أحاول أن أكون كما ينبغي
أن يكون عليه الغرقى وهم يبحثون عن رسائل تُركت
في ثقوب الأشجار العملاقة على ضفاف الأنهر
لعلني أجد مني شيئاً هناك
رائحة قامتي المتكئة على شجرة سدر كنتُ قد نقشت على لحائها اسماء من غادروا
أحاول أن أكون مثل أي غريقٍ ينتشل نفسه من بين حطام السفن
ويبحث عن أثر الخطوات الضائعة على الطين
عن فتات همسه في الأعشاش ودموعه على أجنحة النوارس
لكني أخشى من اليابسة بقدر خشية كائن ليلي من النور
لهذا دائماً ما أحرص على أن تكون اغماضتي هشّة بما يسمح
لاندلاق لون عينيَّ على طول الطريق
هكذا سأترك أثراً ورائي
يليق بكل هذا العمى !
نادراً ما افتقد أحداً
لكني
وبحجة تفقّد صوتي كلما أصبحت وحيداً
انظر في كل الاتجاهات
وعندما لا أجد شيئاً في الجوار
أصيح :
هل من أحد هنا ؟
هكذا
كما لو أني كسرت يدي
لأفعل ذلك
دائماً ما ألوّح لمن غادروا
بألمٍ كبير !
رغم انها شائعة
كالأخطاء في رسائل العشاق
في الاعلانات الرخيصة وأخبار الوفيات وواجهات المتاجر
ومنتشرة على نحو واسع
كالمخدرات في أسواقنا السوداء
وسائبة
كالكلاب في مدننا العزيزة والقذرة
إلا أن لها رائحة تُشم من بعيد
فصيلة دمي
تعرفها القروش على الشواطئ الغريبة
وتعثر عليها الذئاب في الغابات الباردة
يقتفي أثرها الوشاة على جباه النسوة الهاربات
ويمكن تمييزها بسهولة في مختبرات التحاليل
قطرة فاسدة مليئة بالجراثيم
تحت رحمة الأعين المجهرية
تبدو في العدسات المكبرة للمخبرين
مثل لطخة فاسدة من القطران والنيكوتين
بقعة مسمومة تشبه خارطة البلاد
هكذا أنا
دائماً ما تفضحني الدماء
كلما خسرت جولة في الحب
وعدت من إحداهنّ جريحاً !
أدرك إلى أي حدٍ أكون غيوراً ومزعجاً
عندما يتعلق الأمر بالآخرين
ويخيفكِ أني أغمض عينيَّ عليكِ بهذه القسوة
كلما ذهبتِ إلى النوم
لا بأس
ستعرفين فحوى ذلك يوماً ما
ربما يكون نهاية العالم
عندئذ
سيكون من السهل العثور عليّ
وسط كل الأعين المظلمة
أنا الوحيد الذي تومض عيناه من بعيد
كقطٍ يبحث عن عظامكِ بين الركام !
"لا أتذكر السبب وراء حصولي على أول قبلة في حياتي طبعتها معلمة التاريخ
في الصف السادس الابتدائي على خدي
ربما هو خطّي الجميل والمنمق
أو لون عينيّ
أو ربما هو الحبّ
كنتُ قد مسحت أثر القُبلة وأنا في
طريقي إلى البيت
وحين رأت أمي أحمر الشفاه على كم
قميصي الأبيض الوحيد
ظنت أني قتلت أحداً
وكبقية الكذابين في أبريل
دعمت أنا هذا الظن
كنّا لا نزال في حينها
نعلق الثياب بمسامير مثبتة على الأبواب
لم يكن لدينا خزانات في البيت ولا سرير
فخبأتني في قن الدجاج
ولم تسألني من قتلت
لم تبحث في جثث النساء عن أثر طعنتي
لكني سمعتها تقول
بينما هي تغسل قميصي:
ولد يطعن بهذا العمق
لا بد أن يكون عاشقاً".
سينسى أحدنا الآخر في حالتين
أنا في حادث سير وأنتِ في حادث حبّ جديد
تصدمني شاحنة محملة بالكتل الكونكريتية
كما يحدث للحيوانات المسكينة الهاربة من الزرائب على الطرق السريعة
ويصدمكِ رجل طويل من أولئك الذين يثبّتون ذؤاباتهم بالزيت
قد يكون مهرجاً أو شاعراً شعبياً أو رساماً أو موسيقياً أو أحد مربي القطط
الذين يشمّون رائحة جرح المرأة من بعيد ويفركون أيديهم
سيقول أنكِ حبه الأول
وأنكِ أصغر من عمركِ وأجمل نساء العالم
وليس بقرة مليئة بالحليب والحب والسعادة كما كان يردد الثور الذي دهسته شاحنة على الطريق السريع
يناديك ابنة عينه
وككل الذكور الذين اعتادوا على الديباجة نفسها
سيغار من ماضيكِ ويرغب بمعرفة أسماء من أحببتِهم
وكأي امرأة مطيعة تريد إثبات حبها ستمتثلين لطلبه وتشرعين بالعدّ
حتى ذلك الحين
سأكون أنا في عداد الأموات
إلا أن ثمة ما سيوجع جثتي
امرأة تكرر اسمي بينما هي تعد بأصابعها إلى ما لا نهاية !
كانت تعد أضلعه بالقُبل، ضلعاً تلو آخر
وكغصة الآه في فم الغريق،
يتناهى صوتها إلى أذنيه حين تسأله :
- أيهم يوجعك ؟
فيجيبها :
- أنتِ !
طالما كنتُ معنياً بإسناد الآخرين
النساء تحديداً
أعير إحداهن كتفي إلى أن تُبصر
ولا أرى بعدها سوى الغبار
لكني كففت عن ذلك مؤخراً
فبعد كل هذه السنين
لم أعد أملك ما أعين به أحداً
ذلك أن آخر امرأة أسندتها
كانت تعرف من أين تؤكل الكتف !
كانت معركة ضارية
ككل المعارك التي تندلع لأسباب تافهة
خسرت فيها كل شيء
لم أعد أملك سوى وزني الزائد
ولمَ أخسره على أي حال ؟
ما دام أن هناك من يحاول حتى الآن
اكمال نقصه بما تبقى !
أما من كتف لهذا الرأس ؟
أم من ضماد لهذا الجرح ؟
أما من عظمة لكلب الشوق النابح في الصدر ؟
نحن فقراء هذه البلاد
النّحيلون
مرضى الحب
المصابون بكساح الحروب
أولاد الشوارع المنسيّة
تربية الأسواق المنسوفة بالديناميت
دائما ما نتأخر بالمشي
لهذا تجدنا أكثر التصاقاً بالأرض من السياسيين
ونعرف الله أكثر من رجال الدين
ذلك أننا
كلما تعثر أحدنا
صاحت أمه : اسم الله