همية التحقيق الابتدائي ودور المحامي في هذه المرحلة



القاضي زهير كاظم عبود
من خلال معرفة وخبرة المحامي بأصول التحقيق الابتدائي وأسلوب التحري عن الجريمة، وأتباع الطرق القانونية في التحقيق مع المتهم أو المشتكي من قبل السلطة المختصة بذلك ، فأن على المحامي – باعتباره الظهير الأساس للعدالة - أن يتعرف على الاختصاص المكاني أو الشخصي في القضية موضوع التحقيق، كما يترتب عليه أن يقوم بتثبيت الممارسات المخالفة للقانون التي تتم ممارستها من قبل أعضاء الضبط القضائي والمحقق في مراكز الشرطة والتي قد ترتكب ضد موكله بأي شكل من الأشكال .
وعند عدم وجود موانع قانونية يستطيع المحامي الإطلاع على الأوراق التحقيقية الخاصة بموكله ، كما يستطيع أيضا الاتصال بموكله في مرحلة التحقيق ، كما يستطيع أيضا مصاحبته أثناء عملية تدوين أقواله سواء من قبل المحقق أو من قبل قاضي التحقيق، ويستطيع المحامي في هذه المرحلة إذا توجس خشية من ظروف أمنية أو شخصية تتعلق بحياة موكله، أو أية تأثيرات يمكن أن تؤثر على مجريات التحقيق في القضية موضوعة البحث، أن يطلب نقل القضية من محكمة الى أخرى أو من قاض الى قاض آخر بالطرق القانونية التي رسمها قانون الأصول الجزائية أو المرافعات أو الإجراءات الجزائية ضمانا لحقوق موكله ومساندة العدالة ، وأن يعرض الأمر على القاضي المختص بطلب تحريري .
وحين يكون المحامي وكيلا عن المتهم أو المشتكي في الدعوى الجزائية ، فعليه التقيد بمباديء الشرف والاستقامة والنزاهة ، وعدم تلبس شخصية موكله ، لأن المحامي ضمن هذه القضية يؤدي دورا اساسيا لايمكن معه أن يكون ظهيرا للجريمة والمجرم ، أو ساعيا للتستر على الوسائل والسندات التي تدين موكله ، أو توصل سلطة التحقيق الى الحقيقة ، وبالتالي ينسى دوره القضائي المساند للعدالة ،أو يتهاوى من مكانته القضائية ويتقمص دور المدافع عن الباطل والمساهم في ضياع الحقيقة واندحار العدالة ، ليساهم في أرشاد المتهم لأخفاء الحقيقة والتستر على الجريمة والأفعال المخالفة للقانون .
ومثلما للمتهم في الدعوى الجزائية حقوق ، فأن على المحامي واجبات ، وهو في كل الأحوال مؤتمن على حقوق موكله ، يتحدد في الدفاع القانوني وملاحقة القرارات الأعدادية والمهمة في القضية ، وتبيان مدى تطابقها مع القوانين وفق مفهومه للقانون ومعرفته بالوقائع وطرق وأساليب العملية التحقيقية ، وتقديم الطعون التمييزية في حال شعوره بوقوع مخالفة أجرائية أوأية إجراءات خارج نطاق القانون ، على أن يعرف جدية الطعن وأهميته في القضية ، ومدى أن يكون منتجا أمام محكمة الجنايات المختصة .
ويستطيع المحامي في دور التحقيق الابتدائي أن يستخلص من الأوراق التحقيقية ومن موكله أمورا قد لايتمكن المحقق أو قاضي التحقيق أن يكتشفها بسهولة في بعض الأحيان ، ويستطيع وفقا لهذا أن يوظف تلك المعلومات والاستنتاجات في القضية لصالح موكله .
وتعد مرحلة التحقيقات الابتدائية في الدعوى الجزائية من اهم المراحل التي يمكن أن تؤثر على حرية المتهم ومستقبله ، وكما تؤثر على الأجراءات التي تتخذ من قبل قاضي التحقيق بحقه ، كما يمكن أن تحصل بعض التجاوزات والخروقات القانونية من قبل سلطة التحقيق بحق المتهم لأسباب منها الجهل بنصوص الإجراءات الجزائية أو النقص المعرفي في ثقافة عضو الضبط القضائي لأساليب التحقيق ، فيتعرض أحيانا للتهديد أو الوعيد أو الضرب أو الضغط النفسي مما يتوجب على المحامي تثبيت تلك الحالات بالطرق القانونية والعلمية ودون انفعال ، وعرضها على الجهات القضائية المختصة التي لن تقبل بمثل تلك الأفعال المخالفة للقانون والتي تعرض مرتكبها للعقاب القانوني .
فقوانين الأجراءات الجنائية جميعها تمنع التعذيب وتعتبر نتائجه باطلة يتوجب على المحكمة عدم الاعتداد بها ، بأعتبار أنها أخذت بالأكراه ودون طواعية من المتهم، حتى أن القانون لم يأخذ بالأقرار والأعتراف أذا اقترن بشائبة الإكراه والتعذيب والقسر، وعده القانون من الوسائل غير المشروعة للتأثير على المتهم ،حيث لاتأخذ به المحكمة ولاتعتبره قرينة او دليل لأثبات الفعل على المتهم ، ولذا فأنه لايعتد به قانونا ، ومن هنا تظهر أهمية دور المحامي في هذه الفترة بالذات ، كما يستلزم أيضا من المحامي متابعة حالة موكلة وطريقة التعامل معه وزيارته وفقا للطرق المقررة قانونا ، وبالتنسيق مع الجهات المختصة المشرفة على الأعتقال والتوقيف وفقا للضوابط القانونية ، وتقديم اللوائح والطلبات القانونية المقبولة الى قاضي التحقيق في حالة مضي المدد القانونية وطول مدة توقيف المتهم أو في حال عدم توفر الادلة أو عدم كفاية الادلة لأحالة القضية ، وطلب الافراج عنه .
وأخذت بعض التشريعات ومنها المشرع العراقي الى العمل بانتداب احد المحامين في قضايا الجنايات والجنح أمام قاضي التحقيق ، والمهمة الملقاة على عاتق المحامي المنتدب في دور التحقيق لاتقل اهمية وخطورة عن دوره كمحام اصيل ، لأن المتهم وحقوقه أمانة في كل الأحوال بعنق وكيله القانوني ، وتعد عملية أنتداب المحامي في دور التحقيق مسألة تعزز من ضمانات المتهم وتسد ثغرة كبيرة في الأجراءات الجزائية.
ويتعين أن تكون ملاحقة المحامي للقضية التحقيقية متواصلة وسريعة وأمينة تتناسب مع أهمية القضية التحقيقية وخطورتها، وخصوصا إذا ما أكتملت الأجراءات الجزائية، لأن القضية سيتم ربطها بقرار فاصل في مرحلة التحقيق، اما بغلق التحقيق أو الأفراج عن المتهم أو بأحالة القضية على المحكمة المختصة .
وهنا يتعين على المحامي بعد أن تمكن من الحصول على نسخة من الأوراق التحقيقية بموافقة القاضي، أن يتابع القرار النهائي، وعليه أن يطعن بقرار الإحالة إذا وجد وأعتقد حقا حسب تقديره انه مخالف للقانون، وأن الأدلة التي توفرت في القضية التحقيقية لاتكفي لأحالة موكله على المحاكمة .
أن التوقيف أجراء أحترازي القصد منه أما المحافظة على حياة المتهم أو المحافظة على سير العملية التحقيقية، أو الخشية من هروب المتهم ، لذا فأن على المحامي أن يتابع تلك الأسباب التي دفعت قاضي التحقيق الى أصدار أمر بتوقيف المتهم، وعليه أن يتعامل وفقا لهذا الأمر بما يساهم ويساعد السلطة التحقيقية في أنجاز القضية التحقيقية والوصول الى الحكم العادل سواء كان في دور التحقيق أو المحاكمة ، حيث يستوجب الأمر أن ليبق المتهم فترة طويلة موقوفا دون أن يتم أنجاز التحقيق أو أن تحال قضيته أمام المحكمة الجزائية أو الجنائية المختصة ، وأن يبتعد كليا عن عرقلة خطوات العملية التحقيقية وتأخير انجازها .
ولهذا فأن قضاة التحقيق يقومون بتوقيف المتهمين الذين تستدعي قضيتهم توقيفهم والحرص على بقاءهم تحت سلطة المحقق مددا قصيرة بقدر الأمكان لأنجاز القضية ، ويمدد التوقيف بين فترة وأخرى دون أن يتعدى الى المدد الطويلة بغية أختصار الزمن والفصل في القضية المعروضة .
ويوفر قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل للمتهم ضمانات عديدة ، يمكن للمحامي ان يتابعها ويوضحها لموكله .
وأنسجاما مع أستمرار متابعة المحامي لقضية موكله في دور التحقيق الأبتدائي ، عليه أن يتابع قرار قاضي التحقيق بعد أستكمال القضية التحقيقية وانجاز مراحلها ، لأن القاضي سيصدر قرارا حاسما وفاصلا ومهما في دور التحقيق ، ففي مرحلة انتهاء التحقيق يصدر قاضي التحقيق قرارا بالإفراج عن المتهم وغلق الدعوى مؤقتا لعدم كفاية الأدلة المتوفرة للإحالة ، أو أن يقرر غلق التحقيق لكون الفعل المنسوب للمتهم لايعاقب عليه القانون أو يقبل الصلح الواقع لموافقة هذا الصلح للقانون ، أو انه يقرر أحالته على المحكمة الجنائية المختصة في حال توفر أدلة كافية لذلك ، وفي جميع الأحوال فأن قرار قاضي التحقيق خاضع للطعن أمام محكمة الجنايات خلال مدة حددها قانون اصول المحاكمات الجزائية ، وقرار محكمة الجنايات بصفتها التمييزية بات لايمكن الطعن به في كل الأحوال .
ومحكمة الجنايات أما أن تقرر تصديق قرار قاضي التحقيق لكونه صحيحا وموافقا للقانون ، او انها تقرر رد طلب التمييز شكلا أذا كان قد وقع خارج المدة القانونية ، او أن تقرر نقض قرار قاضي التحقيق وتعيد الأضبارة الى المحكمة المختصة لأتباع ماورد في قرار محكمة الجنايات بصفتها التمييزية .
ويبرز دور المحامي في تمييز القرار من خلال اللائحة القانونية التي يسرد فيها الأسباب القانونية التي تدعوه لتمييز قرار قاضي التحقيق ، لمخالفته للقانون حسب ما يرد من شرح في اللائحة التمييزية ، أو لابتعاده عن تحقيق العدالة حسب قناعة وكيل المتهم .
واللائحة التي يقدمها المحامي عبارة عن مطالعة قانونية يخلص فيها الى ما تمكن من استلاله من نقاط مهمة وإشارات تبرز دور موكله الأيجابي ونفي التهمة عنه أو محاولة اتقاء الأتهام وفقا للدلائل وادلة الأثبات التي تنفي التهمة خلال مرحلة التحقيق ، وتوضح لمحكمة الجنايات بصفتها التمييزية النقاط التي يستند عليها المحامي وكيل المتهم ووجهة نظره القانونية في الطعن القانوني المقدم ضمن اللائحة .

للفائدة...منقول