تأریخ التحریر: : 2019/4/23 10:08
{بغداد: الفرات نيوز} مع حلول شهر نيسان من كل عام، وما يرافقه من ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة، يبدأ مربو المواشي في العراق عمليات جز صوف قطعان الأغنام التي يمتلكونها، فدرجات الحرارة المرتفعة المنتظرة في فصل الصيف، يمكن أن تتسبب بمرض أو هلاك الحيوانات مع بقاء فروة الصوف الكثيفة وهي تغطي أجسادها.
قص صوف الغنم، أو ما يسمى محليا "موسم الكصاص" وهو تقليد قديم يتبعه الرعاة وأصحاب المواشي منذ عقود طويلة، وربما منذ قرون، كما يقول هادي الجلوب أبو حسن، ويضيف: "منذ أن أبصرت عيني النور وأنا أشهد موسم الكصاص وقد مارسه قبل ذلك آبائي وأجدادي".
يعيش أبو حسن وعائلته الكبيرة المؤلفة من خمسة أولاد وأبنائهم في قرية {مرزابات} التي تبعد نحو 10 كيلومترات من قضاء جصان و15 كيلومترا عن قضاء بدرة التاريخي في محافظة واسط والمحاذي للحدود العراقية الإيرانية.
وعلى الرّغم من سنوات عمره التي ناهزت السبعين، فإنّه ما يزال يتمتع بالحيوية اللازمة لإدارة منزله وترتيب موسم جز الصّوف لقطيعه الذي يزيد على 100 رأس من الغنم ونحو عشرين من الماعز.
لا ينسى أبو حسن المجهود الاستثنائي الذي يبذلها أولاده في إدارة شؤون المنزل والقطيع وحقل الزراعة الصغير ويضيف: "حسن يعمل معاونا طبيا في منفذ مهران الحدودي، والبقية يقومون بمختلف الأعمال هنا، لولا مساعدتهم لما تمكنت من فعل أي شيء".
السياسية، أبعدت أبو حسن عن سلك الجيش مطلع سبعينات القرن الماضي، بعد أن لاحقته تهمة الانتماء للحزب الشيوعي العراقي حينذاك، وأدت إلى طرده من فصيل المظليين في القوات الخاصة ويقول "اليوم لا أجيد سوى سياسية قطيع أغنامي ولا دخل لي بالسياسة أبداً".
موسم "الكصاص" يتطلب ترتيبات محدّدة قبل وأثناء إجراء العملية التي تبدأ أولاً بغسل قطيع الغنم قبل يومين أو ثلاثة من عملية تنظيفه مما لحق به من أوساخ وأوحال فصل الشتاء، تمهيداً لعملية القص التي تأتي بعد أن يجف الصّوف من الماء، ومن دون عملية الغسل لا يمكن إجراء عملية القص.
مبدأ "تقسيم العمل" الشائع في الأدبيات الاجتماعية والأنثروبولوجية يتجلى بصورة واضحة في عمليتي الغسل والقص اللاحقة؛ حيث يتوزع الشباب في عملية الغسل إلى مجموعتين، المهمة الأولى هي النزول إلى النهر القريب من القرية لغسل النعاج التي تقوم المجموعة الثانية برميها إليهم في النهر".
وفي يوم القص الموعود تنقسم مجموعات الشباب إلى مجموعتين أيضا، الأولى مجموعة "المهرة" أو ما يمكن أن يسموه بحلاقي النعاج الذين يتمتعون بمهارة قص الصوف، ومجموعة المساعدين الثانية الذين يسحبون الخروف أو النعجة من القطيع لجلبه إلى "الحلاق" وتوثيق أرجله الأربع تمهيداً لجز قطعة الصوف ولفّها على شكل كرة بعد الانتهاء من العملية.
أبو حسن يشرح تفاصيل عملية التحضير التي تسبق عملية قص الصوف بالقول: "عادة نحضّر المقصات ويسمى الواحد منها محليا {الزو} وهو آلة بسيطة من حدّين متقاطعين تشبه المقص العادي لكنّها أكبر منه".
ويضيف: "يوم الكصاص، يوم استثنائي؛ حيث يأتي الأصدقاء والمحبون من القرى القريبة والبعيدة للمعاونة، أو ما يسمى {الفزعة} لأهل القطيع الذي سبق أن بادلوهم الأمر ذاته، ومن لم يساعد صاحبه لا يتوقع أن يبادر صاحبه إلى مساعدته في ذلك اليوم، ويجب على صاحب المناسبة نحر ذبيحة لوجبة غذاء الشباب العاملين في عملية القص".
لكنّ أبو حسن يلاحظ أن "تقليد قص الصوف أصابه بعض التحول في السنوات الأخيرة، فقد قلّت {الفزعات} فيه وبات بعض الشباب المحترفين يأتون من محافظات ذي قار وميسان المجاورة لعرض خدماتهم مقابل ألف دينار لرأس الغنم الواحدة زائدا وجبة الغداء".
"الحلاق البارع" حسين نجل أبو حسن الأوسط تحدث عن التفاصيل الأخرى المتعلقة بعملية قص الصوف بالقول: "البراعة في قص الصوف تبدأ بوقت مبكر من عمر الشباب في الريف؛ حيث يتعلمون الحرفة بداية الأمر في قص صوف النعاج الصغيرة من ثمّ يصبحون متمرسين".
وعن أهم المتغيرات التي لحقت عملية جز الصوف في السنوات الأخيرة، يرى حسين أن "تراجع أسعار قطعة الصوف الواحدة إلى 1000 دينار فقط {أقل من دولار} أضرّ بالرعاة كثيراً وحرمهم من دخل آخر يمكن أن يوفره لهم ثمن الصوف".
ويضيف: "سابقا كنا نبيع قطعة الصوف بـ5 آلاف دينار لتجار يبيعونها بدورهم إلى معامل النسيج في واسط، لكن تلك المعامل توقفت في السنوات الأخيرة".
ويتابع بأنّ "موسم وفرة الأمطار والرّبيع الحالي زاد من غلّة الصّوف، فالمراعي الجيدة تزيد من إنتاجية الصوف لدى الغنم، لكنّ ذلك لم ينعكس على شكل فوائد مؤكدة بالنسبة لمربي الأغنام، نظرا لتراجع أسعار الصوف".انتهى