اختصاص مجلس شورى الدولة في أبداء الرأي والمشورة القانونية
الدكتور محمد ماضي ـ رئيس مجلس الأنضباط العام
والمستشار في مجلس شورى الدولة
المقدمة
إذ أستعمل المشرع العراقي تسمية مجلس شورى الدولة على الجهة التي شكلها وأوكل لها صلاحية التدوين التشريعي كاختصاص أول فأنه أناط به صلاحية المشورة والرأي إضافة إلى اختصاصات أخرى . تناولت في هذا البحث اختصاص المجلس في مجال الرأي والمشورة القانونية، وهو اختصاص تتعاظم للدولة أهميته لما يعهد به من حلول لمشكلات قانونية عديدة خصوصا" في وضع التحول التشريعي الذي يمر به العراق .
(أولا")
تأسيس مجلس شورى الدولة
ترجع فكرة اختصاص الفتوى والرأي القانوني في التشريع العراقي إلى نص المادة (الرابعة والثمانون ) من القانون الأساسي العراقي لعام 1925 الذي أوكل تفسير القوانين والأنظمة ، في غير حالة التفسير الدستوري ، إلى ديوان خاص يشكل بناء على طلب من الوزير المختص برئاسة رئيس محكمة التمييز المدنية وعضوية ثلاثة من حكام محكمة التمييز وثلاثة من كبار موظفي الإدارة . وبناءا" على هذا النص صدر قانون تشكيل ديوان التفسير الخاص رقم (87) لسنة 1926 الذي نظـم إجراءات عمـل هذا الديوان , ومارس على أساسه وظائفه.
ثم صدر قانون ديوان التدوين القانوني رقــم (49) لسنة 1933 فأناط اختصاص المشورة والرأي القانوني بهيئة تشكل باسم ( ديوان التدوين القانوني ) ويتألف هذا الديوان من رئيس ومدونين قانونيين لا يقل عددهم عن أربعة ويكون مرتبطا بوزير العدلية(1) (ويمارس إعداد وتنظيم لوائح القوانين والأنظمة المختصة بالشؤون القضائية و بالأمور الأخرى المتعلقة بكافة الدوائر التابعة لوزارة العدلية((2) . كذلك تدقيق لوائح القوانين والأنظمة المختصة بالوزارات الأخرى وإبداء الملاحظات بشان أسسها وموادها وكيفية تدوينها (3). كما يتولى إبداء الرأي والمشورة في المقاولات والاتفاقيات والمعاهدات التي تعقد مع شخص حقيقي أو حكمي أو دولة وذلك كلما رأت الحكومة وجوب استشارة الديوان بشأنها (4). كما يختص في إبداء الرأي والمشورة في المواضيع والمعاملات القانونية المختلف فيها بين وزارتين فأكثر أو التي حصل تردد فيها لدى أحدى الوزارات (5) . ويتولى أيضا" توضيح الأحكام القانونية عند الاستيضاح عنها من إحدى الوزارات أو الدوائر الرئيسية التابعة لها (6) . كما يمارس ولاية النظر في صحة الأوامر والقرارات التي تصدر من الموظفين ومجالس الإدارة والبلديات (7) . و يعهد إلى الديوان أيضا" بوظائف مـجلس الانضباط الـعام ( قضاء الموظفين ) (8)0 كما يكون الديوان مرجعا" للمحاكم ودوائر الحكومة عندما تجد غموضا أو نقصا أو تناقضا في احكام القوانين إثناء تطبيقها أو وجود حاجة لوضع احكام جديدة ، حيث يقتضي بيـان ذلـك للديوان بتقرير وللديوان بعد إن يتحقق من ذلك إن يقترح على الوزارة المختصة اتخاذ التدابير اللازمة لإزالة ذلك الـغموض أو التناقض أو لتلافـي ذلك النقـص أو لـوضع تـلك الإحكام (9) .
ثم صدر قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 الذي أسس مجلس شورى الدولة ليحل محل ديوان التدوين القانوني ، حيث نصت المادة (1) من هذا القانون على الاتي (يؤسس في وزارة العدل مجلس يسمى مجلس شورى الدولة يتألف من رئيس ونائبين للرئيس وعدد من المستشارين لا يقل عن اثني عشر ومن عدد من المستشارين المساعدين لا يزيد على نصف عدد المستشارين) . ما لبث أن عدل المشرع هذه المادة بموجب المادة (1) من قانون التعديل الثاني بالقانون رقم (106) لسنة 1989 لتصبح الأتي ( يؤسس مجلس يسمى (مجلس شورى الدولة) يرتبط إداريا بوزارة العدل يكون مقره في بغداد ويتألف من رئيس ونائبين للرئيس وعدد من المستشارين لا يقل عن اثني عشر، ومن عدد من المستشارين المساعدين لا يزيد على نصف عدد المستشارين ) وفي هذا النص حدد القانون الحد الأدنى لعدد أعضاء المجلس مبينا" في نصوص أخرى أشغال العضوية فيه بصورتها الدائمة بطريق التعيين أو الترقية بالنسبة للمستشار(10).
بل أن القانون أخذ بطريق العضوية المؤقتة بالنسبة لأشغال وظيفة مستشار ، وذلك بطريق الانتداب . حيث يجوز انتداب قضاة الصنف الأول والمدراء العامين في دوائر واجهزة الوزارة والمفتشين القضائيين ورئيس الادعاء العام والمدعين العامين للعمل في المجلس كمستشارين لمدة سنتين قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط وعلى وفق الشروط المحددة بالقانون .(11)
وللغرض ذاته , يجوز انتداب المدراء العامين في دوائر الدولة ممن لهم خبرة في الأمور القانونية أو الإدارية أو الاقتصادية وتتوافر فيهـم الشروط المنصوص عليها في القانون للعمل في المجلس كمستشارين لمدة سنتين قابلة للتجديد لمرة واحدة فقـط (12) .
و ينصرف الانتداب أيضا الى عضو الهيئة التدريسية في كلية القانون ممن تتوافر فيه الشروط القانونية للعمل في المجلس كمستشار .(13)
كما أجاز القانون للمجلس الاستعانة بذوي الخبرة من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات العراقية للمشاركة في بعض أعماله ، وينصرف ذلك الى الخبرة بالمسائل القانونية وان كانت من محض وظيفة المجلس واختصاصه (14)
وبصدور دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، الذي اجاز بقانون أنشاء مجلس دولة ، يختص بوظائف القضاء الاداري والافتاء والصياغة وتمثيل الدولة وسائر الهيئات العامة امام القضاء الا ما استثنى منها بقانون (15) ، فأن وظيفة الرأي والمشورة القانونية تكون من اختصاص هذا المجلس ويعد بذلك خلفا" لمجلس شورى الدولة عندما يصدر وينفذ قانون تأسيسه. ويفترض في هذا المجلس ان يكون امتدادا" لمجلس شورى الدولة وبما يتلاءم مع طبيعته مثلما كان مجلس شورى الدولة امتداد لديوان التدوين القانوني بما يحافظ على ارث وظائفه .
(ثانيا")
تشكيلات مجلس شورى الدولة
يمثل مجلس شورى الدولة تشكيلا" خاصا" وهو أعلى من حيث التدرج من مستوى الدائرة . ويتكون من التشكيلات الآتية :ـ
1.الهيئة العامة :ـ وتتألف من الرئيس ونائبيه والمستشارين، وتعقد برئاسة الرئيس، وعند غيابه برئاسة أقدم نائبيه (16) . ويحضر المستشارون المساعدون مناقشات الهيئة ويشتركون في النقاش دون إن يكون لهم حق التصويت (17). وتعد الهيئة العامة الجهة التي تتولى النظر بمرحلة أخيرة في المشاريع التي ترد اليها من قوانين أو أنظمة أو تعليمات أو رأي أو مشورة كما يتم الطعن لديها في قرارات مجلس الانضباط العام ومحكمة القضاء الإداري(18).
2. هيئة الرئاسة :ـ تتألف من الرئيس ونائبيه ورؤساء الهيئات المتخصصة (19) وتنظر في ترقية المستشارين المساعدين الى وظيفة مستشار (20) إضافة الى ما يحيل لها الرئيس من موضوعات كما تقدم هيئة الرئاسة في المجلس كل ستة أشهر وكلما رأت ذلك الى ديوان الرئاسة تقريرا" متضمنا ما أظهرته الأحكام أو البحوث من نقص في التشريع القائم أو غموض فيه أو حالات إساءة استعمال السلطة من أية جهة من جهات الإدارة أو مجاوزة تلك الجهات لسلطتها. (21)
3 .الهيئة الموسعة :ـ تتألف من هيئتين متخصصتين يعينهما الرئيس تشكل بصورة مؤقتة عندما يقرر رئيس المجلس أحالة موضوع معين إليها (22)
4. الهيئات المتخصصة : ـ يتألف المجلس من عدد من الهيئات المتخصصة وتتشكل كل هيئة من رئيس بعنوان مستشار وعدد من المستشارين والمستشارين المساعدين شرط إن لاتزيد نسبتهم على ثلث عدد المستشارين (23) ويكون رئيس الهيئة الأقدم من بين المستشارين فيها رغم أن القانون لا ينص على مبدأ القدم في عضوية المجلس إلا بالنسبة لأقدم نواب الرئيس وذلك في الفقرة (أ) من البند (ثانيا") من المادة (2) من قانون مجلس شورى الدولة غير أن هذا المبدأ في تقاليد المجلس في قوة القانون ، ومنه تستمد طريقة جلوس أعضاء المجلس في الهيئات والاجتماعات والمناسبات الأخرى والتي تبدأ بالقدم حسب الترتيب وكذلك ترتيب الأسماء في اللجان والمخاطبات الرسمية الأخرى، ومبدأ ذلك هو القدم بالتعيين في المجلس بالنسبة للوظيفة الواحدة وفي حالة التعيين بأمر واحد يكون القدم حسب أسبقية التسلسل بالأسماء الواردة فيه . ويكون للهيئة سكرتير ذو شهادة جامعية أولية في القانون (24)وتختص الهيئات المتخصصة بالنظر في المشروعات المنجزة من عضو الهيئة وذلك بمناقشتها وإجراء التدقيقات المقتضية عليها والتصويت عليها و أحالة المشروع الى الهيئة العامة بعد انجازه من الهيئة المتخصصة .
5. مجلس الانضباط العام . يتشكل مجلس الانضباط من هيئة واحدة مؤلفة من رئيس وعضوين , حيث عد القانون رئيس مجلس شورى الدولة رئيسا لمجلس الانضباط العام وأعضاء مجلس شورى الدولة أعضاء طبيعيين في مجلس الانضباط العام (25) .وهو نص لم يوفق المشرع في صياغته حين فرق بين تشكيل المجلس وانعقاده في موضع لا يصلح فيه لذلك (26) . وينعقد مجلس الانضباط العام برئاسة الرئيس وعضوين من أعضاء مجلس شورى الدولة، وللرئيس إن ينيب عنه احد نوابه أو احد أعضاء المجلس (27) من المستشارين أو المستشارين المساعدين .كما يجوز انتداب القضاة من الصنف الأول أو الثاني لعضوية مجلس الانضباط العام من غير المنتدبين لعضوية مجلس شورى الدولة (28). ويلاحظ أنه لا يجوز تشكيل أكثر من هيئة في مجلس الانضباط العام سواء أكان في بغداد أم المحافظات .(29)
6ـ محكمة القضاء الإداري ـ تتشكل محكمة القضاء الإداري في مجلس شورى الدولة في بغداد ويجوز عند الاقتضاء تشكيل محاكم أخرى للقضاء الإداري في مراكز المناطق الاستئنافية ببيان يصدره وزير العدل، بناء على اقتراح من هيئة الرئاسة في مجلس شورى الدولة وينشر في الجريدة الرسمية. وتتألف المحكمة برئاسة قاض من الصنف الأول أو مستشار في مجلس شورى الدولة وعضوين من القضاة لا يقل صنفهما عن الصنف الثاني من صنوف القضاة أو من المستشارين المساعدين في مجلس شورى الدولة (30) . مما يعني عدم جواز تشكيل المحكمة برئاسة مستشار مساعد .
ويجوز انتداب القضاة من الصنف الأول أو الثاني إلى محكمة القضاة الإداري من غير المنتدبين لعضوية مجلس شورى الدولة (31). وهذا الانتداب يشمل الرئيس والأعضاء .
7ـ مكتب رئيس المجلس ـ استحدث هذا التشكيل بموجب المادة (7) من تعليمات تشكيلات مجلس شورى الدولة ومهامها رقم (1) لسنة 2006 ويدير هذا التشكيل موظف بعنوان معاون قضائي او ملاحظ حاصل على الشهادة الاعدادية في الاقل ويتولى تنظيم المراسلات الواردة الى مكتب رئيس المجلس وتقديمها اليه ومتابعة تنفيذها كذلك تنظيم مواعيد اجتماعات رئيس المجلس وتهيئة مستلزمات تلك الاجتماعات واخيرا" مسك سجل خاص بمقابلات رئيس المجلس ومواعيدها .
8 ـ سكرتير عام المجلس ـ استحدث هذا التشكيل بموجب المادة (9) من تعليمات تشكيلات مجلس شورى الدولة ومهامها رقم (1) لسنة 2006 حيث يكون للمجلس سكرتير عام حاصل على شهادة جامعية لا تقل عن بكالوريوس في القانون يرتبط برئيس المجلس ويعاونه عدد من الموظفين ويتولى تنظيم مراسلات المجلس والاشراف على الامور الادارية والمالية للمجلس والاشراف على تنظيم وتبويب قرارات المجلس وتهيئة قرارات اوليات القضايا المعروضة على الهيئة العامة ويكون سكرتيرا" لها .
(ثالثا")
اختصاصات مجلس شورى الدولة
يختص المجلس بما يأتي :ـ
1. التقنين :ـ
أناط المشرع في مجلس شورى الدولة وظيفة (التقنين) ويقصد فيها التدوين التشريعي أو الصياغة التشريعية أو كتابة التشريع وتتم بطريقين الأول : إعداد مشاريع التشريعات وصياغتها ، ويتم بذلك بناءا" على طلب من الوزير المختص أو الرئيس الأعلى للجهة غير المرتبطة بوزارة بعد إن يرفق به ما يتضمن أسس التشريع المطلوب مع جميع أولياته وأراء الوزارات أو الجهات ذات العلاقة(32). هذه الوسيلة من التقنين لا تتطلب من الجهة طالبة التشريع وهي دوائر الدولة والقطاع العام تقديم مشروع التشريع بصيغته المقترحة كي يتولى المجلس تدقيقه إنما تقدم الفكرة التي ينصب عليها التشريع وان لم تكن في شكل مواد أو نصوص بل بيان الأسس التي يتعين بالتشريع الإحاطة بها . ويتطلب في هذه الحالة أن يرافق بالطلب أراء الوزارات أو الجهات ذات العلاقة . حيث يقوم المجلس بأعداد وتدقيق التشريع بعد ان يحول الفكرة إلى نصوص تشريعية من أقسام أو فصول أو مواد أو بنود أو فقرات أو غيرها . والثاني : تدقيق مشاريع التشريعات ، يتولى المجلس في هذه الحالة تدقيق مشاريع التشريعات المعدة من الوزارات أو الجهات غير المرتبطة بوزارة (33)، وقد ألزم القانون الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة طالبة التشريع إرسال مشروع التشريع الى الوزارة أو الوزارات أو الجهات ذات العلاقة لبيان رأيها فيه قبل عرضه على المجلس (34) ومن ثم يصار الى إرسال مشروع التشريع الى المجلس بكتاب موقع من الوزير المختص أو الرئيس الأعلى للجهة غير المرتبطة بوزارة مع أسبابه الموجبة وأراء الوزارات أو الجهات ذات العلاقة مشفوعا بجميع الإعمال التحضيرية (35) . وبذلك يتولى المجلس دراسة المشروع وإعادة صياغته عند الاقتضاء واقتراح البدائل التي يراها ضرورية وإبداء الرأي فيه ورفعه مع توصيات المجلس الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وإرسال نسخة من المشروع وتوصيات المجلس الى الوزارة أو الجهة ذات العلاقة (36). وبدوره يقوم مجلس الوزراء بإحالة المشروع بعد الموافقة عليه الى مجلس النواب .
وفي أطار اختصاص المجلس بالتقنين فقد أوكل له القانون مهمة الإسهام في ضمان وحدة التشريع و توحيد أسس الصياغة التشريعية وتوحيد المصطلحات والتعابير القانونية (37) .
كما ألزم القانون هيئة الرئاسة في المجلس تقديم تقرير الى ديوان الرئاسة ( مجلس الوزراء حاليا" ) متضمنا ما أظهرته الأحكام أو البحوث من نقص في التشريع القائم أو غموض فيه أو حالات إساءة استعمال السلطة من اية جهة من جهات الإدارة أو مجاوزة تلك الجهات لسلطتها.وذلك كل ستة أشهر أو متى رأت حاجة لذلك (38) .
يلاحظ من دراسة مشاريع التشريعات التي تم عرضها على المجلس أنه تولى ولفترة زمنية طويلة اختصاص التقنين في مجال القوانين والأنظمة التشريعية . ثم صدر توجيه من ديوان الرئاسة بالعدد (40067) في 13/11/1989 ألزم الجهات المعنية بعرض مشاريع التعليمات على مجلس شورى الدولة قبل إصدارها ، ثم شمل العرض الأنظمة الداخلية بما يوحي أن سند عرض التعليمات والأنظمة الداخلية هو ذلك التوجيه . وأرى أن تولي المجلس اختصاص التقنين للأنظمة الداخلية والتعليمات يستند على استعمال المشرع لعبارة (التشريعات) في موضع النص على ما يرد عليه اختصاص المجلس بالتقنين ، وهو استعمال لمعنى يتسع لأنواع التشريع كالقوانين والأنظمة والتعليمات بدليل إن محل التقنين بموجب البند ( أولا" ) من المادة (5) من قانون المجلس هو مشاريع التشريعات . بينما يحال على عضو المجلس لانجازه بموجب البند (ثانيا") من المادة (12) من القانون هو مشاريع التشريعات والقضايا ، وما ينجزه العضو يحال الى الهيئة المتخصصة وما تنجزه الهيئة يحال على رئيس المجلس للبت فيه وبموافقته يكتسب المشروع الصفة النهائية ، وذلك بمقتضى البند (اولا") من المادة (15) من قانون المجلس . وبذلك اخرج المشرع القوانين من مصطلح التشريعات التي وردت في موضع ما يرد عليه اختصاص المجلس في التقنين ، وهذا يدل على أن المشرع لم يطابق بين مصطلح القانون والتشريعات انما التشريع يستوعب القانون ويتعداه الى غيره من الأنظمة والتعليمات .
2. إبداء الرأي والمشورة القانونية :ـ
أذ نص القانون على تولي مجلس شورى الدولة اختصاص أبداء الرأي والمشورة القانونية لدوائر الدولة والقطاع العام فأنه يعد في ذلك الجهة المختصة قانونا" بالفتوى والتي يتعين ان تلجأ إليها الجهات المعنية في هذا المجال . وهو نوع من التخصص اقتضته طبيعة تقسيم وظائف الدولة وأداء مهامها . ولا يخل بممارسة هذا الاختصاص إن يوكل المشرع لوزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة مهمة تقديم المشورة في مجال اختصاصها كنص البند (رابعا") من المادة (7) من قانون وزارة المالية رقم (92) لسنة 1981 ، الذي قضي بتولي الوزارة مهمة تقديم المشورة في المسائل المالية ، لكن المشرع لم يسبغ على تلك المشورة الصفة الإلزامية ولم يحدد لدوائر الدولة والقطاع العام الحالات التي تلجأ إليها ولم يلزمها بذلك أنما مرجع ذلك تقديرها وأن دراسة أراء مجلس شورى الدولة تدل على احترامها لمبدأ الرجوع للجهة القطاعية فيما اختصت به لكن لا يلزم المجلس بالمشورة التي تقدمها تلك الجهات أذا ما رأى من الصحيح مخالفتها . لكن برزت حالات تتمثل بقيام بعض دوائر الدولة والقطاع العام بالإفتاء القانوني أو تفسير نصوص التشريعات لغيرها ، دون أن يكون لهذا الاختصاص سندا" من القانون وهي ممارسة تتعارض مع التنظيم القانوني الصحيح للدولة وتخل بحسن أدائها ، لأن من مظاهر الدولة إن تمارس كل جهة اختصاصاتها على وفق ما رسم لها القانون ، بل أن من مظاهر التنظيم الإداري في الدول أن يكون لكل من ( مؤسسات ) الدولة ( وصف وظيفي ) يحدد كيفية ممارسة تلك المؤسسة لاختصاصاتها ووظائفها وضوابط العمل فيها ولا يجوز أن تخرج عن حدود هذا الاختصاص لأنه يدخل في حالة عدم المشروعية ويؤدي الى فوضى في الإدارة إضافة إلى أن الرأي الذي تقدمه تلك الجهات يمثل في طبيعته رأيا" فرديا" وليس رأي هيئة صادر وفق ضوابط قانونية معينة وبذلك لا يكون بالضرورة صحيحا". وهذه الآراء لا ينبغي على الإدارة العليا أعمامها للعمل بموجبها حتى مع فرض صحتها ، لأن من شأن ذلك أن يقود الى تفتيت وحدة الرأي والمشورة القانونية في الدولة وبالنتيجة ضعف سلطتها وأن من مصلحة الدولة أن تكون محكومة أدارتها بضابط الاختصاص فلا تمارس مؤسساتها اختصاصها القانوني وتتجاوز على اختصاص غيرها .
3. القضـاء الإداري :ـ
يمارس المجلس الاختصاص في مجال القضاء الإداري في الصور الآتية :
مجلس الانضباط العام : و يختص بالنظر في دعوى الموظفين ضد دوائرهم في القضايا الناشئة عن قوانين الخدمة المدنية (39) والعقوبات الانضباطية (40) .
ب . محكمة القضاء الإداري : تنظر في صحة الأوامر والقرارات الإدارية التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع العام التي لم يعين مرجع للطعن فيها (41) .
ج ـ الهيئة التمييزية : تمارس الهيئة العامة اختصاص النظر تمييزا" في قرارات مجلس الانضباط العام (42) ومحكمة القضاء الإداري (43) وتمارس الهيئة عند النظر بالطعن الاختصاصات التي تمارسها محكمة التمييز المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية (44).
(رابعا")
أنواع الرأي والمشورة
يمارس المجلس في مجال الرأي والمشورة القانونية اختصاصاته على النحو الآتي : -
أولا ـ المشورة القانونية في المسائل التي تعرضها عليه الجهات العليا(45) : وبقصد بالجهات العليا غير الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة والتي افرد لها القانون عنوانا" لتقديم الرأي والمشورة ، وينصرف ذلك الى مجلس النواب و ديوان الرئاسة و مجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء .
ثانيا –المشورة القانونية في الاتفاقات والمعاهدات الدولية (46) : يقدم المجلس المشورة القانونية في الاتفاقات والمعاهدات الدولية حسب تعريفها الوارد في قانون عقد المعاهدات رقم (111) لسنة 1970 وذلك قبل عقدها أو الانضمام إليها.و يكون إبداء المشورة بناء على طلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء وقد يقترن بأعداد مشروع التصديق أو الانضمام في حالة الايجاب . حيث يطلب المجلس من الجهات ذات العلاقة بالاتفاقية ومنها وزارة الخارجية بيان الرأي فيها ومن ثم يتولى دراستها ويبين مدى انسجامها مع التشريع العراقي ويوصي بالنتيجة اما بالانضمام أو التصديق أو عدمه مع بيان سبب ذلك وقد يوصي بالتصديق أو الانضمام مع التحفظ .
ثالثا –التحكيم بين الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة (47) : يمارس المجلس اختصاص التحكيم في المسائل المختلف فيها بين الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة أذا أحتكم أطراف القضية الى المجلس . حيث يجوز الاتفاق على التحكيم في قضية معينة بصرف النظر عن منشأها ويثبت التحكيم ابتداء بالكتابة سواء أكان في محضر أو اتفاق أو عقد أو كتاب مباشر من الطرفين أو كليهما و يجوز الاتفاق على التحكيم بعد لجوء احد الطرفين الى المجلس وطلبه التحكيم مع الطرف الأخر حيث يتم مفاتحة الطرف الثاني فإذا لم يوافق على ذلك جاز لهما بالاتفاق سحبه حيث يقرر المجلس غلق الاضبارة ولا يجوز لاحد الطرفين العدول عن التحكيم بعد موافقته واتصال المجلس فيه . فإذا انعقد الاختصاص للمجلس بالتحكيم فيحيل المجلس الموضوع إلى إحدى الهيئات المتخصصة ومن ثم يحال الى احد أعضاء المجلس ليكون مقررا" ، فيستمع إلى أقوال ممثلي الطرفين ويطلع على المستندات ويثبت محضرا بذلك ويقدم الرأي الذي انتهى إليه إلى الهيئة المتخصصة ويسري عليه فيما بعد ما يسري على الرأي من إجراءات .
رابعا" ـ الرأي في المسائل القانونية (48) : يبدي المجلس الرأي بشأن مسألة قانونية حصل تردد فيها وقد يرد ذلك في إنزال حكم القانون على واقعة معينة . ولا يتقيد المجلس وهو في صدد ممارسة هذا الاختصاص بما يتصل تطبيقه بالقانون إنما يمتد بمعناه إلى الأنظمة والتعليمات بوصفها تستند على قانون وكذلك أوامر مجلس الوزراء(49) . كما يتضمن هذا النوع من الرأي اختصاص المجلس في تفسير القانون أو بمعنى أوسع التشريعات ـ ما عدا الدستور ـ حيث تطلب الجهات طالبة الرأي من المجلس تفسير نص معين وتطبيقا" لذلك أفتى مجلس شورى الدولة بتفسير سلطة ( الفصل ) الواردة في أمر سلطة الائتلاف المؤقت (المنحلة) رقم (15) لسنة 2004 (50) كذلك تفسير معنى عبارة (إثناء الخدمة الوظيفية أو بسببها) الواردة في البند (أولا"/1) من الأمر التشريعي رقم (17) لسنة 2004 (51). كذلك تفسير مصطلح (الزيادة) المنصوص عليها في البنود (أولا") و ( ثانيا") و (ثالثا") و ( رابعا") و ( خامسا") من المادة (8) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام (52). كذلك تحديد مفهوم كلمة ( أسرهم ) الواردة في نص المادة (5) من قانون مجلس النواب رقم (50) لسنة 2007 (53)وغيرها .
كما يبدي المجلس رأيه في قانونية الأنظمة أو التعليمات أو الأوامر وغيرها. وتطبيقا" لذلك أفتى المجلس بعدم وجود تعارض بين قرار مجلس قيادة الثورة رقم (60) لسنة 1998 والتعليمات الصادرة بموجبه رقم (4) لسنة 1998(54). والرأي بعدم وجود تعارض بين حكم المادة ( الثانية عشرة) من قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم (32) لسنة 1986 وحكم الفقرة (رابعا"") من المادة (5) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991.(55) والرأي بعدم جواز صرف المخصصات المنصوص عليها في التعليمات رقم (138) لسنة 1979 لإلغاء السند المنصوص عليه في القانون (56). وألراي بأن الأمر الديواني المرقم (99) في 30/5/2007 له سند من القانون . (57) والرأي بأن أعمام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المرقم 10150في 11/6/1977 ينقصه السند القانوني لصدوره من جهة لا تملك حق إصداره (58) وغيرها .
ويشترط لإبداء المجلس الرأي وفق هذا البند، إن يشفع الطلب برأي الجهة القانونية لدى الجهة طالبة الرأي في المسألة المعروضة . مع تحديد النقاط المطلوب إبداء الرأي بشأنها، والأسباب التي دعت إلى عرضها على المجلس
خامسا – توضيح الإحكام القانونية (59) : أجاز قانون مجلس شورى الدولة للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة إن تطلب من المجلس الاستيضاح في شأن الإحكام القانونية وذلك استنادا" إلى حكم البند ( خامسا") من المادة (6) من قانون المجلس وينصرف ذلك إلى تطبيق القواعد القانونية .
سادسا" ـ الرأي الذي يطلبه وزير العدل (60) : يمارس المجلس وظيفة إبداء الرأي الذي يحيله عليه وزير العدل ، أو يكلف عضوا" أو أكثر من أعضاء المجلس بإبداء الرأي في مسألة ما و يشمل ذلك ما يرتأي وزير العدل أحالته . وقد جرى المجلس على قبول إبداء الرأي فيما يطلب الوزير إبداءه وان لم يكن من اختصاص المجلس أو ممنوع المجلس النظر فيه (61) مستندا في ذلك إلى إن القانون لم يساوي في الطلب بين وزير العدل وبقية الوزراء من جهة ، إضافة إلى إن النص على إحالة وزير العدل للطلب ورد بحكم المادة (9) من القانون وهي مادة لاحقة من حيث التسلسل على المادة التي ورد فيها ما يمتنع على المجلس النظر فيه ، وهي المادة (8) فلا يسري نص المنع على ما يليه ولو أريد غير ذلك لما كان كذلك موضعه وقد يرى المجلس في سوابقه ما يعزز هذا النظر .
هذا وتتولى الجهة طالبة الرأي تحديد البند من المادة (6) الذي تطلب الرأي أو المشورة القانونية على أساسه ، وهي حرة في اختياره . ويكون ذلك ـ في الأصل ـ واردا" في كتاب الوزارة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة والتي تطلب بموجبه الرأي أو المشورة القانونية فأن خلا الكتاب من ذلك أشعر المجلس الجهة الطالبة كي تستكمل بالتحديد نواقصه. وينبني على ذلك أن نوع الرأي يتوقف على طلب الجهة طالبة الرأي فلها في سبيل تفسير القانون مثلا" أن تطلب إبداء الرأي على البند ( ثالثا") من المادة (6) أو البند ( رابعا") متى ما توافرت شروطه القانونية .