هجرة الأثرياء كارثة على العراق


بغداد ــ أحمد النعيمي

باتت الثروة في العراق بعد عام 2003 بمثابة الشؤم على كثير من أصحابها. فهؤلاء يبذلون كثيراً من الجهد في سبيل حمايتها، ويفكر بعضهم في الهرب بها إلى خارج البلاد.

في العراق عشرات الأثرياء الذين يتصدرون قوائم أغنياء العالم. هؤلاء هاجر معظمهم خشية القتل أو الخطف والمساومة على أموالهم، ولم تؤثر هجرتهم عليهم فقط بل على كثير من المنظمات الإنسانية والخيرية التي أقفلت أبوابها تبعاً لتوقف الدعم الذي كانوا يقدمونه لها.

يقول رئيس منظمة "مدار لرعاية الأيتام" فيصل العامري: "هجرة الأثرياء بسبب ازدياد عمليات الخطف التي تستهدفهم انعكست بشكل كبير على الأيتام مع توقف أكثر التبرعات التي كان يقدمها هؤلاء. وهو ما سبب تعقيداً في عمل المنظمات الإنسانية، وقلص قدراتها وإمكانياتها على تغطية احتياجات هذه الفئة ومتابعة شؤونها".

يضيف العامري: "في العراق أكثر من أربعة ملايين يتيم، معظمهم لا يجدون من يرعاهم. وفي غياب المؤسسات الحكومية المختصة في رعاية الأيتام، تتولى المنظمات الإنسانية المدنية الحمل الذي بات أثقل بكثير بعد هجرة الأثرياء".

ولا يقتصر تأثير هجرة الأثرياء في العراق على شريحة الأيتام فقط، بل يؤثر كذلك على الأرامل والأشخاص المعوّقين والمشردين والمرضى وكبار السن ممن كانوا يتلقون دعماً من المنظمات الخيرية والإنسانية.

توضح الباحثة الاجتماعية سوسن البياتي لـ"العربي الجديد" أنّ "ظاهرة الخطف أثرت على كل تفاصيل المجتمع العراقي باستهداف الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال والشركات، فكثير منهم يقدّمون تبرعات تذهب للأرامل والأيتام والمرضى والعجزة كمنح عينية أو مالية تعينهم على معيشتهم".

ينسحب تأثير هجرة الأثرياء على مشاريع خيرية أكثر تأثيراً. منها مراكز علاج الإصابات الخطيرة الناتجة عن ظروف الحرب، ودعم الأشخاص المعوّقين بالأطراف الصناعية، ومراكز الأبحاث المتخصصة في أمراض السرطان.

اقرأ أيضاً:
عن بلادٍ تدفن مواهبها

يرى الخبير في التنمية البشرية مقداد عبد الودود أنَّ "معظم الدعم المقدم لتلك النشاطات المهمة للمجتمع قد توقف. وهو ما يعني زيادة في معاناة الشرائح المتضررة أساساً، خصوصاً الأطفال".

يختار الخاطفون ضحاياهم الأثرياء بعناية فائقة. وعلى مراحل يسعون لمعرفة حجم ثروته ومكانته الاجتماعية، ويرصدون تحركاته بالضبط والطرقات التي يسلكها والأماكن التي يقصدها خصوصاً المنزل والعمل.
وتركز عصابات الخطف لأجل المال، على التجار والأثرياء، وتختارهم بعناية ومتابعة مستمرة". يضيف الدليمي لـ"العربي الجديد": "يتابعون الهدف وأوقات تحركاته وطرقاته وقدرته على حماية نفسه إن كان يحمل سلاحاً أم لا، أو كان يمتلك حماية شخصية. ثم يخطفونه عبر حاجز أمني وهمي وسط الشارع وفي وضح النهار أو ليلاً. وقد يداهمون مقر عمله أو منزله ويخطفونه بحجة الاعتقال لصالح جهات أمنية عبر التنكر بملابس عسكرية".
لا تتوفّر إحصائيات رسمية محددة لعمليات الخطف. لكنّ مصادر أمنية ترفض الكشف عن هويتها، تؤكد حصول أكثر من 300 عملية خطف في العاصمة بغداد وضواحيها منذ منتصف 2014 حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري. وهي عمليات شملت رجال أعمال وتجاراً وأثرياء وأطباء وحتى أطفالاً.
من جهته، يعتبر الخبير الاجتماعي ساجد حمدي أنَّ "تصاعد عمليات الخطف المسلحة أثر كثيراً على المجتمع العراقي وعاداته اليومية. يخشى المواطنون المرور بشوارع خالية ليلاً ويبتعدون عن الضواحي وأطراف العاصمة. ومع فقدان بعضهم أعمالهم في شركات أو مصانع أغلقت بعد هجرة أصحابها، يفكر العمال والموظفون حتى بالهجرة".
في هذا الإطار، يقول أبو عمر (51 عاماً) وهو تاجر من بغداد: "نقلق على أطفالنا من الخطف عند توجههم إلى المدرسة، فنضطر إلى إيصالهم ثم أخذهم منها مرة أخرى. ما يعني وقتاً إضافياً ضائعاً وقلقاً مضاعفاً".
بدورها، تعرض وزارة الداخلية العراقية بين الحين والآخر أفراداً في عصابات خطف مسلحة بعد اعتقالهم. لكن من الملاحظ أنّ عمليات الخطف لم تتناقص على الرغم من تلك الحملة الأمنية.
أما الأثرياء الضحايا وإذا تسنى لهم الإفلات من الخاطفين بعد دفع الفدية، فإنّهم يسعون إلى تصفية أعمالهم ويهاجرون إلى أوروبا وغيرها، بدلاً من البقاء تحت رحمة العصابات.