"الأربعاء الأحمر” رأس السنة الأيزيدية...6769 عاماً على خلق الكون

يوافق الأربعاء 17 أبريل/نيسان رأس السنة الأيزيدية أو "الأربعاء الأحمر"، واسمه بالكردية "جارشمبا سور”. يُحتفل برأس السنة الأيزيدية في أول أربعاء من شهر أبريل/نيسان بحسب التقويم الشرقي الذي يتأخر عن التقويم الغربي بـ 13 يوماً. هذا العام هو ال6769 بحسب الرزنامة الأيزيدية وهو تاريخ خلق الكون بحسب المعتقد الأيزيدي.
ويحتفل الأيزيديون حول العالم، بالأربعاء الأحمر، في سوريا والعراق وتركيا وإيران ومناطق متفرقة من أذربيجان وأفغانستان وروسيا والكثير من الدول الأوروبية لا سيما ألمانيا، التي تأوي أعداداً هامة من اللاجئين الأيزيديين.

ما سبب التسمية؟
"الأربعاء الأحمر" هو أول أربعاء في السنة الأيزيدية، ويوافق الأربعاء الأول من شهر نيسان في التقويم الشرقي. ويتبع الأيزيديون التقويم الشرقي الذي يتأخر نيسان فيه 13 يوماً عن نيسان في التقويم الغربي المتبع عالمياً.
سمي هذا العيد بالأربعاء الأحمر، لأن الرب ضخ الدم في جسم "آدم"، فكساه اللحم وسرى به الدم، وبُعثت الحياة على كوكب الأرض، في مثل هذا اليوم، بحسب الاعتقاد الأيزيدي مثلما نقله الكتاب المسمى "السبقة"، أحد أهم المراجع الأيزيدية غير المتداولة.
ويعرف "الأربعاء الأحمر" أيضاً بيوم الخليقة، إذ تذهب المعتقدات الأيزيدية إلى أن الله انتهى من خلق الكون فيه.
أبريل المقدس
يحظى شهر أبريل/نيسان بقدسية خاصة لدى الأيزيديين، فلا يحرثون الأرض اعتقاداً بأنها حبلى بالنباتات فلا يجوز إيذاؤها، ولا يقطعون الأشجار فيه. كما لا يسمح لهم بالزواج خلال هذا الشهر المقدس أو السفر بعيداً عن منازلهم.
ويرجع عدم زواجهم في هذا الشهر إلى الخوف من جلب النحس إلى حياتهم، لإيمانهم بأن أبريل/نيسان هو "عروس السنة" أو بالكردية "بوكا سالي" التي لا تضاهيها العرائس.

"الأربعاء الأحمر" أو "جارشمبا سور” هو اليوم الذي ضخ فيه الله الدم الأحمر في جسم آدم، بحسب المعتقد الأيزيدي. هذا اليوم هو رأس السنة الأيزيدية ويصادف أول أربعاء من شهر أبريل/نيسان بالتقويم الشرقي. نحن الآن في العام 6769.
إضاءة القناديل وزيارة القبور

صبيحة الثلاثاء الذي يسبق العيد، يزور الأيزيديون قبور موتاهم حاملين معهم جميع أنواع الفاكهة والحلوى لتوزيعها على الأطفال والفقراء. كما يضحي من استطاع بـ "قربان" أي أضحية، وقد تكون شاةً أو عجلاً أو خروفاً أو جدياً أو ما شابه. في حين يحظر الذبح يوم العيد أي الأربعاء.
للنار قدسية عند الأيزيديين لأنهم يحبون النور وينفرون من الظلام، لذا يشعلون القناديل ليلة العيد لنشر النور. لعل هذا أحد أسباب اتهام الأيزيديين على مر العصور بأنهم “عبدة النار".
ويقفز الشباب فوق النار الموقدة في ساحات القرى، مرددين ترانيم تقول: "يا نار خذي لوني الأصفر (الدال على المرض)، وامنحيني لونك الأحمر (الذي يعكس الصحة)، حتى بزوغ شمس يوم العيد.
واستعداداً للعيد، يعصر الرجال والنساء الزيتون في معبد "لالش"، شمال العراق، قِبلة الأيزيديين صباح العيد ويشعلون 365 قنديلاً بعدد أيام السنة، مستخدمين زيت الزيتون النقي.
يستيقظ الأيزيديون باكراً يوم العيد ويرتدون أجمل الملابس ويضعون الزينة. وتزدهر شقائق النعمان صباح الأربعاء الأحمر، فيتزين بها الأيزيديون وتزدان بها منازلهم، بالإضافة إلى الأنوار، ويطلقون عليها اسم "زهرة نيسان". ويبدأ الشباب بتلوين 12 بيضة مسلوقة، على أن تلون كل 3 بيضات بلون فصل من فصول السنة، وتوضع في طبق في مركز المنزل.
وترمز البيضة إلى كروية الأرض في المعتقد الأيزيدي، أما سلقها فيشير إلى تجمد الأرض. كذلك ترمز قشرة البيضة بعد سلقها إلى ذوبان طبقة الجليد عن وجه الأرض، فيما تدل ألوان البيض الزاهية على الربيع وبداية الحياة.
أربعة أعياد في عيد واحد
يعتقد الأيزيديون أن عيدهم من أقدم الأعياد على الأرض لارتباطه بالحياة والخصوبة والخليقة. كما يعد "الأربعاء الأحمر" احتفالاً بأربعة أعياد متقاربة المعنى في الديانة الأيزيدية.
أول هذه الأعياد هو انفجار الذرة البيضاء من صرخة الرب، وتكون التراب والماء والهواء والنار المقدسة لبدء الكون منها. وثانيها غليان الأرض، ويعادله غليان البيضة، لتتجمد الأرض وتزهر وتخضر.
أما ثالثها فهو عيد الخليقة، وهي مرحلة ضخ الدم في أول جسد وهو آدم الذي بدأت منه الحياة. ورابعها عيد الخصوبة ويقصد به تخصيب أول بيضة لإعادة تشكيل أول كائن حي.
أفكار مغلوطة
يصعب تقدير أعداد الأيزيديين الحالية، بسبب ما لحقهم من تشريد وقتل واضطهاد. لكن تقارير ترجح أن أعدادهم تتراوح بين 70 ألف إلى 500 ألف. ولا يعتنق الأيزيدية إلا من ولد من أب وأم أيزيديين، ولا يمكن اعتناقها دون ذلك.
وبسبب معتقداتهم غير المألوفة وسريتها، انتشرت تقديرات ومفاهيم خاطئة عديدة بشأنهم. فيذهب البعض لوصفهم بـ"عبدة الشيطان" أو "عباد النار" و"عباد الشمس”. ولأنهم عمدوا إلى عزل أنفسهم في مجتمعات صغيرة في مناطق متفرقة شمال غربي العراق، وشمال غربي سوريا، وجنوب غربي تركيا حفاظاً على تراثهم وديانتهم، انتشرت معتقدات خاطئة عنهم، جعلتهم ضحايا أشرس التنظيمات المتطرفة والإرهابية كتنظيم داعش.
يخلط كثيرون بين الأيزيدية واليزيدية والثانية مختلفة تماماً عن الأولى.
اشتق وصف "الأيزيديين" من الكلمة الفارسية “ أيزيد" بمعنى الملاك أو الإله. ويعني لفظ الأيزيديين "عباد الرب"، وهي التسمية التي يصف بها الأيزيديون أنفسهم.
حباً في النور
بعض شعائر الأيزيديين مستوحاة من المسيحية والإسلام. لكنهم يزينون أضرحتهم برمز الشمس، ويوجهون مقابرهم ناحية الشرق باتجاه الشمس، حباً في النور لا عبادةً للشمس.
ويعرف إلههم الأعظم باسم "ئيزدان"، ويحظى بمكانة عالية لديهم حتى أنه لا يمكن عبادته بشكل مباشر. ورغم اعتقادهم بأنه "خالق الكون" إلا أنهم لا يعتقدون أنه حارسه. ويؤمن الأيزيديون بأن سبع أرواح أخرى تنبثق من الإله "ئيزدان"، أعظمها الملَك طاووس.
ويصلي الأيزيديون للملك طاووس خمس مرات يومياً، باعتباره المنفذ الفاعل للمشيئة المقدسة، لذا فإن هذه الديانة تعتبر من الديانات التوحيدية. ويسمونه أيضاً "الشيطان"، ويعد هذا من أسباب تسميتهم خطأً بـ "عبدة الشيطان". ورغم عمليات الإبادة التي تعرضوا لها على مر العصور لا سيما تحت يد داعش، إلا أن الأيزيديين نجحوا في الحفاظ على ديانتهم ولم يتخلوا عنها.