نشرت مؤخرا ويقول فيها: لان دهوك كانت واقعة امام جبلين وكل منهما كانت تسمى ( سرهوك) يعني الاثنان كانتا تحملان اسم ( دوسرهوك) ولاجل التبسيط في اللفظ فقد ازيلت احرف ( و، س، ر) لتبقى الكلمة على شكل ( دهوك). ويستمر كاتبنا في حديثه بقوله ان هناك قرى مسيحية كلدانية تسمي المنطقة باسم ( اتوك).
وكما يظهر بان منطقة دهوك ومن تاريخ بدء الميلاد وحتى ظهور الاسلام كانت تحكمها دولة اوشكاني وساساني.
بسبب عدم وجود مصادر قديمة لتاريخ مصطلح دهوك الا اننا نستطيع القول ان تاريخ دهوك هو جزء من تاريخ منطقة بهدينان لذا سنقوم بتوضيح عدة نقاط متعلقة بتاريخ المنطقة قبل ثلاثة الالاف عام قبل الميلاد:
- في بداية الالفية الثالثة قبل الميلاد كانت منطقة دهوك جزء من دولة سوبارتو والتي تعني موطن ( سوباريان).
- بين اعوام 2371 – 2230 قبل الميلاد سقطت هذه المنطقة تحت سيطرة الدولة الاكادية.
- في نهاية الالفية الثانية قبل الميلاد ظهر الاشوريون في منطقة موزوبوتاميا في اعوام 1900 قبل الميلاد وتواجدوا في منطقة دهوك بين دولتي اشور واسيا الوسطى
- بين اعوام 1500-1270 قبل الميلاد تصبح منطقة دهوك جزء من الدولة الميتانية الكوردية.
- من بداية الالفية الرابعة عشر قبل الميلاد تدخل منطقة دهوك وبشكل تدريجي تحت حكم الدولة الاشورية. وفي تلك المدة كان ملك الاشوريين ( شيلمنخري الاول) (1274-1245) يستعمل طرق جبال دهوك من اجل الهجوم على دولة اورارتو في منطقة وان.
- في بداية الالفية الاولى قبل الميلاد تظهر وبكل وضوح اهمية منطقة دهوك للاشوريين وتتحول الى معقل عسكري لهم في تلك الفترة وبعدها تتحول الى مدينة سميت انذاك بـ ( ماليات) أي مالتا الحالية.
- بعد انهيار الدولة الاشورية عام 612 قبل الميلاد تسقط منطقة دهوك تحت سيطرة الدولة الميدية الكوردية وبعدها في عام 546 قبل الميلاد تدخل تحت سيطرة الدولة الاخمينا الفارسية.
- بين اعوام 331-147 قبل الميلاد بعد ان تجتاح قوات الاسكندر المقدوني دول الشرق تدخل دهوك تحت سيطرته حيث تسمى تلك الفترة باسم ( هلنتسي) وتصبح دهوك احدى معاقل قادة اسكندر (سلوقي) وتعرف تلك المرحلة بمرحلة الدولة السلوقية.
- بين اعوام 147 قبل الميلاد -225 ميلاد تدخل منطقة دهوك تحت سيطرة دولة فرتي (اوشكاني) والتي تأسست عام 250 قبل الميلاد في خوراسان. وفي تلك المرحلة تتوزع كوردستان على ثلاثة مناطق وباسلوب المخاتير حينها تصبح شمال كوردستان ومنطقة بهدينان جزء من اقليم الكورد ومنطقة دهوك تكون بذلك احدى مناطقها.
- في
عام 115 ميلادي يقوم الامبراطور الروماني ( تراجان) بالهجوم وعن طريق سوريا على عدد من دول الشرق الاوسط. ومثلما يقول العلامة محمد امين زكي ان مناطق زاخو، دهوك، اكري في شمال نهر دجلة كانت تسمى قديما بـ ( اديابين).
- بين اعوام 226 ميلادي- 637 ميلادي تقع دهوك تحت حكم الدولة الساسانية. فقط في المرحلتين الاخيرتين يعني بين اعوام 147 قبل الميلاد و 617 ميلادي كانت هذه المنطقة مكان للصراع بين دول المنطقة والدولة الرومانية، وتستمر هذه الاحداث حتى عام 641 ميلادي وبعدها تصل الوحدات العسكرية الاسلامية الى كوردستان وتصبح دهوك منطقة من مناطق الدولة الاسلامية.
- كما يقول المؤرخ ( البلاذري) بانه وعندما يقوم القائد العسكري الاسلامي ( عتبة بن فرقد) عام 20 الهجري / 646 ميلادي بالاستيلاء على مدينة الموصل ويتابع مسيرته نحو الاسفل وشرق الموصل ليستولي على مناطق الكورد ومنها (المعله) مالتاي و داسير (داسن) وقد قيل كثيرا عام 441 هجري/ 1049 ميلادي ان اسم مالتا كان ( معله، معلثايا، مالطا ) ومنذ ذلك الحين تصبح مالتا احدى المناطق المهمة في التاريخ ومن الواضح ان دهوك ايضا عرفت في تلك الفترة.
بعد ظهور الدولة الاسلامية تقع دهوك كسائر مناطق كوردستان تحت حكمها وعن طريق سيطرتها على العوائل الحاكمة انذاك يتم تأسيس الامارات الكوردية حينها ومنها امارت ( داسنيا السفلى) والتي تأسست عام 916 ميلادي وقد سميت دهوك باسم هذه الامارة حيث قيل لها دهوكا داسنيا وقد استمر هذا الحكم حتى عام 1236 لتتأسس بعدها ( شيخان) وتقع تحت حكم الامارت البهدينية والتي تأسست عام 1262 واستمرت حتى 1842.
الجدير بالذكر هنا بانه ولاول مرة يرى اسم دهوك في كتاب ( دياربكري) للمؤلف ابو بكر الطهراني والتي كتبه عام 1470-1471 باللغة الفارسية. حيث يأتي بذكر دهوك خلال الاحداث التي رافقت اعوام 1446-1447.
- من عام 1446-1842 كانت دهوك تابعة لامارة بهدينان وبعد استيلاء القوات العسكرية العثمانية عام 1842 على امارة بهدينان تصبح دهوك تابعة لها.
تتحول دهوك عام 1850 الى ناحية وعام 1873 الى قضاء تابعة للموصل. وكما جاء في تقويم الدولة العثمانية عام 1901- 1902 كانت دهوك تشكل قضاءا من الدرجة الثالثة وكانت لها ناحية واحدة وهي ناحية مزوري وكانت ترتبط بها 99 قرية و 116 قرية تابعة لناحية مزوري يعني مجموع القرى التابعة لقضاء دهوك كان 215 قرية. ويقال انه عندما تأسست الدولة العراقية عام 1922 كانت دهوك قضاءا وكان عدد قراها نفس العدد المذكور انفا. وكما يذكر قائم مقام قضاء دهوك انه وعندما زار علي سيدو كوراني قضاء دهوك عام 1931 كانت تتألف من ثلاثة نواحي: ناحية دهوك كانت لها 100 قرية وناحية دوسكي في مانكيش كانت 90 قرية يعني مجموع القرى التابعة للقضاء كانت 390 قرية.
في كتاب دليل المصايف العراقية ( طبعة 1934) يذكر انه كانت هناك ناحيتان تابعتان لقضاء دهوك وهما ناحية دهوك و ناحية دوسكي.
بعد الحرب العالمية الاولى وتأسيس الدولة العراقية عام 1922 كانت دهوك اول قضاء يتأسس ضمن الدولة العراقية وكانت تابعة للموصل. ووفق طلب الثورة الكوردستانية بتاريخ 27 ايار عام 1969 وكما جاء في احد بنودها الخاص باتفاقية 29 حزيران عام 1966 تقرر تحويل قضاء دهوك الى محافظة وكان اول محافظ لها هو عكيد صديق اميدي.
ويجدر بنا القول هنا ان محافظة دهوك والتي تأسست منذ بداية القرن العشرين كانت احدى مطالب الشعب الكوردستاني والحركة التحررية الكوردستانية من اجل الوصول الى اهدافها وهنا نذكر عدد منها:
- من اجل تعميم اللغة الكوردية الرسمية واعادت المنطقة الى اصلها في اقضية زيبار ، اكري ، دهوك و اميدي والتي تتشكل منها محافظة دهوك وجعل اللغة الكوردية اللغة الاساسية في المدراس والدوائر الحكومية الرسمية بالاضافة الى جعل المسؤولين فيها من الشعب الكوردي. هذه المطالب واخرى كانت في الكتابة التي حضرها الشيخ عبد السلام بارزاني وعدد من وجهاء الكورد عام 1908 وحسب مصادر عام 1911 فقد تم تحضيرها في منزل شيخ نور محمد، حيث رفعة الى الاحتلال العثماني في استانبول وبرغم من ان الكتابة لا تؤشر الى ادارة محافظة دهوك الا انها تؤكد مع عدد اخر من الوثائق الحقائق الموجودة انذاك في دهوك.
- حسب ما يذكره العلامة محمد امين زكي بان المندوب السامي البريطاني قد وعد الكورد بتأسيس محافظة دهوك.
بتاريخ 24 نيسان عام 1929 يقوم ستة ممثلين كورد برفع تقرير الى رئيس وزراء العراق والمندوب السامي البريطاني في بغداد تتعلق بتشكيل محافظة ومن الاقضية الكوردية التابعة للموصل باسم محافظة دهوك.
- احدى مطالب ثورة بارزان 1943 – 1945 والتي رفعة بتاريخ 7/1/1924 الى ممثل الحكومة الملكية العراقية كانت تأسيس محافظة باسم دهوك من الاقضية الكوردية التابعة لمحافظة الموصل .
-بعد اندلاع الثورة الكوردستانية في ايلول 1961 وحتى عام 1969 كانت محافظة دهوك احدى مطالب الشعب الكوردي واحدى الحلقات التي
تم مناقشتها بشكل مكثف مع الحكومة العراقية.
بعد هذه التعريفات التاريخية القصيرة نرى الحاجة للتطرق الى نواحي تاريخها الثقافي والحضاري. حيث يذكر بانه وعلى مر مائتي عام منصرمة وخاصة بعد دخول دهوك تحت سيطرة ويلات الموصل العثمانية وبعدها محافظة الموصل العراقية فقد غدر بدهوك كثيرا من النواحي الثقافية والحضارية. وخاصة عندما ننظر بتمعن الى ان دهوك كونها كانت اقرب قضاء تابع للموصل حينها فقد كانت التطورات تشهد امدا سريعا في الحياة الثقافية فقد تأسست اول مدرسة فيها على يد القس دومونيك وفي نفس المرحلة تأسست فيها اربعة مدارس وابتدائية ومتوسطة بالاضافة الى اعداديتين عسكريتين مع تواجد عدد من الاساتذة والمعلمين الجيدين في ذلك الوقت. اما في دهوك وحسب مصادر تاريخية تؤكد بانه تأسست فيها مدرسة عام 1905 وكانت غير جديرة بتسميتها بالمدرسة بسبب انعدام مستواها من كل الجهات وقد استمر هذا الحال حتى عام 1922 عند تأسست فيها مدرسة صلاح الدين والتي تستمر الى الان.