وهذا باب واسع، لو أردنا أن نستقصي ما قيل في مدح الإمام (عليه السلام) ورثائه لجاء اضعاف ما ذكرناه، وعملاً بمنهجنا في الاختصار نذكر:
قال الشيخ موسى محيي الدين (50) في الإمام موسى كاظم الغيظ (عليه السلام):
يــــا كـــاظم الغيظ يـــا جد الجواد ومن عـــمّت جمــــــيع بـــني الدنيا مكارمه
ومــــن غــــدا شرع خير المرسلين به ســــــامي الــذرى وبه شيدت دعائمه
الحــــــق لـــولاك ما بــــانَت حقــــائقه والشرع لـولاك ما قامت قوائمه (51)
وفــــــيك يــــــنكشف الكرب العظيم إذا جاشت علـــينا بلا جرم قشاعمه(52)
إمـــــام حـق أبان الحــق وانــتــــشرت أفــــعاله الغرمــــذ نيــــــطت تمائــــمه
فــــــعالم الـــــدين خـــير الناس عالمه وكاظم الغيــظ خير الناس كاظمه(53)
مــــولى غــــدا من رسول الله عنصره أكرم به عنـــصراً طـابت جراثمه (54)
بــــــه وآبـــــائه زان الــــوجود وفــي أبـــــنائه الغرقــــــد شيدت مــــــعالـمه
مــــن أم مـــغناك يا أزكى الورى نسباً لــلازم كيـــــف لا تقضى لوازمه (55)
فـــــيا خـــــليلي والخـــــل الخـــليل إذا حبا الخـــــلــيل بـأسنى ما يلائمه(56)
لا تــحــــــسبا كــــل شـوق يدعى عبثاً فـــــالشــوق إن هـاج لا تخفى معالمه
ولا تـــلوما إذا مــــا رحــــت ذا كـلف والدمع من مقلتي فاضت سواجمه(57)
أنـــا المــشوق المـــعنى بازدياد حمى موسى بن جعفر صب القلب هائمه(58)
فعــــــلِّلا قـــــلبي العـــاني الضعيف به فــــإن فــــي ذكره تقوى عزائمــه(59)
وقال السيد صالح القزويني قصيدة يمكن أن نضع لها عنواناً:
(ليس الرشيد رشيداً ولا المأمون مأمونا) قال:
اعطف على الكرخ من بغداد وابكِ بها كـــــنزاً لعـــلم رســــول اللهمخـــزونا
مـــوسى بـــن جعفر سر الله والعلم الـ ـمبين فـــــي الـدين مفروضاً ومسنونا
بـــاب الحــــوائج عــند الله والسبب الـ ـموصـــول بــــالله غـــوث المستغيثينا
الــــكاظم الغـــــيظ عــــمن كان مقترفاً ذنباً ومـــن عــــمّ بـــالحسنى المسيئينا
يـــــابن النبـــــيين كـم أظهرت معجزة في السجن أزعجت في الرجس هارونا
وكـــــم بـــــك الله عــــافى مبتلى ولكم شـــافى مـــــريضاً وأعنى فيك مسكينا
لــم يُلهك السجن عن هدي وعن نسك إذ لا تـــــــزال بــــــذكر اللهمفــــــتونا
وكـــــم أســــــروا بـــــزاد أطعـموك به سمّاً فأخــــــبرتـــــهم عـــــمّا يسـرونا
وللطبيــــــب بســـطت الـــكـف تــخبره لــــــما تــــــمكن مــــنها السمّ تـــمكينا
بكـــــت عـــــلى نعـشـك الأعداء قاطبة ما حال نـــــعش لــــه الأعداء بــاكونا
رامــــوا البـــراءة عند الناس من دمه والله يــــــشهد مـــــا كــــانوا بريـــئينا
كـــم جــرّعتك بنو العباس من غصص تذيــــــب أحـــــشاءنا ذكــــراً وتُشجينا
قاسيــــــت مـــا لم تــقاس الأنبياء وقد لاقيت أضــــــعاف مــــا كــانوا يلاقونا
أبكيـــت جــــــديك والـــــــزهراء أمّــك والأطــــــهار آبـــاؤك الــــغر الميامينا
طـــــالت لطـــــول سجـــــود منه ثفنته فـــــقرحت جبــــــهة مـــــنه وعــرنينا
رأى فـــــــراغته فــــــي السجن منيته ونعــــــمة شـــــــكر الـــباري بها حينا
يـــــا ويـــــل هــارون لم تربح تجارته بصفــــــقة كــــــان فـيها الدهر مغبونا
ليـــــس الـــرشيد رشــيداً في سياسته كــــــلاّ ولا ابـــــــنه الـــمأمون مأمونا
تـــــالله مـــن كــان من قربى ولا رحم بين المصـــــــلين لــــــيلاً والمغـــــنينا
لهفـــي لمــــــوسى بهـــم طــالت بليته وقــــــد أقــــــام بــهم خمساً وخمسينا
يــــــزيـــــــدهم معجـــــزات كـــل آونة ونائــــــلاً ولـــــه ظــــــلماً يـــــزيدونا
لـــــم يحـــــفظوا من رسول الله منزله ولا لحســـــناه بــــــالحسنى يــــكافونا
بـــــاعوا لعــــمري بـــدنيا الغير دينهم جــــــهلاً فـــــما ربـــحوا دنيا ولا دينا
فــــي كـــــل يوم يـــــقاسي منهم حزنا حتى قضى في سبيل الله محزونا(60)
وقال الشيخ محمد الملا (61):
مــــــن مـــــبلغ الإســـــلام أن زعـيمه قـــــــد مــات في سجن الرشيد سميما
فـــــالغي بـــــات بمـــوته طرب الحشا وغــــــدا لمـــــــأتمه الـــــرشاد مـقيما
ملـــــقى عـــلى جســر الرصافة نعشه فيــــــه الــــــملائك أحدقوا تعـــــــظيما
فعــــــليه روح الله أزهـــــق روحـــــه وحــــــشا كــــــليم الله بــــــات كـــليما
لا تـــــألفي لمـــــسرة فـــــهرٍ فـــــــقد أضــــــحى ســـــرورك هــالكاً معدوما
منــــــح القـــــلوب مصـــابه سقما كما منــع النواظر في الدجى التهوينا(62)
وقال الشيخ عبد الحسين الحياوي (63):
جـــــانب الـــــكرخ شـــأن أرضك شيّد قـــــبر مـــــوسى بـــن جعفر بن محمد
بثـــــرى طــــــاول الــــــثريا مــــــقاماً دون أعـــــــتـابه المـــــلائـــك ســــجد
ضـــــم مــــــنه الضــريح لاهوت قدس ليــــــديــــــه تـــــــلقى المـقادير مقود
مــــــن عليه تــــاج الزعامة في الدين امتـــــــنــاناً بــــــه مـــــن اللهيعـــــقد
وقــــــد تجلى للخـــــلق فــــــي هـــيكـ ــــــل النـــــاس لكـــــنه بــقدس مجرد
هـــــو معـــــنى وراء كــــــل المــعاني صـــــوّب الفـــــكر فــــي عـلاه وصعّد
ســــــابع الصـــــــفوة الـــــتي اختارها الله عــــــلى الخـــــلق أوصـياء لأحمد
هــــــو غيـــــث إن أقلعت سحب الغيث وغــــــــوث إن عـــــزّ كهـف ومقصد
كـــــان للمـــؤمنين حصــــــناً منـــــيعاً وعلــــــى الكــــــافرينا ســـــيفاً مجرد
أخـــــرجوه مـــــن المــــــدينة قــــسراً كاظـــــــماً مطــــــلق الـــــدموع مــقيد
حـــــر قـــــلبي عــــــليه يقـضي سنيناً وهـــــــو فـــي السجن لا يزار ويقصد
مـــــثل مـوسى يرمى على الجسر ميتاً لـــــم يـــــشــــــيعه للقـــــبور مـــوحد
حمـــــلوه وللــــــحـــديـــــــد بـــرجليه دوي لـــــه الأهـــــــاضـــب تنهد (64)
وقال الشيخ مجيد خميس (65) من قصيدة له تعرض فيها لوفاة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام):
إن لــــــم يـــــشيــــع نــــعشه فلم تكن منـــــقـــصة عــــــليه فـــــي عــــليائه
فـــــخلفه الأمـــــلاك قـــــد تـــــزاحمت والــــــــروح أدمــى الأفـــق من بكائه
منـــــــادياً عـــــن شـــجــــــنٍ وإنـــــه قـــــطع قـــــــلب الـــــدين فــــي ندائه
يـــــا قــــــمر الإسلام قد أمسى الهدى دجـــــنة مـــــــنذ غـــــبت عــن سمائه
وقــــــد غــــــدى الإيمان ينـــعي نفسه فـــــــطـــبق الأكــــــوان فـــــي نعمائه
هـــــذا إمـــــام الحـق عاش في العدى مــــــضـــــطهدا ومــــــات فــي غمائه
لقــــــد ثــــــوى بـــــــلحده ومــا ثوى إلا الهدى والـــدين فـــــي ثـوائه (66)
وقال الأربلي:
القـــــائـــم الصـــــائـــم أكــــــرم بـــــه مــــــن قـــــــائم مجـــــــتــهد صــــائم
مـــــن معـــــشر سنــوا الندى والقرى وأشـــــــــرقـــــوا فـــــي الـزمن القائم
واحـــــرزوا خــــــصل العــلى فاغتدوا أشــــــــرف خـــــــــلـق الله فـي العالم
يـــــــروي الــــــمعالي عــــــالم مـنهم مــــــصدق فـــــــي الـــــنقل عـن عالم
قــــــد اســــــتووا فــي شرف المرتقى كــــــــما تــــــساوت حلــــــقة الخــاتم
مـــن ذا يــــــجاريهم إذا مــــــا اعتزوا إلى عــــــــليّ وإلــــــى فـــــــــاطـــــم
ومـــــن يـــــناويــــــــهم إذا عـــــدّدوا خــــــير بــــــني الدنيا أبا القاسم(67)
وقال الشيخ مطر بن محمود الخفاجي الغروي (68):
إذا مـــا دهــــــاك الــدهر يوماً بمعضل وأنـــــزلت فـــي واد من الهول مخطر
وحـــــاطت بـــك الأهوال من كل جانب عليك بـباب الله موسى بن جعفر(69)
وقال عبد الباقي العمري:
لــــــذ واستجــــــر متــــــــــــوســــــلاً إن ضــــــاق أمــــــرك أو تــعـــــــسر
بــــــأبي الـــــرضــــا جــــــد الجــــــوا د مـــــحـــــمد مــوسى بن جعفر (70)
___________هامش______________(50) هو من أعلام الأدب توفي في النجف الأشرف، 1285هـ.
(51) ما ذكره الشاعر عن الإمام الكاظم (عليه السلام) هو عام في جميع الأئمة (عليهم السلام) فقد روى الخاص والعام حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه أينما دار) فهم صلوات الله عليهم ورثوا هذه المكرمة فيما ورثوه عن أبيهم (عليهم السلام) من مواريث الإمامة.
(52) قشاعمه: القشعم:المسن الضخم ويقال للحرب والمنية والداهية: أم قشعم.
(53) العالم: من ألقاب الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
(54) جراثمه: أصله.
(55) المغنى: المنزل الذي غني به أهله.
(56) حباه: أعطاه.
(57) سجم الدمع: سال.
(58) صب القلب: رق واشتقاق. والهيام: شدة العشق.
(59) تحت راية الحق، ص613 عن عيان الشيعة، ج10، ص189.
(60) تحت راية الحق عن المجالس السنية، ص614.
(61) من خطباء المنبر الحسيني في الحلة ومن شعرائها المكثرين في أهل البيت (عليهم السلام).
(62) تحت راية الحق عن أدب الطف، ص614.
(63) من شعراء النجف الأشرف ومن علمائها ومؤلفيها توفي سنة 1345هـ.
(64) تحت راية الحق عن أدب الطف، ص615.
وكما نلاحظ أن جميع القصائد التي قيلت في رثائه جاءت قصائد مدح للإمام الكاظم (عليه السلام) لأنه أحدث فراغاً كبيراً في الأمة الإسلامية.
(65) من علماء الحلة وشعرائها وكانت وفاته سنة 1345هـ.
(66) تحت راية الحق، ص615، عن أدب الطف، ج10، ص187.
(67) تحت راية الحق، ص610، عن كشف الغمة، ج3، ص84.
(68) ترجم له صاحب نشوة السلافة وذكر بعض شعره، والأمين في أعيان الشيعة.
(69) تحت راية الحق، ص610، عن أعيان الشيعة، ج10، ص129.
(70) تحت راية الحق، ص613، عن الترياق الفاروقي، ص130.