ثورة العشرين .. القصة الكاملة
انتفاضة شعب لايقبل الضيم ولا يرضى بالذل أبدا ، ضد محتل أراد طمس العراق وعاث في ارضه فسادا وإفسادا ، إنها ثورة العشرين ، التي اشتعلت جذوتها في الثلاثين من يونيو عام 1920 ، بخروج العراقيين عن بكرة أبيهم وبكل مكوناتهم ، في مظاهرات سلمية ضد الاحتلال البريطاني وللمطالبة بالاستقلال ، وسرعان ما تحولت المظاهرات السلمية إلى ثورة مسلحة ، نتيجة ممارسات الاحتلال القمعية.
معاهدة سانريمون وتحول الثورة من سلمية لمسلحة
الحرب العالمية الأولى وبعد انتهائها حاول الاحتلال البريطاني طمس العراق بحضارته وعراقته ، وسماه بلاد ما بين الرافدين ، حيث وقع المحتل البريطاني معاهدة ( سانريمون ) عام 1920 ، والتي حولت العراق إلى الانتداب البريطاني ، ولم يمض شهر واحد على هذه المعاهدة حتى اندلعت ثورة شعبية سلمية عارمة ضد الانجليز ، عرفت بثورة العشرين.
اصطفاف العراقيين في ثورة العشرين
ثورة خرج فيها العراقيون بكل مكوناتهم سلميا ، ضد الاحتلال البريطاني لطرده من البلاد واستقلال العراق كدولة عربية واحدة ، إلا أن الحراك السلمي لم يستمر أكثر من شهر ، حيث تحولت الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة ، شارك فيها العديد من العشائر لمقاومة المحتل البريطاني.
قتل أبناء الشيخ ضاري للحاكم الإنجليزي لجمن
الأسباب التي حولت الحراك السلمي لثورة العشرين إلى ثورة مسلحة كان من ضمنها ، قيام الحاكم الإنجليزي لجمن في خان النقطة (بين بغداد والفلوجة) بإهانة شيخ قبيلة زوبع الشيخ “ضاري بن محمود” ، وأهان ليجمن الشيخ فأطلق ولدا الشيخ النار على ليجمن فقتلاه وعند محاولة المرافق المقاومه قتلوه أيضا ، بعدها سجن الشيخ ضاري قبل أن يستطيع رجاله أن يخلصوه بالقوة.
فتاوى وتحريض لصالح الثورة
العراقيون آنذاك كانوا على قلب رجل واحد ، حيث أفتى أية الله “محمد تقي الشيرازي” بحرمة التعامل مع الانجليز ، كما حرض الشيخ “مهدي الخالصي” الجماهير على الثورة من خلال خطبه الحماسية ، وفي الشمال أعلنها قائد الكرد “محمد برزنجي” ثورة عارمة ضد الانجليز ، حيث أثار تكاتف الشعب العراقي وتماسكه في ثورة العشرين ، مخاوف المحتل البريطاني ، حيث استدعى وزير الحرب البريطاني المدد واستقدم فرقتي طيران ، واستخدمت بريطانيا الفسفور الأبيض ضد الثوار ، فقتلت ستة آلاف ثائر عراقي.
عشائر جنوب العراق تحركت في 13 /8 / 1920 ، وبعض عشائر لواء الدليم وزوبع وقسم من بنى تميم برئاسة “علي المعيدي” ، وعزموا على قطع سكك الحديد ما بين بغداد وسامراء وذلك لقطع إمدادات الجيش البريطاني بين الموصل وبغداد وسيطروا على بعض المدن وألحقوا الخسائر بالقوات البريطانية في تلك المناطق ، ثم انتشرت الثورة في باقي محافظات العراق ودامت الثورة حوالي ستة شهور تكبدت خلالها القوات البريطانية خسائر بشرية كبيرة تقدر بـ 500 جندي انجليزي وهندي ، وخسائر في الممتلكات تزيد عن أربعين مليونًا من الجنيهات الأسترلينية.
مؤتمر القاهرة وتشكيل حكومة عراقية
ثورة العشرين وما أن انتهت حتى عقدت بريطانيا مؤتمرا في القاهرة حول العراق ، تشكلت على أثره أول حكومة مؤقتة برئاسة “عبد الرحمن النقيب” نقيب أشراف بغداد ، ووُضِع مستشار إنجليزي بجانب كل وزير، وأعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية رشحت لها الأمير “فيصل بن الشريف حسين” ملكًا على العراق في 23 أغسطس/ اب 1921م بعد إجراء استفتاء شعبي كانت نتيجته 96% تأييدًا لفيصل ، حيث أجبرت بريطانيا فيصل على توقيع معاهدة معها في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1922م تضمنت بعض أسس الانتداب.
أسباب اندلاع ثورة العشرين
أسباب اندلاع ثورة العشرين تعددت ومنها ، إعلان معاهدة سان ريمون في إيطاليا في 25 نيسان 1920 والتي وضعت العراق تحت الانتداب البريطاني ، وكذلك الانتهاكات البريطانية العسكرية المحتلة للعراق ، واستخدام السياسات القمعية ، وإجبار المواطنين على العمل في السخرة ، وإصرار الحكام البريطانيين على إخضاع العراق إلى الإدارة البريطانية المنتدبة إو المباشرة.
تزوير إرادة الشعب العراقي في استفتاء 1918-1919 كان أيضا من أسباب اندلاع ثورة العشرين ، وكذلك مطاردة الوطنيين الأحرار واعتقالهم ، وتحجيم دور الموجهين من رجال الدين والوعاظ والخطباء والشعراء والكتاب والمعلمين وغيرهم ، وأيضا تصرفات الحكام البريطانيين وقيامهم بإهانة أبناء العشائر وشيوخها أحيانا ، وكثرة الضرائب وثقلها على العراقيين.
دور جبهة الدليم في ثورة العشرين
جبهة الدليم كان لها دور بارز في ثورة العشرين ، حيث كان الشيخ “ضاري المحمود” زعيم عشيرة الزوبع عدوا لدودا للانجليز ، ودعاه الكولونيل ليجمن إلى مقابلته في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الخميس الموافق 12 أغسطس / آب 1920 ، فرفض الشيخ في بادئ الأمر لعلمه بأنه سوف يطلب منه التعاون مع الإنجليز ضد العراقيين ولكنه في الأخير ذهب لمقابلته.
الشيخ ضاري حضر ورجاله ، ولما حضر لجمن صار يقص عليه قصة قبض سلطات الاحتلال على معارضيها ثم وجه له الإهانة باتهامه أنه قاطع للطريق هو وعشيرته ، فخرج من الخان والألم يحز في نفسه ، وبعد لحظات عاد ومعه ولده سلمان وأبناء عمه صكب وصعب ، فوجهوا فوهات بنادقهم إلى رأس لجمن وأطلقوا النار عليه فأردوه قتيلا ، ثم أجهز الشيخ ضاري عليه بالسيف.
الجميع اتجه إلى قبيلة المحامدة ، قرب الصقلاوية حيث اتخذ الشيخ ضاري يراسل زعماء الثورة في كربلاء ، فعم الهياج منطقة الدليم من (خان النقطة) إلى (عانه) وقد اشتركت عشيرة زوبع اشتراكا فعليا ، حيث انتقل الشيخ ضاري إلى (خان العطيشي) بين كربلاء والمسيب واتخذه مركزا لقيادة الحديدية الذاهبة إلى الفلوجة ، حيث عرقلوا بذلك وصول الامدادات إلى جيوش الاحتلال.
الثامن عشر من أيلول عام 1920 ، اضطرت إحدى الطائرات البريطانية إلى الهبوط قرب الفلوجة فحطمها الثوار وأسروا ركابها ، في حين استثنى المندوب السامي (السير برسي كوكس) الشيخ “ضاري المحمود” من قرار العفو العام الذي أصدره في 30 أيار 1921 ، وبقي الشيخ يجوب الفيافي والقفار ، وقد أعلنت الحكومة البريطانية عن مبلغ من المال لمن يأتي به حيا أو ميتا.
خريف سنة 1927 كان يوما فاصلا في تاريخ المقاومة العراقية ، حيث استأجر الشيخ ضاري سيارة للذهاب إلى (حلب) فغدر به سائق السيارة الأرمني وسلمه إلى السلطات الحكومية في سنجار ، فاعتقلته السلطات وحوكم أمام محكمة الجزاء الكبرى في بغداد ، وقضت بالحكم عليه بالإعدام ولكنها أبدلت العقوبة بالسجن المؤبد ، ولم يبق الشيخ في السجن أكثر من بضعة أيام حتى توفاه الأجل في يوم أول شباط 1928 ، لتفقد المقاومة العراقية بطلا كان أحد أهم أعمدتها الرئيسة.
رحل الشيخ ضاري وبقيت ذكراه خالدة في نفوس وعقول العراقيين ، حيث اقترن ذكره بالمقاومة العراقية للمحتل ، وستظل سيرته محفورة في الذاكرة كونه رجل حمل هم أمة ، ولم يقبل الهوان على بلده وأهلها ، فيما ينتظر العراق اليوم ضارٍ جديد ، ليخلص الشعب من حكومات الاحتلال المتسلطة ، التي أهلكت الحرث والنسل ، كما خلصها الشيخ “ضاري المحمود” من الاحتلال البريطاني بثورته الخالدة.
المصدر:وكالة يقين