تحديث وتقوية
الشخصية الإنسانية المُسلمة
*
إنَّ طبيعة الخلقة الإنسانية لا توصف من حيث الهيكلية والرَّوحانية . فالإنسان بإمكانه أن يكون أفضل من الملائكة أو أن يكون أضل من الأنعام والبهائم . وذلك لأن طبيعته لها القدرة عالية جداً على الإرسال والإستقبال .
وتتميز شخصية المسلم بأنها شخصية جامعة لكل خصال الخير ، فهي :
مؤمنة ، عالمة ، قوية ، شجاعة ، صبورة ، مجاهدة ، رحيمة ، حريصة على كل ما ينفعها ، مستعينة بالله تعالى ، غير عاجزة ولا كسولة ...
قِيلَ للْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ أَمْ بَنُو آدَمَ ؟
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) :
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَكَّبَ فِي الْمَلَائِكَةِ عَقْلًا بِلَا شَهْوَةٍ ، وَرَكَّبَ فِي الْبَهَائِمِ شَهْوَةً بِلَا عَقْلٍ ، وَرَكَّبَ فِي بَنِي آدَمَ كِلْتَيْهِمَا .
فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْبَهَائِمِ» .
*
1- أولًا : تعلم القراءة والكتابة .
إن القراءة مفتاح المعرفة والعلم ، وطريق التقدم والرقي ، وما من أمة تقرأ إلا تبوأت موضع الريادة وحازت الصدارة ، لذلك فالقراءة في الإسلام لها مكانة رفيعة ومنزلة كريمة .
وكانت أول كلمة نزلت من أول آية تليت قوله تعالى : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ - [سُّورَةُ الْعَلَقِ : 1.]
فكانت هذه الآية الكريمة أول نور نزل من السماء لينشر الضياء ويبدد الظلماء ، وأول رحمة رحم الله تعالى بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله عز وجل بها عليهم .
حيث فتحت آفاق المعرفة وأبواب العلم ، وقد عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على نشر القراءة والكتابة في مجتمعه ، فجعل فداء الأسير في بدرٍ أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ، وهكذا غرس الإسلام حب القراءة في قلوب المسلمين غرسا عميقا .
أما بالنسبة للكتابة فلقد اتخذها الإسلام دعامة من دعائمه ، فقال جلّ شأنه في كتابه الكريم : ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ - [سُّورَةُ الْعَلَقِ : 4 - 5.]
وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال جل وعز : قَالَ تَعَالَى : ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْقَلَمْ : 1.]
كما أقسم تعالى بالكتاب فقال : ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾ - [سُّورَةُ الطُّورِ : 1 - 2.]
*
2- ثانيًا : الحفاظ على صحة الجسم وقوته .
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ - [سُّورَةُ النَّحْلِ : 18.]
أن اللهَ تبارك وتعالى أسبغ على عباده نِعمَه سواء كانت ظاهرة أوباطنة ، وهي لا تعد ولا تحصى ، ومِن أعظمِ هذه النعم هي نعمةُ الصحة .
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» .
وَعَنْهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : «اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِك» .
فلقد حرص الإسلامُ كل الحرصِ على أن يتمتع المسلم بالصحة الجسمية والنفسية ، فبهما يَقْوَى على العبادة وعمل الخير لنفسه ولأهله ولأمته ، وبهما يكون قادراً على عمارة الأرض .
*
3- ثالثًا : الإستيقاظ والنوم مبكّراً .
قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ - [سُّورَةُ الْإِسْرَاءِ : 78.]
أنَّ الله تبارك وتعالى حثنا على قراءة القرآن الكريم عند الفجر ومعنى ذلك أنّه يحثنا على البكور في الصباح .
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : «بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» .
وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ : «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) :
يَا عَلِيُّ ، عَلَيْكَ بِالدُّلْجَةِ ، فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لَا تُطْوَى بِالنَّهَارِ .
يَا عَلِيُّ ، اغْدُ بِاسْمِ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَارَكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا » .
والدُلجة تعني السير في الليل .
ولقد ثبت حديثًا في بعض دول الغرب أنّه لا يجب النوم لتسع ساعاتٍ أو ثمان ولا يضر إذا ما نام الإنسان خمس ساعات أو أقل ، وقد يُؤدي النوم الكثير إلى الإصابة بالسكتة الدماغيّة أو النوبات القلبية .
فإن هذا يمنح المسلم قضاء يوم أطول وخاصةً مع عدم تضييع وجبة الفطور الصباحي وتناول ملعقة عسل النحل إذا وجدت ، والتي تمنحه الطاقة والنشاط لممارسة كل الأفعال اليومية الهامة .
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ : « لَعْقُ الْعَسَلِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ﴾ .
وَهُوَ مَعَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَضْغِ اللُّبَانِ يُذِيبُ الْبَلْغَمَ » .
واعلم أيها المسلم ، إن من مخططات اليهود لعنهم الله هو جعل البشر ينامون أكثر في يومهم وذلك من أجل تنقيص أعمارهم .
*
4- رابعًا : طلب العلم والعمل به .
لا عيْب في أن يسأل المسلم ويتعلم من الآخرين ما يُفيد دينه ودُنياه .
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ : «أَيُّهَا النَّاسُ ، اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلُ بِهِ ، أَلَا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ ، إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ وَضَمِنَهُ وَسَيَفِي لَكُمْ ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ فَاطْلُبُوهُ» .
فإنّ ممّا يحكم العقل بقبحه ويشهد له الوجدان والضمير بذلك هو أن يتحدث الإنسان بما لا يعلم ، كأن ينقل خبراً دون تثبت ، أو يطلق حكمه على فلان دون علم ، وغير ذلك .
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ : «مَنْ تَرْكِ قَوْلَ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ» .
وَعَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «لَوْ كُنَّا نُفْتِي النَّاسَ بِرَأْيِنَا وَهَوَانَا لَكُنَّا مِنَ الْهَالِكِينَ وَلَكِنَّا نُفْتِيهِمْ بِآثَارٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَأُصُولِ عِلْمٍ عِنْدَنَا نَتَوَارَثُهَا كَابِراً عَنْ كَابِرٍ» .
*
5- خامسًا : ترك أهل السوء .
تتميز الطبيعة البشريّة بتأثر الإنسان بصديقه وجليسه ، حيث يكتسب الأخلاق والصفات من الأصدقاء والأقران ، ويُشار إلى أنَّ أخلاق المرء تُعرف من خلال أصحابه ، والدليل على ذلك قول النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : «الرَّجلُ علَى دينِ خليلِهِ، فلينظُر أحدُكُم مَن يخالِلُ» .
وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «قُلْ لِي مَنْ تُصَاحِبُ أَقُلْ لَكَ مَنْ أَنْتَ» .
ولذلك يجب اختيار صحبة الأخيار والأبرار ، حيث تزيد هذه الصحبة من الاستقامة والصلاح وتحقق ثمارها اليانعة في الدنيا قبل الآخرة .
لذلك يجب على المسلم أن يبتعد عن أي شخص يجعله من السافلين ويجعله يقوم بأشياء تضيع حياته ، كالذين يتحدثون بكلام محبط دومًا أو كأصحاب السوء وغيرهم من أهل الغدر والحسد .
*
6- سادسًا : المسلم القوي خيرٌ من الضعيف .
لقد أثنى النبيُّ على المؤمنَ القوي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» . ويعني رسولُ اللهِ بذلك القويَّ بإيمانه بالله سبحانه وعقيدته ونفسه وجسده ، والمحافظة عليها جميعاً .
وذلك لإنَّ المؤمن القويّ صاحب خير كثير لنفسه ولدينه ولأهله ولإخوانه ولأمّته ، وهو يُنتج أكثر مما يستهلك ، والله تعالى يُحبّ من المؤمنين من يتعدّى خيره لغيره ولا يقتصر في الخير على نفسه.
قَالَ تَعَالَى : ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْأَنْفَالِ : 60.]
فالقوّة في الإيمان والعقيدة ، والقوّة في العمل ، والقوّة في الأبدان ، يُنتج عنها كلّ خير للمسلمين ، والمؤمن القويّ هو من يلتزم بذلك ويقوم به فيحبّه الله ويحبّه المؤمنون .
*
7- سابعًا : تنظيم الأعمال .
من الجيد أن يضع المسلم جدولًا يوميًا يسير عليه ، يدون فيه أحداثه اليومية لتنظيمها وتنفيذها بشكل جدي ، ثم يأتي نهاية اليوم ويعيد النظر في الجدول ليعرف ماذا حقق منه وماذا أخفق .
وقد ورد في القرآن الكريم : ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 55.]
وهذا التخصص عرضه يوسف (عليه السَّلام) على عزيز مصر بعد أن كسب ثقته ، والذي يوازي في الوقت الحاضر وزيرَ المالية والتموين ، ويشتمل هذا المنصب أو هذه الوظيفة على التخطيط والتخزين والتوزيع والإحصائيات والأرقام ، وما يتطلبه هذا المنصب من مهارات وقدرات ، كالحفظ والعلم .
*
8- ثامنًا : التجديد والقضاء على الروتين .
قَالَ تَعَالَى : ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ - [سُّورَةُ الرَّحْمَنِ : 29.]
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : « مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا ، وَيُفَرِّجَ كَرْبًا ، وَيَرْفَعَ قَوْمًا ، وَيَضَعَ آخَرِينَ » .
وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، لِأَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ مِنْ إِحْدَاثِ بَدِيعٍ لَمْ يَكُنِ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ، وَلَمْ يُولَدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً ، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحاً مَاثِلًا ، وَلَمْ تُدْرِكْهُ الْأَبْصَارُ فَيَكُونَ بَعْدَ انْتِقَالِهَا حَائِلًا ، الَّذِي لَيْسَتْ فِي أَوَّلِيَّتِهِ نِهَايَةٌ وَلَا لآِخِرِيَّتِهِ حَدٌّ وَلَا غَايَةٌ ، الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ وَقْتٌ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ زَمَانٌ وَلَا يَتَعَاوَرُهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ وَلَا يُوصَفُ بِأَيْنٍ وَلَا بِمَ وَلَا مَكَانٍ ، الَّذِي بَطَنَ مِنْ خَفِيَّاتِ الْأُمُورِ وَظَهَرَ فِي الْعُقُولِ بِمَا يُرَى فِي خَلْقِهِ مِنْ عَلَامَاتِ التَّدْبِيرِ ، الَّذِي سُئِلَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَنْهُ فَلَمْ تَصِفْهُ بِحَدٍّ وَلَا بِبَعْضٍ بَلْ وَصَفَتْهُ بِفِعَالِهِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ بِآيَاتِهِ ... » .
حيث كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أصبح صلى الصبح بالمسلمين في المسجد ، ثم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، وكانوا يجالسونه وربما تحدثوا وذكروا من أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم معهم .
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلب شاته ، ويرقع ثوبه ، ويخدم نفسه ، ويخصف نعله ، فإذا حانت الصلاة خرج إلى الصلاة وصلى بالناس ، ثم جلس إليهم فحدثهم وعلمهم ووعظهم وذكّرهم واستمع إلى شكواهم وأصلح بينهم ، ثم يعود إلى بيته .
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعيب طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه .
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتفقد الناس في معايشهم وفي معاملاتهم وفي أسواقهم ، ويغشاهم في مجالسهم ، ويزور مريضهم ويجيب داعيهم ، ويمشي في حاجة الضعيف والمسكين ، فكان يكون عامة يومه فيما أهمه من أمر الدين وأمور المسلمين ، من دعوة ونصح وتذكير وتشريع وجهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإعانة محتاج وغير ذلك صلوات الله وسلامه عليه وآله .
*
9- تاسعًا : تقوية كلام اللسان ومعرفة اللغة العربية .
لقد أولى الإسلام الخطابة أهمية كبيرة ، حيث استخدمها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته إلى الإسلام الذي عُرِّفَ بسيد الخلق ، واستخدمها وصيه الإمام علي (عليه السلام) في مختلف المناسبات الدينية الذي عُرِّفَ بسيد العرب .
قَالَ تَعَالَى : ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ - [سُّورَةُ الشُّعَرَاءِ : 195.]
أي بمعنى الكلام الصحيح الواضح جدًا .
وقد جاء الإسلام ليهذب مبدأ الخطابة عمَّا كانت عليه في الجاهلية من أسلوب يتباهون من خلاله بأنسابهم إلى التباهي باتباع الدين الإسلامي الحنيف .
قَالَ تَعَالَى : ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ - [سُّورَةُ الزُّمَرِ : 28.]
غير ذي عوج أي بمعنى الخالي من الألفاظ الكلامية الخاطئة .
وأصبحت الخطبة جزءاً من العبادة ، فهناك خطبة الجمعة والخطبة في العيدين الفطر والأضحى .
وتأتي في مقدمة شروط الخطيب : سلامة الجهاز الصوتي والسيطرة على مخارج الأصوات ووضوحها .
*
10- عاشرًا : الإبتلاء والصبر على الشدائد .
أنَّ الله تبارك وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء في الحياة الدنيا ، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم .
عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : « إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) ، أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْوَصِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ، وَإِنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ ، فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلِ الدُّنْيَا ثَوَاباً لِمُؤْمِنٍ وَلَا عُقُوبَةً لِكَافِرٍ ، وَمَنْ سَخُفَ دِينُهُ وَضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ ، وَأَنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ » .
وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب ، فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه : ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ - [سُّورَةُ الشُّورَى : 30.]
وحتى لو ابتلى الله تعالى عبده المسلم على ذنوبه بمرضٍ أو بشدةٍ فإنّ هذا لا يعني نهاية الدنيا أبداً .
فقد قال تعالى : ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ - [سُّورَةُ الشَّرْحِ : 6.]
وقد أكد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بقوله : «وَإِنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» .
فكل كرب ينزل بالمؤمن فإن معه فرجا لا محالة ، وكل عسر يصيبه فإن معه يسرا ، ومن علم ذلك وأيقن به فلن يسلم قلبه لليأس والقنوط أبداً ، ولن ينسى الخالق سبحانه ويركن للمخلوق ، ولن يعلق قلبه بغير الله تعالى .
*
11- حادي عشر : ممارسة الرياضة البدنية .
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يُعجب بالرّجال شديدي الصلابة وأقوياء البنية .
وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يَحثّ جموع المسلمين على سباق الخيل والركض .
وكان يحثهم على تعلم الرماية لما لها من تأثير على تقوية الذراعين .
وكان يحثّ الأطفال على تعلم السباحة ، كان يسمح للصغار بالتقاتل بالسيوف الخشبية .
وَعَنْهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : «إِنَّ لِرَبِّكَ عليك حَقًّا، وإِنَّ لِنَفْسِكَ عليك حَقًّا، ولأهْلِكَ عليك حَقًّا. فَأَعْطِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» .
كما أن في تقوية البدن وممارسة الرياضة فوائدَ صحيةً عديدة فهي تُزيل عن الجسم المخلفات الضارة ، كما تعمل على تقوية العضلات وتنشيط الدَّورة الدموية ، كما أن الحركةَ هي عمادُ الرياضة ، وهي تخلِّص الجسمَ من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي .
*
12- ثاني عشر : تعلم لغة جديدة .
ما المانع في تعلم لغة جديدة تمنح المسلم قدرة أكبر للدخول في مجالات مختلفة والتعرف على ثقافات الغرب وأفكارهم وحتى معرفة أسرارهم .
حيث كان النبي محمد وعترته يعرفون ويتحدثون بآلاف اللغات وحتى لغات الجن والحيوانات .
فعندما جاء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفد فارس وأحضر رجلٌ من اليهود ليترجم بينهم , لاحظ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن هذا الرجل اليهودي يلحن في قوله ويغير مقاصد الكلام ، فلفت نظره إلى ذلك وصحَّح خطأه للوفد ، ثم طلب من زيد بن حارثة (رضي الله عنه) أن يتعلم الفارسية ، وقال في ذلك : « مَنَ تَعَلَّمَ لُغَةَ قَوْمٍ أَمِنَ مَكْرَهُمْ » .
وَعَنْ الْإِمَامِ الْمُجْتَبَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : « إِنَّ لِلَّهِ مَدِينَةً فِي الْمَشْرِقِ وَمَدِينَةً فِي الْمَغْرِبِ ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُورٌ مِنْ حَدِيدٍ ، فِي كُلِّ سُورٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مِصْرَاعٍ ، يَدْخُلُ مِنْ كُلِّ مِصْرَاعٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لُغَةِ آدَمِيٍّ ، لَيْسَ مِنْهَا لُغَةٌ إِلَّا مُخَالِفُ الْأُخْرَى ، وَمَا مِنْهَا لُغَةٌ إِلَّا وَقَدْ عَلِمْنَاهَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا ابْنُ نَبِيٍّ غَيْرِي وَغَيْرُ أَخِي وَأَنَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ » .