معركة العَلَمين.. نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية



أسر الحلفاء 31000 جندي ألماني وتمكنوا من القضاء نهائيا على قيادة أفريقيا في الجيش الألماني (غيتي)


"معركة العلمين" إحدى المعارك الشرسة والحاسمة في الحرب العالمية الثانية؛ تواجهت فيها قوات دول الحلفاء بقيادة بريطانيا وقوات دول المحور بقيادة ألمانيا في محيط بلدة العَلَمين (غرب الإسكندرية) بمصر خريف 1942، وانتهت بأول نصر للحلفاء في الحرب، وشكلت نقطة تحول فيها لصالحهم.
السياق
في فبراير/شباط 1941، بعث الزعيم الألماني
أدولف هتلر الجنرال إيرفين رومل إلى ليبيا للسيطرة عليها، والتقدم انطلاقا منها شرقا للسيطرة على مصر وقناة السويس، ثم بلوغ آبار النفط في منطقة الخليج التي كانت الهدف الأكبر للعملية، بحكم حيويتها في تموين بريطانيا ودول الحلفاء بالنفط.
تقدمت القوات الألمانية بسرعة، فاستطاعت في خريف 1941 طرد البريطانيين من
بنغازي وطبرق، مستفيدة من قرارٍ خاطئ اتخذه رئيس الوزراء ونستون تشرشل بتوجيه القوات المقاتلة في ليبيا إلى مصر واليونان، لتعزيز الوجود العسكري للحلفاء حول شرقي البحر الأبيض المتوسط.
وفي نهاية العام، شنَّ البريطانيون هجوما مضادا استعادوا فيه بنغازي، لكن الألمان أخضعوها مجددا مطلع العام التالي.
وبحلول شهر يونيو/حزيران 1942 باتت القوات الألمانية تُهدد مصر؛ نظرا لتقدمها السريع عبر الصحراء المفتوحة، حتى إن الإدارة البريطانية في
القاهرة بدأت حرق أرشيفها خوفا من وقوعه في أيدي القوات الألمانية.
المعركة
وصلت طلائع قوات الجنرال رومل -في يوليو/تموز 1942- إلى محيط بلدة العَلَمين الواقعة على بعد مئة كيلومتر غرب الإسكندرية، وبدأت مهاجمة التحصينات البريطانية، فاشتبك الفريقان في مواجهة واسعة النطاق قرب العلمين، لكن المواجهة لم تنته إلى نتيجة حاسمة.
ومع بداية سبتمبر/أيلول تراجعت القوات الألمانية إلى الغرب لاسترجاع أنفاسها، بعد مسيرٍ شاق قطعت خلاله 1200 كيلومتر في الصحراء القاحلة ذات المناخ القاسي.
وبينما كانت المواجهة محتدمة حول العلمين في أغسطس/آب 1942، جرى تعيين الجنرال برنارد مونتغومري قائدا ميدانيا لقوات بريطانيا والحلفاء في شمال
أفريقيا، وهو القائد الثالث الذي تُسند إليه هذه المهمة منذ بدء الحرب على هذه الجبهة.
لم يكن رئيس الوزراء البريطاني تشرشل مقتنعا بقدرات مونتغومري، وكان يأخذ عليه تحفظه الشديد وفقدانه التام لروح المغامرة والمبادرة.
كان تشرشل كذلك بحاجة إلى نصرٍ عسكري بأي ثمن لمواجهة الضغوط السياسية التي بدأت تشتد عليه، حتى صار بقاؤه في السلطة مهددا بشكل جدي مع رسوخِ الإحباط لدى الرأي العام، واقتناع فئات واسعة منه باستحالة النصر على ألمانيا، بينما كانت
الولايات المتحدة لا تزال مترددة في مستوى انخراطها في الحرب، خاصة على جبهة أوروبا.
واجه مونتغومري بصرامة وتصلب كل ضغوط تشرشل وحكومته، وتمسك بموقفه الرافض لخوض أي مواجهة مع القوات الألمانية إلا بعد أن يضمن التفوق عليها في العدد والعتاد.
وأخضع قواته لبرامج تدريب مكثفة وفرض على الحكومة توفير العتاد والمؤونة اللازمة، وأسعفه في ذلك قرب قيادته من ميناء الإسكندرية وقناة السويس وسيادة البحرية البريطانية في البحر المتوسط؛ أي بمعنى آخر كانت
خطوط الإمداد قصيرة نسبيا ومؤمنة بشكل جيد.
وفي المقابل؛ كانت خطوط إمداد القيادة الأفريقية للقوات الألمانية طويلة ومكشوفة، فقد كانت سفنها التي تُبحر من
إيطاليا إلى ليبيا تتعرض لغارات طيران الحلفاء، وفضلا عن ذلك فإن القوات الموجودة في العلمين بعيدة بنحو ألف كيلومتر عن مركز تموينها الرئيسي في بنغازي.
تسببت مشاكل التموين في الغذاء والوقود ونقص العدد والعتاد في مأساةٍ حقيقية للجيش الألماني البالغ عدده 116 ألف مقاتل، وانتشرت فيه الأوبئة والإسهال نتيجة ضعف التغذية وسوءِ نظم النظافة المتبعة داخل الثكنات، وأُصيب قائده رومل نفسه بالإسهال، مما استدعى نقله إلى ألمانيا للعلاج.
في ليلة 23 أكتوبر/تشرين الأول 1942 شنت القوات البريطانية البالغ عددها 195 ألف جندي هجومها الكبير في وقتٍ كان فيه رومل يقضي فترة نقاهة
بالنمسا، وتعثر الهجوم وعلقت الدبابات البريطانية في حقول الألغام، لكنّ القوات الألمانية كانت منهكة وتعاني نقصا شديدا في التموين.
شنّ مونتغومري هجوما تمويهيا في الجنوب لصرف انتباه العدو، في حين كان يُركز قواته في الشمال على شاطئ المتوسط استعدادا للهجوم الحقيقي الذي بدأ في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني. وكان رومل يعلم أن الهجوم الكبير في القطاع الشمالي من الجبهة، لكن جزءا كبيرا من دباباته لم يكن يتوافر على الوقود اللازم للتنقل بين الجنوب والشمال.
طلب رومل من القيادة العليا الإذن بالانسحاب، فجاءه الرد من هتلر شخصيا بالرفض والحث على القتال، لكن رومل قرر الانسحاب وشرع فيه في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، وبالتزامن مع ذلك وصلت قوات أميركية وبريطانية كبيرة بقيادة الجنرال الأميركي جورج باتون إلى شمال أفريقيا.
النتائج
أسر الحلفاء 31 ألف جندي ألماني، وتمكنوا من القضاء نهائيا على قيادة أفريقيا في الجيش الألماني، فأجهضوا بذلك أحلام هتلر في السيطرة على قناة السويس وبترول الشرق الأوسط.
وفضلا عن أهميته الإستراتيجية تلك، فإن الانتصار في العلمين مهد الطريق لغزو إيطاليا والقضاء على نظام
بينيتو موسوليني المتحالف مع هتلر، مما شكل بارقة أمل في إمكانية هزيمة ألمانيا، وصنع تحولا حاسما أثر بشكل بالغ في مآلات الحرب.
وقال تشرشل في وصفه أهمية هذا الانتصار "إن معركة العلمين تشكل نقطة تحول في التراث العسكري البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية؛ فقبل العلمين كنا نصارع للبقاء أما بعدها أصبحنا ننتصر".

المصدر : الجزيرة