شرف نسب السيدة زينب رضي الله عنها
هي زينب بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، القرشيَّة الهاشميَّة، بنت رسول الله سيِّد البشر أجمعين صلى الله عليه وسلم، أمُّها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وهي كبرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم وثاني أبنائه بعد القاسم أوَّل أبناء النبيِّ وبه كان يُكنَّى، ووُلِد بعدها عبد الله ورقية وأم كلثوم وفاطمة.
ميلاد السيدة زينب رضي الله عنها وإسلامها
وُلِدَت السيِّدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي قبل البعثة بعشر سنين، وأسلمت مع أمِّها وأخواتها في أوَّل البعثة.
السيدة زينب رضي الله عنها وأبو العاص بن الربيع
لم تكن زينب رضي الله عنها قد جاوزت العاشرة من عمرها حين رَنَتْ إليها عيون الهاشميِّين، وتنافست بيوتات مكَّة على الظفر بها عروسًا لمن يختاره أبواها من كرام الفتية القرشيِّين، وكان الذي ظفر بها أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، ابن خالتها هالة بنت خويلد، وهو من أشراف مكة، كان ذلك قبل مهبط الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم [1].
وقد كانت السيِّدة زينب رضي الله عنه قد تعلَّمت الوفاء والإخلاص والمودَّة من أبويها، فكانت نِعْم الزوجة والحبيبة لزوجها وابن خالتها أبي العاص بن الربيع، وهو -أيضًا- لم يكن بأقلَّ منها وفاءً وإخلاصًا ومحبَّةً؛ فعلى الرغم من أنَّ زوجها أبو العاص ثبت على دين قريش، وكان من معدودي رجال مكَّة مالًا وأمانةً وتجارةً، فإنَّه حين مشت إليه وجوه قريش، وقالوا: اردد عَلَى مُحَمَّد ابنته، ونحن نزوِّجك أيَّة امرأةٍ أحببت من قريش. فقال: لا، ها الله، إِذَا لا أفارق صاحبتي، فإنَّها خير صاحبة. ولمـَّا سارت قريش إلى بدر كَانَ معهم، فأُسر فِي المعركة.
وعن عائشة رضي الله عنها: لمــَّا بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص قالت: فلمَّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: "إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا". فقالوا: نعم. وكان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أخذ عليه أو وعده أن يخلِّي سبيل زينب إليه، وبعث رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم زيدَ بن حارثة رضي الله عنه ورجلًا من الأنصار، فقال: "كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا" [2].
وقد أنشد أبو العاص رضي الله عنه مادحًا لها:
ذَكَرْتُ زَيْنَبَ لَمَّا جَاوَزَتْ إِرَمَا ... فَقُلْتُ سُقْيًا لِشَخْصٍ يَسْكُنُ الْحَرَمَا
بِنْتُ الْأَمِينِ جَزَاهَا اللهُ صَالِحَةً ... وَكُلُّ بَعْلٍ سَيُثْنِي بِالَّذِي عَلِمَا
وقال أبو العاص هذا الشعر وقد خرج في سفرٍ له، وكان قد خرج في سنة ست إلى الشام في تجارةٍ له، فلمَّا انصرف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة مولاه في كثفٍ من المسلمين لاعتراض العير التي أقبل فيها أبو العاص، فاستاقها وأسره، فأُتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى زينب رضي الله عنها يستجير بها، ويقال: بل حاص حيصة حتى أتى زينب، فاستجار بها. فأجارته. فلمَّا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، قالت، وهي في صفة النساء: أيُّها الناس، إنِّي قد أجرت أبا العاص ابن الربيع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَسَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ قالوا: نعم. قال: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا عَلِمْتُ بِمَا كَانَ حَتَّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ، إِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عند انصرافهم من المسجد، فقال: يَا بُنَيَّةُ: أَكْرِمِي مَثْوَاهُ، وَلَا يَخْلُصَنَّ إِلَيْكِ. وبعث إلى المسلمين ممَّن كَانَ فِي السريَّة: إِنَّكُمْ قَدْ عَرفْتُمْ مَكَانَ هَذَا الرَّجُلِ مِنَّا، فَإِنْ تَرُدُّوا عَلَيْهِ مَالَهُ فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، وَإِلَّا تَرُدُّوهُ فَأَنْتُمْ أَمْلَكُ بِفَيْئِكُمْ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لَكُمْ».
فقالوا: بل نردُّه يا رسول الله. فردُّوا عليه ماله وجميع ما كان معه. وأسلم أبو العاص رضي الله عنه، فردَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليه زينب رضي الله عنها بنكاحٍ جديد. ويُقال: بل ردَّها بالنكاح الأول [3]. ردَّها في المحرم سنة سبع [4].
وكان إسلامه بعد أن ردُّوا عليه ماله ما فقد منه شيئًا، احتمل إلى مكة، فأدَّى إلى كلِّ ذي مالٍ من قريشٍ ماله الذي كان أبضع معه، ثم قال: "يا معشر قريش، هل لأحدٍ منكم مالٌ لم يأخذه؟" قالوا: جزاك الله خيرًا، فقد وجدناك وفيًّا كريمًا. قال: "فإنِّي أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلَّا تخوُّف أن تظنُّوا أنِّي آكل أموالكم، فلمَّا أدَّاها الله عزَّ وجلَّ إليكم أسلمت". ثم خرج حتى قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا، وحسن إسلامه، وردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته عليه[5].
أبناء السيدة زينب رضي الله عنها
ولدت السيدة زينب رضي الله عنها عليًّا وأمامة، وكان أبو العاص رضي الله عنه قد جعل عليًّا ابنه -وهو سبط الرسول- في قبيلةٍ للرضاعة، ثم استرجعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد رضاعته وربَّاه في كنفه، وعليٌّ رضي الله عنه هو الذي ردف النبيَّ على ناقته يوم الفتح، وتُوفِّي وهو في عمر الشباب.
وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ»، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت ورجالٌ، فرفع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ -قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»[6].
وهذا الحديث في الغالب في وفاة علي رضي الله عنه سبط الرسول صلى الله عليه وسلم، أمَّا أُمامة فهي حفيدته التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّها وكان يحملها على عنقه في الصلاة كما جاء في صحيح مسلم وسنن النسائي وأبي داود، وقال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا أَحَبُّ أَهْلِي إِلَيَّ» [7]. وكانت السيدة فاطمة البتول رضي الله عنها قد أوصت زوجها عليًّا رضي الله عنه بأن يتزوَّج أُمامة، فتزوَّجها بناءً على هذه الوصيَّة، وكان سيدنا علي بن أبي طالب رضي لله عنه قد أمر المغيرة بن نوفل بن الحارث أن يتزوَّج أُمامة -زوجته- بعده، فتزوَّجت المغيرة بإذن الحسن رضي الله عنه، فولدت أُمامة للمغيرة ابنًا اسمه يحيى ولم يعقب[8]، وقيل: إنَّها لم تلد لا لعليٍّ ولا للمغيرة رضي الله عنهم أجمعين.
وفاة السيدة زينب رضي الله عنها
وكان سبب وفاتها أنَّه لمـَّا رجع أبو العاص إلى مكَّة وقد خُلِّي سبيله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار مكانه، فقال: «كُونَا بِبَطْنِ يَأْجُجَ [9] حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا فَتَأْتِيَانِي بِهَا». فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر أو قريب منه، فلمَّا قَدِمَ أبو العاص مكَّة أمرها باللحوق بأبيها، فخرجت تتجهَّز، فلمَّا فرغت من جهازها قَدَّمَ إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرًا فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارًا يقود بها وهي في هودجٍ لها، وتحدَّث بذلك رجالٌ من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى، وكان أوَّل من سبق إليها هبَّار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العُزَّى والفهري، فروَّعها هبَّار بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملًا -وقد اختلف الرواة في حملها- فطَرَحَت، وبرك حموها كنانة ونثر كنانته، ثم قال: والله لا يدنو منِّي رجلٌ إلَّا وضعت فيه سهمًا. فتكركر الناس عنه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فِيَّ»[10].
فلازمها المرض من وقتها حتى تُوفِّيت في سنة ثمان من الهجرة بالمدينة، فغسَّلتها أم أيمن، وأم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة، وأم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنهن أجمعين. وصلَّى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في قبرها ومعه أبو العاص، وجُعِل لها نعشٌ، فكانت أوَّل من اتُّخذ لَهَا ذلك، والذي أشارت باتِّخاذه أسماء بنت عميس؛ حيث رأته بالحبشة وهي مع زوجها جعفر بن أبي طالب[11].
وبهذا كانت سيرة السيدة زينب رضي الله عنها أولى حبَّات العقد الفريد في بيت الرسول الطاهر المبارك عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
[1] تراجم أعلام النساء: إدارة البحث والإعداد في دار الرسالة، إشراف: رضوان دعبول، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1419ه=1998م، ص177.
[2] صحيح أبي داود (2692)، وقال الألباني: حسن. وانظر الحاكم في مستدركه 3/262، والبلاذري: أنساب الأشراف 1/397.
[3] وفي سنن الترمذي 3/439: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ»: وتعليق أحمد شاكر رحمه الله: "هذا حديث في إسناده مقال، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق". وقال الألباني: ضعيف.
[4] أنساب الأشراف للبلاذري 1/398-400.
[5] الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/1703.
[6] صحيح البخاري رقم (1284) 2/79.
[7] رواه أحمد في مسنده 6/101، قال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده ضعيف.
[8] رحمة للعالمين ص355-356.
[9] اسم لمكانين؛ أحدهما: على ثمانية أميال من مكة، والثاني: أبعد منه، وفيه بُنِي مسجد الشجرة، وبينه وبين مسجد التنعيم ميلان.
[10] البداية والنهاية ط إحياء التراث 3/399-400، ورواه الحاكم 2/219 في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
[11] أنساب الأشراف للبلاذري 1/400.
قصة الإسلام .