نظرت الكتب الإسلاميَّة إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف نظرة إجلال وإكبار وتقدير، ووجدنا ذلك واضحًا في كتب علماء الرجال والتراجم، مثل كتب: ابن سعد والخطيب البغدادي وابن عساكر والذهبي وابن كثير وغيرهم من الذين ترجموا له ترجمةً وافية، واتفقوا على جلالته وإمامته وعظم قدره، وارتفاع منزلته.
نسب أبي سلمة ومولده
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب [1]، أُختُلف في اسمه؛ فقيل: عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمه أبو سلمة الذي يُكنَّى به [2]. وأمُّه هي تماضر بنت الأصبغ الكلبيَّة، وهي أوَّل كلبيَّة (نسبة إلى "بنو كلب" أحد قبائل العرب، وهم من "كنانة") نكحها قُرَشِي [3]، وهو من متقدِّمي التابعين [4]، وُلِد سنة بضع وعشرين.
مكانة أبي سلمة العلمية وروايته للحديث
كان أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيهًا كثير الحديث [5]، ومن أفاضل قريش وعبَّادهم، ومن فقهاء أهل المدينة [6]، ومن كبار أئمَّة التابعين [7]، وكان إمامًا حجَّةً عالمـًا [8]، ويُناظر ابن عباس ويُراجعه [9]، وله أحاديثٌ كثيرة وفقهٌ وفتوى [10].
وقد روى عن أبيه وعثمان بن عفان وأبي هريرة وابن عباس وحسان بن ثابت، وأسامة بن زيد، وأبي أيوب، وعائشة، وأم سلمة، والمغيرة بن شعبة، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وجابر، وطائفة أخرى من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين [11]، وروى عنه سالم أبو النضر، والزهري، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن أبي كثير، وخلقٌ كثير [12].
قال الزهري: أربعةٌ من قريش وجدتهم بحورًا سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله [13]. وقال أبي إسحاق: أبو سلمة في زمانه خيرٌ من ابن عمر في زمانه [14]، كما قيل: إنَّه أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة [15].
تولية أبي سلمة قضاء المدينة
لمـَّا ولي سعيد بن العاص المدينة للخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في المرَّة الأولى استقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف على المدينة، ولكن لمـَّا عُزِل سعيد بن العاص وولي مروان المدينة المرَّة الثانية عزل أبا سلمة بن عبد الرحمن عن القضاء وولَّى القضاء وشرطه أخاه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف [16].
وفاة أبي سلمة
تُوفِّي أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بالمدينة سنة أربع وتسعين (94هـ= 713م) في خلافة الوليد بن عبد الملك وهو ابن اثنتين وسبعين (72) سنة، وهذا أثبت الأقوال [17]، وقيل: سنة ثلاث ومائة (103هـ) [18] وقيل: أربع ومائة (104) [19].
[1] ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ= 1990م، 5/118، وابن عساكر: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ= 1995م، 29/290.
[2] الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م، 2/1199.
[3] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/118، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 29/290، وسبط ابن الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، دار الرسالة العالمية، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 1434هـ= 2013م، 6/21.
[4] وكيع الضبي: أخبار القضاة، تحقيق: عبد العزيز مصطفى المراغي، المكتبة التجارية الكبرى، شارع محمد علي، مصر، الطبعة الأولى، 1366هـ= 1947م، 1/116.
[5] العجلي: معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، السعودية
الطبعة الأولى، 1405هـ - 1985م، 2/405، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 29/303، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/287.
[6] ابن حبان: مشاهير علماء الأمصار، تحقيق: مرزوق على إبراهيم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الأولى 141هـ= 1991م، ص 106.
[7] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، 1/126.
[8] الصفدي: الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ= 2000م، 15/201.
[9] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، 1/126.
[10] وكيع الضبي: أخبار القضاة، 1/116.
[11] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، تحقيق: أكرم البوشي، إبراهيم الزيبق، مؤسَّسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1417هـ= 1996م 1/126، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/1198، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/287، والصفدي: الوافي بالوفيات، 15/201.
[12] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، 1/126.
[13] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 40/252، والمزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400هـ= 1980م، 20/18.
[14] وكيع الضبي: أخبار القضاة، 1/117، وأبو بكر بن أبي خيثمة: تحقيق: صلاح بن فتحي هلال، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1427هـ= 2006م، 2/136.
[15] الشيرازي: طبقات الفقهاء، تحقيق: إحسان عباس، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1970م، ص61، والذهبي: العبر في خبر من غبر، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/83.
[16] وابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/118، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 29/291.
[17] وكيع الضبي: أخبار القضاة، 1/117، وابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/118، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 29/291، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/289.
[18] خليفة بن خياط: تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: أكرم ضياء العمري، دار القلم، مؤسسة الرسالة، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1397م، ص306.
[19] الواقدي نقلًا عن الذهبي: تاريخ الإسلام، 2/1198.
- قصة الإسلام .