التلوث الضوضائي
على الرغم من أنَّ الصوتَ هو أمرٌ حيويٌ وضروريٌ في حياة البشر، إلاَّ أنَّ الضجيجَ وتزاحم الأصوات المختلفة ليس كذلك. ويُطلق مصطلحُ الضجيج أو الضوضاء noise على الأصوات غير المرغوبة، أو تلك التي تسبِّب إزعاجاً لدى من يسمعها.
معلوماتٌ مهمَّة
تُعدُّ الأصواتُ مزعجةً عندما تُشوّش على النشاطات الاعتيادية الأخرى للإنسان، مثل النوم أو تبادل الأحاديث، أو تفسد على الشخص متعتَه في قضاء يومه. أمَّا من حيث الاصطلاحُ، فيُطلق مصطلحُ التلوُّث الضوضائي noise pollution إذا كان الضجيجُ يحدث بشكل منتظم؛ أمَّا إذا لم يحدث بصورة منتظمة أو مستمرة، فيُطلق عليه اسم "الإزعاج الصوتي" أو "الأصوات المزعجة Nuisance".
يعتقد العلماءُ بأنَّ البشرَ ليسوا وحدَهم ضحية التلوُّث الضوضائي؛ فعلى سبيل المثال، تتأثَّر الحيواناتُ البحرية سلباً بالضجيج الصادر عن الغوَّاصات والسفن الكبيرة التي تمخر عبابَ البحر؛ كما أنَّ نشاطَ قطع الأشجار الذي تقوم به شركاتُ الخشب العملاقة في الغابات يشكِّل مصدرَ إزعاجٍ كبيرٍ للحيوانات التي تعيش فيها.
أمَّا مصادرُ الضجيج فلا حصرَ لها، ويمكننا أن نذكرَ - على سبيل المثال - السيَّارات والدرَّاجات النارية العابرة في الطرق، والطائرات والمروحيات التي تحلِّق فوقَ المدن، والشاحنات وآليات البناء الثقيلة، والأدوات الكهربائية المنزلية ومكبِّرات الصوت المستخدَمَة في الأماكن العامَّة.
يُقاس الضجيجُ (والصوت عامةً) بواحدة قياس عالمية تُدعى الديسيبل decibel، ويُشار لها بالحرفين اللاتينيين dB. يمكن للأذن البشرية أن تتحمَّلَ الاستماع إلى ضجيج يساوي 91 ديسيبلاً لمدَّة ساعتين، والاستماع إلى ضجيج يساوي 100 ديسيبل لمدَّة 15 دقيقة، وإلى ضجيج يساوي 112 ديسيبلاً لمدة دقيقة واحدة؛ أمَّا الضجيجُ الذي يزيد على 140 ديسيبلاً، فلا يمكن للبشر تحمُّل الاستماع إليه، وقد يؤدِّي ذلك إلى تلف عصبي فوري لديهم.
يُعدُّ الضجيجُ أحدَ أشكال التلوُّث البيئي؛ وإن كان يُعتقد بأنَّه أقلّ ضرراً على الإنسان من تلوُّث الماء أو الهواء أو التربة؛ إلاَّ أنَّ الأشخاصَ، الذين يتعرَّضون لتلوُّثٍ عالٍ بالضجيج، يدركون مدى خطورة هذا الأمر ومدى الحاجة إلى الاهتمام به واتِّخاذ تدابيرٍ كافيةٍ للحدِّ منه. يُنشِّطُ الضجيجُ الجهازَ العصبي الودِّي في الجسم، ويرفعُ ضغط الدم ويزيدُ نبضَ القلب.
ويمكن إضافةُ الضجيج الآن إلى هذه قائمة العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب التاجيَّة، وذلك حسب دراسةٍ حديثةٍ وتقييمٍ للأدلَّة قامت به منظَّمةُ الصحَّة العالميَّة حول العِبء البيئي للضجيج. كما تُشير معلوماتٌ حديثة إلى أنَّ الضجيجَ يؤدِّي إلى حدوث وفيَّاتٍ أكثر من المُتَوَقَّع، ناجمةٍ عن مرض القلب".
وقد سَجَّلت دراستان أُجريَتَا عام 2013، وشملتا الملايين ممَّن يعيشوا قربَ المطارات، وجودَ ارتباطٍ بين التعرُّض لضجيج الطائرات وارتفاع نسبة دخول المستشفيات لدى من يعاني من أمراض قلبيَّة وعائيَّة. كما قد يزيد الإزعاجُ الصوتي من توتُّر الجهاز العصبي الودِّي sympathetic nervous system، حيث يصبح هذا الجهازُ في أعلى حالات التنبُّه.
جرى تحديدُ عتبة الضجيج المُسبِّبة للمشاكل القلبيَّة الوعائيَّة، وهي لا تقلَّ عن التعرُّض الليلي المزمن لمقدار 500 ديسبلاً، وهذا ما يعادل ضجيج حركة المرور الخفيفة. كما يُعاني الأشخاص الذين يتعرَّضون للضجيج نهاراً من مشاكل صحيَّة، ولكنَّ تأثيرهذا العامل يميل إلى الازدياد خلال ساعات الليل. "اعتاد الكثير من الأشخاص على الضجيج بمرور الوقت" مع احتمال وجود نتائج خطيرة على صحَّتهم.
ينبغي أخذُ العواقب الأوسع للتعرُّض للضجيج بعين الاعتبار، حيث لا تقتصر مساهمةُ الضجيج في الأمراض القلبيَّة الوعائيَّة، ولكنَّه يؤدِّي أيضاً إلى نقص السمع واضطراب النوم، وحدوث اضطرابات اجتماعية وانخفاض في الإنتاج، وضَعف في التعليم والتعلُّم وفي مُعدَّلات التغيُّب، وزيادة استعمال المهدِّئات ووقوع الحوادث.
ما هي مصادر التلوّث بالضجيج أو الضوضاء
هناك العديدُ من المصادر للضجيج، سنأتي فيما يلي على ذكر بعضٍ منها:
- الضجيج المنزلي:
يمكن للأدوات المنزلية الكهربائية أن تكونَ مصدراً أساسياً للضجيج، فتسبِّب الإزعاجَ وتُلحق الضررَ بالصحَّة، ومن الأمثلة عليها: خلاَّط الفواكه ومحضِّر الطعام، غسَّالة الملابس، مجفِّف الشعر، مكيِّف الهواء، السمَّاعات الخارجية للأجهزة الصوتية، سمَّاعات الأذن، وغيرها. كما يمكن أن يصدرَ الضجيجُ عن جوار المنزل، كما لو كان أحدُ الجيران يحتفظ بكلبٍ في حديقة منزله، واعتاد هذا الكلبُ على العواء كلَّما لمح ظلاً يمرُّ بجانبه، فيسبِّب عواؤُه الإزعاجَ لكلِّ قاطني الحي.
- المناسبات الاجتماعية
يمكن لصالات الأفراح أو أماكن انعقاد الاحتفالات وغيرها أن تكونَ مصدرَ إزعاجٍ كبيرٍ للقاطنين في محيطها. كما أنَّ هنالك العديد من الأسواق الشعبية التي تُستخدَم فيها مكبِّرات الصوت للفت الانتباه، أو يصيح الباعة بأعلى أصواتهم لترويج بضائعهم. ومن الجدير بالذكر أنَّ تلك الأصواتَ إذا كانت غير مستمرة، فإنها تُسمى "إزعاجاً" وليس تلوٌّثاً ضوضائياً.
- النشاطات الصناعية والتجارية
يصدر عن المنشآت الصناعية ومواقع البناء والمطابع الكبرى أصواتُ ضجيجٍ تصل إلى درجة التلوُّث الضوضائي. كما أنَّ هنالك العديد من الصناعات التي تستلزم من العاملين فيها وضعَ سدادات في الأذنين بشكل دائم للتخفيف من شدَّة الضجيج الذي يتعرَّضون له. وينطبق الأمرُ ذاته على العاملين في مجال جزِّ الأعشاب، أو قيادة الآليات الثقيلة، أو الذين يعملون على آليَّات الحفر والهدم.
- النقل
يعاني الأشخاصُ، الذين يسكنون بجوار المطارات (وخاصَّة الضخمة منها) من ضجيج الطائرات عندَ الإقلاع والهبوط. وينطبق الأمرُ كذلك على القاطنين بجوار محطَّات القطارات أو مراكز انطلاق حافلات النقل الجماعي.
ما هو تعريف مصطلح
يُطلق مصطلحُ الإزعاج على الفعل أو النشاط الذي يُلحق الأذى أو الضيقَ بالآخرين (كالأغاني الصاخبة أو أبواق السيارات وغيرها).
فيما يلي بعض الأمثلة على الأصوات المزعجة:
- نُبَاح الكلاب.
- ضجيج أعمال البناء والإنشاء.
- أصوات الإصلاحات المنزليَّة في أوقات راحة الآخرين.
- أبواق السيَّارات.
- حركة السيَّارات في أوقات غير منطقية (مواكب الفرح، نقل أو توصيل الأثاث المنزلي في ساعات متأخِّرة من الليل).
- أصوات الحفلات وأمان الصَّخَب.
- الموسيقا الصاخبة وأصوات التلفاز العالية وألعاب الكومبيوتر.
- الأصوات الصَّادرة عن بعض الورشات الحرفية (مثل النجارة والحدادة).
- شفَّاطات الهواء الضخمة الموجودة في المطابخ الكبيرة.
- الأصوات الصَّادرة عن بعض دور العبادة.
- الأصوات الصَّادرة عن الحفلات الفنية في الهواء الطلق، كالعروض المسرحية أو الغنائية.
ويبقى كلُّ ذلك أمراً نسبياً بين الناس؛ فما قد يعتبره البعضُ إزعاجاً، قد يراه آخرون على أنَّه شيءٌ محبَّب؛ فعلى سبيل المثال، يستمتع بعضُ الناس بسماع الأصوات الصادرة عن الحفلات الموسيقية العامَّة ويعتبرونها ترفيهاً مجَّانياً، في حين أنَّ البعضَ الآخر تزعجه تلك الأصوات ولا يفضِّل سماعها، لأنها تفسد عليه أوقاتِ راحته أو عمله.
وبذلك، فإنَّ مصطلح "الإزعاج" يُستخدم غالباً لوصف الأفعال المذمومة من معظم الناس العاديين، أو مجموعة من الناس في مكان وزمان محدَّدين.
أثر التلوُّث الضوضائي
تتضمَّن المشاكلُ الناجمة عن التلوُّث الضوضائي كلاً من الأمراض المتعلِّقة بالشدَّة النفسية، وفقدان السمع، واضطرابات النوم، وتراجع الإنتاجية في العمل. ويمكننا تصنيفُ ذلك بشكل عام في بابين رئيسيين:
- على مستوى السمع
يؤدِّي التعرُّضُ المستمر للتلوُّث الضوضائي إلى تأثيرات مباشرة في سمع الشخص؛ فقد تُصاب طبلةُ أذنه بالضرر، وهو ما قد يؤدِّي إلى مشكلة مستديمة في السمع لديه.
- على مستوى الصحَّة العامة
تتضمَّن التأثيراتُ الصحِّية للتلوُّث الضوضائي كلاً من القلق والشدَّة النفسية، وقد تصل في الحالات الشديدة إلى الشعور بالهلع أو الرعب. أمَّا الأعراضُ الجسدية فتتضمَّن الصداع، والنزق والعصبية، والشعور بالإرهاق، وانخفاض الإنتاجية في العمل؛ فعلى سبيل المثال، قد يؤدِّي الاستماعُ إلى أصوات إطلاق النار طوال الليل، أو صفير سيارات الإسعاف أو الشرطة، إلى ذهاب الموظفين إلى عملهم صباحاً بحالة من الإنهاك والشدَّة النفسية، وخاصةً الكبار في السن منهم.
ومن الجدير ذكرُه أنَّ تلك الآثارَ قد لا تسبِّب مشكلةً حقيقية للشخص على المدى القصير، إلاَّ أنَّ استمرارَها لفترة طويلة قد تنجم عنه عواقب سيِّئة.
نصائح للوقاية من التلوث الضوضائي
هناك توجُّهٌ نحوَ تصنيف المنتَجات وفقاً لدرجات الضجيج التي تصدرُ عنها، وقد أصبح ذلك إلزاميَّاً بالنسبة لبعض المنتجات في الاتحاد الأوروبي والأرجنتين والبرازيل والصين. وقد [IMG]file:///C:\Users\v\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\clip _image001.jpg[/IMG] جرى تطبيقُها في الولايات المتحدة بالنسبة لضواغط الهواء.
كما يجب الأخذُ بعين الاعتبار مستويات الضجيج عندَ تصميم الأبنية، وعند شراء الآليَّات ذات الضجيج مثل سيَّارات الإسعاف ومُعدَّات تشييد الأبنية والحافلات.
وليسَ من الغريب رسمُ خرائط شاملة للضجيج على المستوى الوطني لتحديد المناطق الأكثر ضجيجاً، بهدف إجراء المزيد من الدراسة عليها ومعالجتها.
وفيما يلي بعض النصائح، للأفراد والحكومات، حول ما يمكنهم القيام به للتخفيف من مستويات الضَّجيج في مدنهم ومجتمعاتهم:
- استخدام وسائل العزل الصوتي في جدران الأبنية الجديدة، سواءٌ أكانت معدَّةً للأغراض الصناعية (المعامل أو الورشات المهنية) أو الأغراض السكنية. كما ينبغي على قاطني الأحياء السكنية وضع الأجهزة ذات الصوت المرتفع في أماكن بعيدة عن غرف النوم في المنزل أو غرف جيرانهم في المنازل الملاصقة لهم.
- ينبغي حظرُ استخدام أبواق السيارات بغير ضرورة، ومخالفة الدرَّاجات النارية المعدَّلة كي تُصدر أصواتاً عالية، ومنع مرور الشاحنات في المدن.
- ينبغي تأسيسُ المعامل التي تُصدر ضجيجاً مرتفعاً بعيداً عن المناطق السكنية، وكذلك الأمر بالنسبة للمطارات ومحطَّات القطار ومراكز انطلاق الحافلات.
- ينبغي تنظيمُ استخدام مكبِّرات الصوت في الأماكن العامة، سواءً كانت في الأسواق أو صالات الحفلات أو دور العبادة.
- ينبغي أن تحرصَ السلطاتُ على الهدوء التام في بعض الأحياء والمناطق بشكل خاص، كتلك التي تحتوي على المدارس أو الجامعات أو المستشفيات.
- يُعدُّ زرعُ الأشجار في محيط الأحياء السكنية وسيلةً جيِّدة وصحية لعزلها عن أصوات الضجيج القادمة من بعيد.
المصدر صحتك الجسدية والنفسية الشيخ عباس محمد