لكل من ضاقت عليه الدنيآ,,



لِمَن ضاقت به الدُّنيا ، وتولَّى عنه الأصحابُ ، وتكالبَت عليه الدّيون ، ولم يجد إلَّا البُكاءَ مُنفّسًا له عن مُصابِهِ .

.. }

أخي في الله ، ليس البُكاءُ يُقدِّمُ ما أخَّرَ اللهُ ، أو يُؤخِّرُ ما قدَّمَ الله .

البُكاءُ لا يُجدي لَكَ شيئًا .

عليكَ أن تتوكَّلَ على الله ، وأن تُحسِنَ الظَّنَّ بالله ، فإنَّ اللهَ عند حُسن ظَنِّ عبده به .

إيَّاكَ أن تيأسَ ، أو تقنَطَ مِن رَوح اللهِ ورحمةِ الله ، بل توكَّل على الحَيِّ القَيُّوم ، وتوكَّل على أرحمِ الرَّاحمين ، واسأل اللهَ أن يُمدَّكَ بالعون والتوفيق والسَّداد ، وأن يفتحَ عليكَ أبوابَ الفَرَج .


!.. الحديثُ الذي ذكره الشيخ هُنا ضعَّفه الألبانيُّ ..!

فإنَّ الإنسانَ ضعيفٌ ، وتتكالَبُ عليه هُمومُ الدنيا ، فما خرج مِن هَمٍّ إلَّا وقع في غيره ، ولا نَجَا مِن كُربةٍ إلَّا أحاطت به غيرُها ، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ البلد/4 ، ولكنْ لا يُبَدِّدُ الهُمومَ ، ولا يُزيلُ الغُمومَ ، إلَّا الحَيُّ القَيُّوم ، الذي ﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ﴾ البقرة/255 .

أخي في الله ، أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا ابتلاكَ ، وألهمكَ الصبرَ على البَلْوَى .

أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا ابتلاكَ ، فانكسر قلبُكَ لمَولاك .

أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا جَعَلْتَ اللهَ نُصبَ عينيكَ ، فبثثتَ إليه أحزانَكَ ، واشتكيتَ إليه هُمومكَ وغُمومكَ ، ولِسانُ حالِكَ يقول : يا رَبِّ إلى مَن تكِلُني ، إلى ضعيفٍ يتجَهَّمُني ، أم إلى عَدُوٍّ ملَّكتَه أمري .. ولِسانُ حالِكَ يقول : يا الله ، يا مَن يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه ، أبُثُّ إليكَ الشكوى ، وألتجِئُ إليكَ يا مَن جَلَّ وعلا .. لِسانُ حالكَ يقول : اللهم يا مَن كشفت الضُّرَّ عن أيوب ، وأزلت الهَمَّ عن ذِي النُّون ، وكشفتَ الضُّرَّ عن العباد ، وأزلتَ البَلاءَ عنهم ، أزِل عَنِّي هَمِّي ، واكشف عَنِّي غَمِّي ، ولا تجعلني أشقَى عبادِكَ عندك ، اللهم لا تحرمني خيرَ ما عندكَ بِشَرِّ ما عندي .

أَكْثِر مِن دُعائِه ، وتَضَرَّع إليه ، فإنَّه واللهِ ثُمَّ واللهِ أرحمُ بِكَ مِن نَفْسِكَ بِنَفْسِكَ التي بين جنبيك ، وإنَّكَ إنْ بثثتَها كلماتٍ مِن قلبٍ مُؤمِنٍ باللهِ ، مُوقِنٍ في الله ، فإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُك .







إنَّ العبدَ إذا دعا ، واعتصمَ باللهِ والتجا ، وصَدَقَ في دُعائِه والتجائِه ، تفتَّحت أبوابُ السَّماوات . إذا دعا اللهَ صادقًا مِن قلبِهِ ، وقد أحاطت به هُمومُه في جسده ، مِن سَقَمٍ في الجسد ، أو مرض ، أو ألم ، فأعياه الأطباء ، وعَظُم عليه البلاء ، أو عَظُم عليه بلاؤه في البناتِ والأبناء ، وأصبح كُلَّما ضَحِكَ أبكاه هَمُّه ، وأبكاه غَمُّه ، وأحزنه وأقلقه .

إنَّ العبدَ إذا وصل إلى هـذا الحال ، وتوجَّه إلى الكبير المُتعال بصِدقٍ ويقينٍ ، فإنَّ هـذا هو المقصودُ مِن البلاء .

المقصودُ مِن البلاءِ الفِرارُ مِنَ اللهِ إلى الله .

المقصودُ مِن البلاءِ أن يَبُثَّ العبدُ إلى رَبِّهِ الشكوى ، وأن يلتجِأ إلى اللهِ جَلَّ وعلا ، وأن يتذَكَّرَ عظمةَ الله .

إذا عَظُمَ عليكَ الدَّيْنُ ، فتذكَّر اللهَ جَلَّ جلالُه الذي هو أعظمُ مِنَ الدَّيْنِ ومِن كُلِّ شئ .

وإذا عَظُمَ عليكَ الهَمُّ في أولادِكَ وبناتِكَ وزَوْجِكَ وأهلِكَ ، فتذكَّر أنَّ اللهَ يسمعُكَ ، وأنَّ اللهَ يراكَ ، وأنَّ اللهَ حليم ، وأنَّ اللهَ رحيم ، فقُل : يا رَبِّ ، أنتَ ترى حالي ، وتعلمُ ضَعفي ، وتعلمُ فقري ، يا رَبِّ إليكَ التجأتُ ، يا رَبِّ إليكَ اشتكيت ، يا رَبِّ بِكَ استعنتُ ، وعليكَ توكَّلتُ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ، وألجأتُ ظهري إليكَ ، وآمنتُ بِكَ ، وأسلمتُ إليكَ .

إذا قُلتَ هـذه الكلمات فُتِّحَت لها أبوابُ السّماوات ، وإذا صَدَعتَ بهـذه الدعواتِ ، فإنَّكَ حَرِيٌّ بتفريج الكُرُبات ، وتسهيل المُهِمَّات ، إنَّ اللهَ إذا تأذَّنَ بالفَرَجِ جاءكَ مِن حيثُ لا تحتسِب ، وإنَّه ما مِن عبدٍ تضيقُ به الأرضُ بما رَحُبَت – خاصَّةً إذا خذلَكَ الناسُ ، وخاصَّةً إذا تولَّى عنكَ القريبُ والحبيبُ ، وخاصَّةً إذا كنتَ تثِقُ في أحدٍ فخذلَكَ ، وإذا كنتَ ترجو أحدًا بعد الله فأهانَكَ وأذَلَّكَ – عندها تعلمُ أنَّ اللهَ يُريدُكَ أنْ تلتجِئَ إليه .

أسعـدُ الناسِ في الدُّنيا مَن وَجَّه وجهَه إلى الله .

أسعـدُ الناسِ في الدُّنيا مَن أسلمَ قلبَه للهِ .

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ النساء/125 ؛ أىْ : مُوقِنٌ بأنَّ الفَرَجَ مِن الله .

إذا أذلََّكَ الناسُ ، علِمتَ أنَّه ليس بيدِهم عِزَّةٌ ولا ذِلَّة .

وإذا أهانكَ الناسُ وأنت تطلبُ منهم أن يُعينوكَ ويُساعدوكَ ، فاعلم أنَّهم لا يملكون لأنفسِهم ضَرًّا ولا نفعًا ، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا ، وإذا اشتَدَّ عليكَ البلاءُ ، وعَظُمَ عليكَ العَناءُ ، مِن زوجةٍ ومِن أهلٍ ومِن ولدٍ ومِن أخٍ ومِن أُختٍ ومِن أصدقاءٍ ومِن أقرباء ، وإذا عَظُمت أذِيَّةُ الناسِ لَكَ ، وامتهانُهم لَكَ ، فاعلم أنَّ لَكَ رَبًّا لا يُخيِّبُك ، وأنَّ لَكَ رَبًّا هو مُنتهََى الشَّكوَى ، وأنَّ لَكَ رَبًّا يسمعُ السِّرَّ وأخفَى ، وأنَّ لَكَ رَبًّا يرحمُكَ ويُحبُّكَ ، ويُحِبُّ أن تُنادِيَه ، وتلتجِأَ إليه وتدعوه ، ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ النمل/62 .

ذَكَرَ اللهُ البلاءَ عن أيوب ، فقال سُبحانه : ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ الأنبياء/83 ، ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ ، ناداه وقـد عَظُمت شكواه ، وعَظُمَ بلاؤه ، وعَظُمَ ضُرُّه ، فنادَى اللهَ سُبحانه وتعالى بأسمائِهِ وصِفاتِهِ ، قال : ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾ ، الحالُ والشأنُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ، ولكنْ أنتَ أرحمُ الرَّاحمين ، ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ الأنبياء/83-84 .

قال بعضُ العُلَماءِ : ﴿ ذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ : أيْ أنَّ أيوبَ دعا رَبَّه بيقين ، فإنَّ اللهَ يستجيبُ لِكُلِّ مَن أُصيبَ ببلاءٍ فدعاه بيقين .
﴿ ذِكْرَى ﴾ : هـذه الذِّكرى تتذكَّرُها في كُلِّ بلاء ، وفي كُلِّ خَطْبٍ وكَرْب ، في أهلِكَ ومالِكَ وولَدِكَ .

تكونُ في رَغَدٍ مِن العيش وأنتَ آمِنٌ في سِرْبِكَ ، مُعافىً في بدنِكَ ، عندكَ قُوتُ يومِكَ فلا تلبثُ أنْ شاءَ اللهُ بلاءَك ، فنزلت بِكَ المصائِب ، وحلََّت بِكَ المَتاعِب ، فأحاطت بِكَ الديونُ مِن كُلِّ جانب ، وأصبحت بعـد رَغَدِ العيش في ضِيقِهِ وفي صعوبتِهِ ، فالبِنتُ تشتكي ، والابنُ يشتكي ، وتُصبِحُ في هَمٍّ وغَمّ وكَرْب ، فيأتيكَ ضلعُ الدَّيْن ، وهَمُّ الدَّيْنِ ، والمَغْرَم ، والمأثَم ، فعندها تضيقُ بِكَ الأرضُ بما رَحُبَت ، لكنْ لا يُوَسِّعُها إلَّا يقينُكَ باللهِ جَلَّ جلالُه ، ولا يُبَدِّدُ هـذه الهُمومَ ويُذهِبُها إلَّا يقينُكَ بأنَّ اللهَ أرحمُ بكَ مِن نَفْسِكَ التي بين جَنبيكَ .

يا هـذا ، إنْ صدقتَ مع اللهِ صَدَقَك .

مَن هـذا الذي وقف ببابِ اللهِ فطردَه ..؟! حاشاه .

مَن هـذا الذي صَدَقَ مع اللهِ فخَيَّبَه ..؟! حاشاه .

ما وجدناه إلَّا حليمًا رحيمًا ، ما وجدناه إلَّا كريمًا عظيمًا ، يفتحُ لَكَ أبوابَ الفَرَجِ مِن حيثُ تحتسِب ومِن حيثُ لا تحتسِب ، وما مِن عبدٍ يدعوا في كَرْبٍ ويَصْدُقُ مع الرَّبِّ إلَّا أعطاه اللهُ إحدى الحُسْنََيَيْن ؛ إنْ كان عَلِمَ سُبحانه أنَّ كَرْبَه يُفَرَّجُ فَرَّجَ عنه عاجِلاً ، وإذا عَلِمَ سُبحانه أنَّه سيُؤخَّرُ عنه الفَرَجُ رَزَقَهُ اليقينَ والإيمانَ والتسليمَ ، حتى أنَّ البلاءَ يعودُ عليه نِعمةً وسرورًا .
جعلنا اللهُ وإيَّاكم ذلك الرَّجُل .

إذا كُنتَ واثقًا باللهِ وناديتَه وناجيتَه صادِقًا مُؤمِنًا مُتَوكِّلاً عليه ، إمَّا أنْ يُفَرِّجَ كَرْبَكَ ، وإمَّا أنْ يُفرِغَ عليكَ مِن الصبر واليقينِ ، حتى يُصبِحَ العذابُ لَكَ رحمة ، وتعلو درجتُكَ ، ويَعظُمَ أجرُكَ ، ويُغفَرَ ذنبُكَ ، ويُقضَى دَيْنُك ، ويُبَدَّدَ هَمُّكَ وحُزنُك .

ولذلك في البلاءِ ، وفي الشِّدَّةِ والعَناءِ ، سُرورٌ بمُناجاةِ الله لا يَعدلُه سُرور .

ما أسعـدها مِن لَحظاتٍ ، وما أسعـدها مِن ساعاتٍ طيِّباتٍ مُباركاتٍ إذا خَلَوْتَ برَبِّكَ ، وبَثثتَ إليه أحزانَكَ ، واشتكيتَ إليه أحزانَكَ ، وبَثثتَ إليه ما تجدُه مِن الكَرْبِ ومِن الهَمِّ والغَمِّ ، فسألتَه وناجيتَه ودعوتَه ووثقتَ به سُبحانه وتعالى ..!

أسعـدُ الناسِ مَن جعل شكواه إلى الله ، ولم يشتكِ اللهَ إلى خَلْقِهِ .

أسعـدُ الناس مَن جعل يقينَه باللهِ ، ولم يجعل يقينَه في زيدٍ وعَمرو .

تَصَوَّر لو أنَّ رجلاً يُحِبُّ رجلاً ، فجاء يشتكي إليه في دَيْنِهِ ، فقال له : لَأُكَلِّمَنَّ فُلانًا الغَنِيَّ يقضي دَيْنَكَ الساعة ، وهو صادِقٌ أنَّه لو كلَّمَ الغَنِيَّ لَقَضى له ذلك الغَنِيُّ دَيْنَه في حِينِهِ ، ولا يُعجِزُ الغَنِيَّ شئٌ .

تَصَوَّر لو قال لكَ صاحِبُكَ : سأُكلِّمُ لَكَ فُلانًا الغَنِيَّ الثَّرِيَّ ، ودَيْنُكَ شئٌ يسيرٌ عند هـذا الغَنِيِّ الثَّرِيِّ ، وأنتَ تعلمُ أنَّ الحاجةَ ستُقضَى ، كيف سيكونُ يقينُكَ بقضاءِ دَيْنِكَ وتفريجِ كَرْبِكَ ..؟! فما بالُكَ بمَلِكِ الملوك ومَن بيده خزائنُ السَّماواتِ والأرض ..؟! ما بالُكَ بالكريم الذي يدُه سَحَّاء الليل والنهار ، لا تغيضُها نفقة ..؟! اللهم اجعل فقرنا إليكَ ، واجعل غِنانا بِكَ .

كُن غنيًّا بالله ، كُن واثِقًا مع الله .

إنَّ انصرافَ الناسِ عنك نعمةٌ مِن الله يُريدُ أن يصرفَكَ إليه .

المخذولُ مَن ينصرفُ عن الله إلى غير الله .

المَخذولُ مَن يتعلَّقُ بالناس ، ويُحِسُّ أنَّ كُروبَه كُلَّما أصابه ضُرٌّ أو اشتدت عليه شِدَّة ، ذهب إلى فُلانٍ وعِلاّن ، وانتهى أمرُه . ولكنْ أنتَ تقرعُ الأبوابَ فلا تُفتَحُ لَك ، وتسألُ الناسَ فلا يُعطوك ، وتأتي إلى الناسِ فيُهينوكَ ويُذلُّوك ، ولَرُبَّما سَبُّوكَ وشتموكَ وعابوك . (( رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمرين مدفوعٍ بالأبوابِ لو أقسم على اللهِ لَأَبَرَّه )) .

وما يُدريكَ أنَّ هـذا البلاءَ يُعرِّفُكَ باللهِ معرفةً لا يُصيبُكَ بها هَمٌّ ولا غَمٌّ إلَّا بُدِّد .

أسعـدُ الناس مَن إذا قال : يا رَبّ ، استجابَ اللهُ دُعائَه .

واللهِ ليست السعادةُ في الأموال ، ولو كانت في الأموال ، لكان أسعـدَ الناسِ قارون . فإذا به أشقى الناس ، وهو يتجلجلُ في الأرض ، ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ ﴾ القصص/81 ، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية .

المالُ ليس هو السعادة ، وليست السعادةُ أنَّكَ إذا سألتَ الناسَ أعطوك ، وليست السعادةُ أنَّكَ إذا جِئتَ إلى فُلان وعِلاّن تيسَّرت أمورُك .

السعادةُ والفضلُ والزيادةُ أنَّكَ إذا قُلتَ : يا الله ، فُتِّحَت لَكَ أبوابُ السماء ، وإذا قُلتَ : يا رَبِّ ، واشتكيتَ إلى الله ، سَمِعَ اللهُ دُعاءَك ، وفَرَّجَ اللهُ كَرْبَك .

إنَّ مِن الناس مَن تَعظُمُ عليه البلايا ، ويَعظُمُ عليه الكَرْبُ والخَطْبُ ، وهو يَعرفُ فُلاّنًا وعِلاّنًا ، لم يشتكِ اللهَ إلى أحد .

ومِن الناس مَن يتيسَّرُ له أنْ يُكَلِّمَ فُلانًا الغَنِيَّ وفُلانًا الثَّرِيَّ ، فيقولُ : أستحيي مِن اللهِ أنْ يراني أسألُ غيرَه ، فرَضِيَ باللهِ ، وأنزلَ حاجتَه بالله ، وتعلَّقَ بالله ، وصَدَقَ مع الله ، فجعل اللهُ له مِن __ أطباق السَّماواتِ والأرض فَرَجًا ومَخرجًا .

هل رأيتَ رَبَّكَ خَذَلَ عبدًا صَدَقَ معه في عُبوديته ، لا واللهِ .
وما هـذا الذي قَصَّه في كتابه .

قَصَّ اللهُ في كتابه القَصَصَ ؛ لِكي نَفِرَّ منه إليه .

أسعـدُ الناس مَن إذا أصابته البلايا في ماله يقولَ : أنا المُقَصِّر ، أنا المُذنِب ، أنا المُسيء ، ما شكرتُ اللهَ على نعمتِه ، أنا الذي قَصَّرتُ يا رَبِّ ، ما ذكرتُكَ حَقَّ ذِكرك ، ولا شكرتُكَ حَقَّ شُكرك ، فاغفِر لي تقصيري في شُكر النّعَم ، فيعودُ على نفسِهِ بالاستغفارِ ، والتوبةِ ، والإنابةِ ، فإذا بالضِّيق يتَّسِعُ يتَّسِع ، وإذا بالاستغفارِ رحمةً يتبدَّدُ بها حُزنُه ، ويذهبُ بها غَمُّه .

أسعـدُ الناسِ مَن عَرَفَ اللهَ في البلايا .

وإذا كان الإنسانُ تُحيطُ به الهُمومُ والغمومُ ، ويَعظُمُ دَيْنُهُ وكَرْبُه ، فلا يَزدادُ إلَّا تعلُّقًا بغيرِ اللهِ والعِياذُ بالله ، ولا يَزدادُ إلَّا شكوى إلى الناس ، والتجاءً إلى فًلانٍ وعِلاّن ، فهـذا مِن الخذلان والعِياذُ بالله ، هـذا مِن الخّذلان .

فأُوصيكَ ثُمَّ أُوصيكَ بالثِّقَةِ بالله ، والتَّوَكُّلِ على الله ، وحُسنِ الظَّنِّ بالله ، وأن تُكثِرَ مِن الاستغفار ، وأنْ تعلمَ أنَّ ما أصابكَ إنَّما هو بسبب الذنوب ، فتكرهُ الشيطانَ والنَّفْسَ الأمَّارة بالسُّوء ، وتستغفرُ اللهَ ، وتتفقَّدُ حالَكَ : هل ظلمتَ أحدًا مِن المسلمين ..؟ هل أكلتَ مالَ أحد ..؟ هل انتهكتَ عِرْضَ أحد ..؟ هل سببتَ أخاكَ المُسلم ..؟ هل شتمتَه ..؟ فتتحلَّلُ مِن المظالِم والمآثِم .

مَن فعل ذلك ، صار البلاءُ خيرًا له ، وصار البُعـدُ قُربًا له .

هـذا هو الذي أُوصيكَ به : أنْ تصدُقَ مع الله ، وأن تلتفِت إلى ما يُصلِحُ حالَكَ مع الله عَزَّ وجلَّ ، وأن تحرِصَ كُلَّ الحِرص على أن يكونَ عندكَ يقينٌ أنَّ الفَرَجَ آتٍ ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ الشرح/5-6 .

ما أنزل اللهُ عُسرًا على مُؤمنٍ إلَّا جعل معه يُسْرَيْن .

فكُن واثِقًا باللهِ عَزّ وجلَّ ، واعلم أنَّكَ إذا خِفتَ من عواقبِ المُستقبل ، وأضرارِ المُستقبل ، وما يكونُ في المُستقبل ، فإنَّه إذا حدَّثتكَ نَفْسُكَ بهـذا ، فاعلم أنَّه شيطانٌ يقرعُ قلبَكَ ، ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ﴾ البقرة/268 .. الشيطانُ لا يَعِدُكَ إلَّا كُلَّ شَرٍّ ، وكُلَّ بلاءٍ ، وكُلَّ ضُرَّ .

فكُن مع اللهِ ولا تُبالي ، وكُن صادقًا مع الله .

التوبةُ ، والاستغفارُ ، واليقينُ باللهِ بالفَرَج ، والأخذُ بالأسبابِ ، وحُسنُ الظَّنِّ بأَنَّ اللهَ سيُفَرِّجُ عنك ، مِن أعظمِ ما تُوصَى به في هذا البلاء ، مع كثرةِ الدُّعاءِ في مَظانِّ الإجابة : كأوقاتِ النِّداءِ ، وبين الأذان والإقامة ، وحالَ السّجود ، والأسحار ، وقـد جُرِّبَ بالأدعية المأثورة عن النبيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – في قضاءِ الدَّيْن .

ذَكَرَ لي البعضُ أنَّه كان دَيْنُه قرابة المليون ، وذكرتُ له هـذا الحديثَ (( اللهم إني أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَن ، والعَجز والكَسَل ، والجُبنِ والبُخل ، وضلع الدَّيْن ، وغَلَبة الرِّجال )) رواه البُخاريُّ ، فاتَّصَلَ عليَّ بعـد ثلاثةِ أيام ، وهو ليس مِن أهل الغِنَى ، قال لي : واللهِ ما مكثتُ يومًا إلَّا وقـد فُتِحَ عليَّ بابُ الفَرَج ، فسَدَّدتُ المليون خلال يومين ..... فمَن صَدَقَ مع اللهِ صَدَقَ اللهُ معه .

وإيَّاكَ أن تستعظِمَ شيئًا على الله .. اللهُ أكبر ؛ أيْ : أعظمُ مِن كُلِّ شئ .

اللهُ أكبرُ كبيرًا على كُلِّ هَمٍّ ، وكُلِّ غَمٍّ ، وكُلِّ كَرْبٍ ، فيما بيننا وبين لِقاءِ الله ، حتى نلقى اللهَ وهو راضٍ عَنَّا .

اللهم بَدِّد هُمومنا ، ونَفِّس غُمومَنا وكُروبَنا .
اللهم اجعل لنا مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرجًا ، ومِن كُلِّ بلاءٍ عافية .
اللهم إنَّا نستنصِرُ بكَ فانصرنا ، ونستعينُ بكَ فأَعِنَّا .
اللهم لا تخذُلنا ، اللهم لا تخذُلنا ، اللهم لا تخذُلنا .
اللهم بارِك أرْزَاقَنا ، وبارِك أموالَنا ، وأولادَنا ، وبارِك لنا في كُلِّ ما رَزْقْتَنا وأعطيتَنا .
اللهم إنَّا نسألُكَ أن تجعلَ الخيرَ لنا في أمورنا كُلِّها ، عاجِلِها وآجِلِها ما عَلِمنا منها وما لم نعلم .
نشكو إليكَ غَلَبَةَ الدَّيْن ، وقَهرَ الرِّجال .
اللهم إنَّا نشكو إليكَ فَقرنا ، فأغنِنا مِن واسِعِ فَضلِكَ يا ذا الفضلِ العظيم .
اللهم اجعل فقرَنا إليكَ ، وغِنانا بِك ، اللهم اقضِ عَنَّا الدَّيْنَ ، وأَغنِنا مِن الفقر ، واجعل ما وهبتنا عونًا لنا على طاعتِك ، ومَحَبَّتِكَ ، ومَرضاتِكَ ، يا حَيُّ يا قَيُّوم .
اللهم اغفر لنا ، ولآبائِنا ، وأُمَّهاتِنا ، وأزواجِنا ، ومشائِخنا ، ومُحِبِّينا ، ومَن أوصانا واستوصانا ، وحضر معنا ، وغاب عَنَّا ، وأحبَّنا فيكَ .
اللهم اغفر لنا أجمعين ، وهَبْ المُسيئين مِنَّا للمُحسنين ، وتولَّانا برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمين