وطن العرب الأول جزيرة العرب، انبثق نور الإسلام من بطاح مكة وغار حراء واستوطن في طيبة، وبدأ يرسل أشعته إلى بقاع العالم الذي اهتدى بنوره، ومنها شع الفكر العربي الأصيل ومعين الحضارة العربية الأصيلة في كل بلاد العالم.
وسنبحث في نشوء المكتبات -خزائن الكتب- التي خلفها الفكر بأنواعه، مع ما يعترضنا من الصعاب في ذلك لقلة المراجع التي تعوزنا في هذا الموضوع.
نشأة المكتبات في جزيرة العرب
لم تكن في جزيرة العرب مكتبات بالمعنى المعروف في مختلف بلاد العالم، وذلك لأسباب منها:
1- انتقال مركز الحكم من قلب الجزيرة إلى أطرافها في الشام والعراق في صدر الإسلام، ثم في مصر.
2- تأسيس الإمارات والخلافات الإسلامية في مصر والأندلس وتركيا، ثم انتقال مركز الخلافة الأموية في دمشق، ومركز الخلافة العباسية في بغداد.
3- عدم إيمان الأمراء والحكام في الدولة الإسلامية، بمدى ما تسديه هذه الصحراء المجدبة، خاصة بعد أن تزينت دمشق بحليها، ولمع مجد بغداد في العالم آنذاك، وكان هذا الرأي سائداً حتى في زمن الدولة العثمانية التي اكتفت بالاهتمام بالحرمين الشريفين، وأهملت جزيرة العرب من كل نهضة أو إصلاح.
غير أن الصلة الروحية التي ظلت تربط العالم الإسلامي بالحرمين الشريفين دفعت العلماء والمصلحين والملوك والسلاطين إلى إنشاء مكتبات صغيرة موقوفة، وإلى وقف بعض العقارات عليها.
وبعض هذه المكتبات كبرت وازدهرت وازدادت مقتنياتها مع الزمن، علاوة على المكتبات الخاصة التي اهتم أصحابها بجمع الكتب النادرة فيها، وبعض المكتبات عبثت بها الأيدي، فضاعت محتوياتها من الكتب وكان بعض هذه المكتبات موضع عناية رجال العلم والفكر والأدب وخاصة في العصور المتأخرة، حتى صار يشار إلى المدينة بالبنان، وأضحى ذكر مكتباتها ومخطوطاتها جارياً على اللسان.
ولما تغيرت الأحوال والرجال، وانعدمت الرقابة، على المكتبات الموقوفة وفتح باب التلاعب بمقتنياتها على مصراعيه تسرب كثير من مخطوطاتها النادرة إلى الخارج، فأصبحت مكتبة المتحف البريطاني بلندن ومكتبة ليدن في هولندا، ومكتبة نظام حيدر أباد في الهند وغيرها من المكتبات العالمية تزخر بالكثير من تراثنا.
المكتبات في مكة المكرمة
ربما لا نعرف للمكتبات اسماً في مكة قبل القرن الخامس الهجري، وإن كان ذلك فلا يعدو أن يكون بعض الرجال يحتفظ في منزله بمجموعة من الكتب وهذه كانت بداية للمكتبات الخاصة. وقد أنشأ في المقام المالكي الشيخ محمد بن عبد الله بن فتوح المكناسي خزانة للكتب المالكية. وذلك بأن وقف كتاب المقرب المكون من ست مجلدات، وذلك في سنة 488هـ. إلى جانب عدد من خزانات الكتب أقيمت هناك.
وفي سنة 594هـ أمر ملك اليمن نور الدين بن صلاح الدين الرسولي بإنشاء رباط في مكة، وأوقف فيه نفائس من الكتب كالمجمل لابن فارس والاستيعاب لابن عبد البر. وغدا هذا الرباط من أحفل الأربطة الأخرى بمكة بالكتب ويعرف هذا الرباط فيما بعد برباط الحضارمة.
وفي سنة 641هـ كان للأمير شرف الدين إقبال الشرابي مدرسة مجاورة للحرم، أوقف فيها كتباً في مختلف الفنون.
وفي القرن الثامن أمر ملك بلاد فارس السلطان شاه شجاع بإنشاء رباط قرب الحرم، وأوقف فيه في سنة 827هـ كتباً،وأرسل إلى الحرم بالمدينة خزانة كتب جليلة. وكان قد أنشأ رباطاً آخر هو رباط الخوزي بمكة.
وكان لمؤرخ مكة تقي الدين الفاسي مكتبة عامرة بالكتب، ولمؤرخ مكة القطبي مكتبة عامرة بالكتب، جمع فيها ابن أخيه الشيخ عبد الكريم المتوفي (1014هـ) أربعة عشر ألف كتاب.
في عام 882هـ أوقف الملك قايتباي مكتبة جعل مقرها مدرسته بجوار الحرم المكي وعين لها خازناً براتب مقرر. ونظم لها بيان لسجل كتبها وسطت عليها أيدي المستعيرين. وضيعوا منها جانباً كبيراً لم يبق إلا ثلاثمائة مجلد. ولعل هذه أول مكتبة عامة نظمت بمكة المكرمة.
وبمرور الزمن تكونت في مكة مكتبات غدت مع الزمن حافلة بالكتب، ولكنها ذهبت ضحية السيول المتوالية، منها ما وقع في 19/8/1039هـ الذي هدم الكعبة، وذلك في زمن السلطان مراد العثماني.
وفي القرن الثالث عشر الهجري أنشئ بمكة مكتبات منها:
1- المكتبة السليمانية: أنشأها السلطان عبد المجيد، جمع فيها كتباً أحضرت من الأستانة، حتى صار ما بها (3653) كتاباً.،وقد غرق كثير من الكتب بها في 8/5/1278هـ حيث دخل السيل من نوافذها القريبة من الأرض.
2- مكتبة الشرواني: أسسها شرواني محمد رشدي باشا، والي الحجاز سابقاً.
3- مكتبة الحرم: كان السلطان عبد المجيد قد أمر ببناء مدرسة ومكتبة، فتوفي قبل إتمام ذلك، وقد جمعت كتب السلطان مع بعض الكتب التي أوقفها العلماء والأعيان، وأضيفت مكتبة الحرم التي أصبحت معروفة بهذا الاسم منذ سنة 1357هـ وبها (9338) كتاباً منها (1500) مخطوط تقريباً.
ومن المكتبات الخاصة المهمة، مكتبة الشيخ حسن عبد الشكور وبها نوادر من المخطوطات، والمكتبة الماجدية جمعها الشيخ محمد بن ماجد الكردي وتضم بعض من المخطوطات، ومكتبة الشيخ محمد سرور الصبان والشيخ سليمان الصنيع، والشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي وغيرهم.
ولا ننسى أن نذكر من مكتبات مكة مكتبة رابطة العالم الإسلامي في عهدنا الحاضر، التي لا نعلم بقدر محتوياتها.
عبد الله الماجد