"حلم جميل... واقع مرير"فاتن السامرائي
أنْ نعيشَ ونحنُ نمتلكُ هدفاً نسعى إليهِ، وحلماً نطمحُ لتحقيقه؛ من أهمِ الأشياءِ التي تميزنا عن غيرنا من المخلوقات. منَ المؤلمِ أنْ نرى واقعنا، وما يحيطنا من ظروف صعبة؛ تحول بيننا وبين طموحاتنا، حتى نكاد نراها أصبحت بلا أهمية إزاء ما نعيشه.
لعلَّه شيءٌ لا يُصدق أنْ تجدَ شخصاً في العالم يعيش بلا حلم يتأملهُ واقعاً، ويعمل لأجله، ولكن الحقيقة المرة هي أنَّ هنالك الكثير من البشر يعيش ليومه فقط، أجل! بذلك التجرد البسيط، وحينما تسأل أحد هؤلاء الفئة من الناس عما يحلم بتحقيقه في المستقبل...؟ تراه يهزأ بك وقد ينعتك بالجنون؛ لهذه الفكرة التي يعدها غريبة! ويبرر ذلك ربما لصعوبة الحياة، وإنَّ الظروفَ تمنعني من التفكير بحلم، وحتى لو امتلكتُ واحداً، ليس هنالك فرصة لتحقيقهِ وسط هذه الصعاب؛ وبالتالي لا يكلف نفسه عناء التفكير فيهِ. السؤال هنا: هل تحد الظروف من أحلامنا، وتجعلها تتلاشى؟! لتكون الإجابة واضحة: علينا ألّا نبتعد عن الواقع المرير، ما نعيشه هذه الأيام من ظروف متلاحقة ليست جيدة البتة؛ قد تبعد الناس وتلهيهم عن أحلامهم، وطموحاتهم؛ إذ أنَّنا نجد صعوبة كسب لقمة العيش تشغل بالَّ الفرد ولا يجد وقتاً لأيِّ شيءٍ آخر، وكذا حين لا يتوقف توفير الحياة الكريمة للعائلة على ربِّ البيت، وإنَّما يتشارك الجميع في ذلك. حتى لقد أصبح الطفل الذي لا يتجاوز العشر سنوات يعمل شتى أنواعِ العمل؛ ليساعد بدوره أُسرته في المعيشة، بعدَ أَنْ فقد أباه، أو أخاه الكبير في أحد أسباب الموت الكثيرة في بلادنا.
هنا وقد بدأت تتضح الإجابة على السؤال الآنف الذكر، من الصعب جداً أن نتأمل من هذا الطفل والذي يمكن أن نسميهِ "المعيلُ الذي سُرِقَتْ طفولته" أن يجيبك على سؤال من نوع ما حلمك يا صغيري؟ وأن تتوقع منه إجابة مُثلى كأيِّ طفلٍ يعيش في ظروف أفضل! فأول جواب ستحصل عليه هو: بسمة يخالطها دمعة، وحسرة عميقة. وسيقول: كم يتمنى أن تعيش عائلته بمسكن مناسب يَقِيهم ظروف الطقس القاسية! ولكم يتمنى أن يحصل أهله على معاش ثابت! ولكم يتمنى دخول المدرسة التي حرم منها من أجل العمل. وكذا الحال بالنسبة للعديد من الشباب قد حُدّتْ طموحاتهم، في حين إنه من المفترض ألّا يكون لها حد، أصبح السفر وطلب اللجوء للدول الأخرى حلماً تغلب فرحة تحقيقهِ عندهم فرحة التخرجِ، أو تحقيق مراكز متقدمة في مهارات معينة، والسبب معروفٌ طبعاً؛ فحين لا يجد هؤلاء تقديراً على الأقل لمّا حققه من هم قبلهم وما قدموه؛ يعد التعب والجهد لأجل طموحاتهم التي لا بدَّ إنَّها ستُقبع شيئاً يدعو للضحك في نظرهم؛ مع ذلك يبقى الحلم ولو كان فقط في قرارة أنفسنا كسِّرٍ بيننا وبينها شيئاً لا بدَّ منه لنشعر بوجودنا وباختلافنا. فكلما تنظر لداخلك بعمق وتجد شيء تودُّ لو تصل إليه مثلاً لو أُصبح كذا، ولسوف أفعل كذا، سأتعب سأحارب لأصل لحلمي سأواجه الظروف، سأستغل وقت فراغي في التخطيط له، وسأترك الأشياء التي ليس لها معنى ولا تضيف لشخصيتي شيئاً، سأقلل الساعات التي أقضيها على الجوال، وفي الكافيهات بغير هدف يُذكر، هذه الأفكار سوف تعمل على رفع الطاقة الداخلية لديك، وتمنحك الثقة التي فقدتها، وأملاً جديداً.
لا عذرَ لنا في الظروف؛ فهي تضعف وتقلل وبنسب معينة، لكنَّها لن توقفنا نهائياً عن وضع هدف نريد الوصول إليه، لا، وحتى ما لن يقدمه المجتمع، أو الوطن، أو ما سنكسبه من ذلك، والدليل على هذا؛ إنَّ نسبةً كبيرةً من محققي الأمجاد، الشهادات العليا، والمراكز الأولى في مختلف المجالات؛ واجهوا ظروفاً سيئةً: كالفقرِ، عدم تقدير المجتمع، ولم يؤمن بهم أحد، ولكن هم آمنوا بأنفسهم... من أين جاء ذلك الأمل والإيمان في وسط ظروفهم السيئة؟ أتى لأنهم بشر ميزتهم التحدي، خلقوا الأفضل من الأسوأ ولأنك "أنت" لا تقل عنهم في شيء بل إنكَ تستطيعُ أن تواجه، وتكافح لأجل ما تريد.