المدكوكة» .. أكلة شعبية توحد العراقيين في ليالي الشتاء
تكريت ( العراق) ـــ د. ب. أ:
تحرص عائلات عراقية على المحافظة على تقاليد موروثة لإعداد أكلات شعبية تشكل جزءا من التقاليد العريقة وخاصة لدى حلول فصل الشتاء، وانخفاض درجات الحرارة. ومن بين هذه الأطباق ''المدكوكة''. تعد المدكوكة طبقا عراقيا موغلا في القدم، توارثها العراقيون منذ أمد بعيد وتكاد تكون من المصطلحات القليلة التي يتفق عليها الجميع، سواء كانوا عربا أو كردا، أو تركمانا، مسلمين ومسيحيين. تتكون ''المدكوكة'' من التمر والسمسم وبعض المطيبات، تمزج جميعا معا ''بدقها بالهاون'' حتى يكون زيت السمسم قد بدأ بالتجمع في أسفله، ثم يتحول المزيج إلى قطعة حلوة المذاق معمولة بشكل بسيط. وللعراق، وهو أحد بلدان العالم العريقة وقد قدم لأبنائه وللإنسانية إرثا هائلا من العادات والتقاليد والقيم والفنون والآداب، في كل ميدان قصة وفي كل قصة حكاية لم تزل تدغدغ الأسماع رغم كل ما يمر به هذا البلد من خراب ودمار. وسط زحام الأطعمة الجديدة والحلويات الفاخرة المصنعة في أرقى المعامل وأكثرها حرصا على شروط السلامة الصحية والسيطرة النوعية ، التي تقدم أشهى وألذ المذاقات تبقى الأكلات الشعبية بنكهتها الخاصة التي يحرص عليها الجميع، ويعملون على ألا يطويها النسيان. وفي شتاء العراق الذي تغيب عنه كل مستلزمات الرفاهية الحديثة من كهرباء والوسائل المرتبطة، يبحث الانسان هنا عن أي شيء يذكره بأمس قريب كان إلى حد ما هادئا قبل أن تمزق هدوءه قذائف الحروب منذ أكثر من ثلاثين عاما. يقول عبد الله الموظف الحكومي (45 عاما):'' أحرص على تناول وإعداد المدكوكة، سواء مع الأسرة، أو بحضور الأصدقاء لقضاء ليلة سعيدة قد تمتد إلى وقت متأخر من الليل. ننسى خلالها كل ما يحيط بنا من هموم ومآس''. ويضيف ''التمر الزهدي الجاف، وهو أحد أصناف التمور العراقية الأكثر شيوعا في أرض الرافدين، هو المادة الأساسية (في المدكوكة)، إضافة إلى السمسم والمطيبات مثل (الحبهان) الهيل وحبة الحلوة والجوز ومواد أخرى يتم وضعها في هاون، ومن ثم نتناوب عملية الدق بالهاون الذي قد يكون مصنوعا من الخشب أو النحاس في أجواء عائلية جميلة تنتهي بتناول المدكوكة، التي تمتلك سعرات حرارية تخفف من شدة برد الشتاء''. وذكر عبد الله '' تقدم بعد الانتهاء من عملية المزج على شكل كرات صغيرة ليتناولها المجتمعون في ظل أجواء من البهجة والسعادة بعيدا عن أجواء العنف وأحاديث السياسة''. ثمة عادات وتقاليد تشكل جزءا لا يتجزأ من حياة الشعوب ، تحرص على أن تبقي جذوتها متقدة في نفوس أبنائها كي لا تضيع هذه بفعل التقدم العلمي والتقني الذي يشهده العالم في كل لحظة. وكما أن هناك عادات وتقاليد في الملبس والتصرف والسلوك، فإن للأطعمة هي الأخرى عادات وطرقا للعمل في أغلبها بدائية لكن الشعوب تبقي على طريقة تحضيرها بتلك الصورة لأنها قد تفقد شيئا من قيمتها الاعتبارية في حياتها لو صنعت بالطرق الحديثة.