كانت الغارات الجوية واحدة من الإستراتيجيات العسكرية التي استخدمت لمهاجمة الأعداء في الحروب باستخدام الطائرات المقاتلة، والطائرات قاذفات القنابل التي كان بإمكانها الإلقاء بقنابل وتفجير مباني كاملة. ربما كانت هذه المهمة أكثر المهمات خطورة ورعباً خلال أزمنة الحروب.
خاطر الكثير من الطيارين بحياتهم من خلال تنفيذهم غارات جوية أقل ما يقال عنها أنها جريئة ضد احتمالات جنونية. نغطي في مقالنا هذا على عشرة من أكثر الغارات الجوية العسكرية جنوناً وجرأة في التاريخ، والقصة وراء كل غارة :
10. غارة (كوكسهافن) :
في يوم عيد الميلاد من سنة 1914، نفذت البحرية الملكية البريطانية غارة جوية ضد الأسطول الألماني في (كوكسهافن). في ذلك اليوم، عقدت هدنة في أجزاء من الجبهة الغربية للحرب، لكن هذه الهدنة لم تكن عالمية، حيث قضى الكثير من البحارة البريطانيين والألمان اليوم بأكمله يتناحرون.
خلال المراحل الأولى من الحرب، كان الألمان قد شيدوا وصنعوا سفناً هوائية ضخمة عرفت باسم (زيبلينز)، التي تسببت في إثارة مخاوف البريطانيين. لقد كانت سفن الـ(زيبلينز) أسرع من الطائرات المقاتلة البريطانية آنذاك، وكان الألمان يطيرون بها فوق المجال الجوي للمملكة المتحدة دون أدنى خوف أو مشقة.
كما كان الألمان قد بنوا كذلك مستودعات ضخمة جدا من أجل الـ(زيبلينز)، هذه المستودعات التي أصبحت غير قابلة للاختراق عندما كان البريطانيون يهاجمونها. وعلى الرغم من كون جميع الاحتمالات ضدهم، أتى البريطانيون بخطة تضمنت استخدام تسعة طائرات مائية تابعة لسلاح الجوي الملكي البريطاني من أجل العثور على مخبأ السفن الهوائية الألمانية بالقرب من (كوكسهافن) وقصفه بالقنابل.
خلال يوم الغارة، رافقت قوات (الهارويش) ثلاثة ناقلات للطائرات المائية وهي (إنغادين)، و(ريفييرا)، و(إمبريس)، إلى موقع على بعد 20 كيلومتر غرب (هيليغولاند)، وهو الموقع الذي اعتبر أكثر ملاءمة من أجل الشروع في العمليات العسكرية.
تسبب الضباب، والسحاب المنخفض، والسلاح المضاد للطيران الألماني في منع نجاح الغارة بشكل كامل، غير أن العملية نجحت في مهاجمة عدة مواقع وسفن بحرية حربية ألمانية، كما عادت الطائرات المائية البريطانية إلى قواعدها سالمة.
أصبحت هذه الغارة نقطة تحول في مسار الحرب والتكتيكات الحربية آنذاك، وأثبت البريطانيون بفضلها أن الهجمات الجوية انطلاقا من البحر كانت أمرا ممكناً.
9. إغراق سفينة الـ(تيربيتز) :
سفينة الـ(تيربيتز) الحربية الألمانية المهيبة.
كانت الـ(تيربيتز) أكبر سفينة حربية شيدتها ألمانيا النازية مباشرة قبيل الحرب العالمية الثانية. لقد كانت تعتبر السفينة الأخت للبارجة الأكثر شهرة (بيسمارك)، كانت الـ(تيربيتز) تزن أكثر من 42 ألف طن وكانت تحمل مجموعة من ثمانية مدافع ذات 15 إنش، وكانت تمثل تهديدا خطيرا جدا لسفن الحلفاء في البحار الشمالية، بل كانت تمثل تهديداً ضد البريطانيين بشكل أخص.
خلال سنة 1941، حاولت القوات الجوية والبحرية الملكية البريطانية عدة مرات إغراق الـ(تيربيتز) لكن محاولاتها كلها باءت بالفشل. في شهر يناير من سنة 1942، غادرت الـ(تيربيتز) ألمانيا وقصدت النرويج، حيث كانت لتُغِير على سفن الحلفاء بهجومات مرعبة على عادتها، فاعترضت شحنات الدعم والإمدادات المتجهة إلى قوات الحلفاء في روسيا.
أصبح هذا الأمر مصدر قلق أكبر لقوات الحلفاء التي أُجبرت على الفرار نحو المياه الشمالية من أجل تفاديها. بحلول ذلك الزمن، فشلت جميع محاولات القوات البحرية والجوية الملكية في إغراق السفينة.
غير أنه مع النجاح المحقق حديثا فيما يتعلق بتطوير قنبلة جديدة أطلق عليها اسم (تولبوي)، أتت قيادة قوات القصف بخطة لاستخدام هذه القنابل في سبيل إغراق الـ(تيربيتز). كانت هذه القنبلة هائلة الحجم، إذ كانت تزن 5400 كيلوغرام، ولم تكن أي طائرة أخرى قادرة على نقلها.
قرر البريطانيون على إثر ذلك الاستعانة بقاذفة القنابل (لانكستر)، التي كانت تستخدم عادة للقصف الذي يتم على علو شاهق، ومع مساعدة عملاء نرويجيين متخفين الذين راحوا يجمعون المعلومات السرية، كانت تقارير يومية عن تحركات الـ(تيربيتز) تصل إلى مقر العمليات الخاصة البريطانية.
أخيرا، وفي الثاني عشر من نوفمبر 1944، نفذت القوات الجوية الملكية البريطانية هجوما ناجحاً باستعمال قنبلة (تولبوي) وتمكنت من إغراق (تيربيتز). نفذت الهجوم 29 طائرة من قاذفات القنابل (لانكستر)، ومع النجاح في تدمير وإغراق الـ(تيربيتز)، خسر (هتلر) آخر سفينة قوية له في أسطوله الحربي، ومثلت هذه الهزيمة بداية نهاية الحرب الألمانية في المياه الشمالية.
8. عملية (أوبرا) :
كانت (عملية أوبيرا) هو الاسم الرمزي للهجوم والغارة الجوية الإسرائيلية التي تم تنفيذها في السابع من يونيو سنة 1981 على المفاعل النووي العراقي. جاءت العملية بعد الحرب الإيرانية العراقية في سنة 1980، حيث قامت عدة طائرات شبح مقاتلة إيرانية، التي كانت جزءاً من مجموعة طائرات حربية كانت تهاجم محطة توليد طاقة تقليدية قريبة، بقصف المفاعل النووي العراقي بالقنابل لكنها لم تتسبب له سوى بأضرار قليلة، التي تم إصلاحها لاحقا من طرف الخبراء والتقنيين الفرنسيين.
بدأت قصة هذه الغارة عندما أكدت المخابرات الإسرائيلية اقتناء العراق لمفاعل نووي من الفرنسيين. ادعت كلا الدولتان الفرنسية والعراقية أن المفاعل كان ليستخدم لأغراض البحث العلمي لا غير، لكن بعد وقت وجيز أكدت المخابرات الإسرائيلية نوايا العراق في تطوير سلاح نووي، وكان الإسرائيليون واعين بالخطر الذي يمثله العراق لهم.
بسرعة كبيرة، حاولت إسرائيل الوصول إلى حل دبلوماسي للمعضلة مما من شأنه منع الفرنسيين من تمويل ودعم المشروع العراقي، غير أن مساعيها الدبلوماسية فشلت. في هذه المرحلة، لم يكن لإسرائيل وقت كافٍ، ذلك أن العراق كان يفصله عن تطوير سلاح نووي سنة واحدة فقط.
خططت إسرائيل للهجوم الجوي في السابع من يونيو 1981، فانطلقت بمقاتلاتها نحو المفاعل النووي، وتضمنت هذه العملية التي تم تنفيذها بحذر شديد 14 طائرة مقاتلة متنوعة بين F-15 وF-16، التي حلقت من القاعدة العسكرية الجوية الإسرائيلية في النقب Negev، واستمرت في التحليق عبر المجالات الجوية للأردن والسعودية والعراق من أجل تنفيذ الهجوم الجوي على المفاعل النووي العراقي الذي بناه الفرنسيون.
تم تنفيذ الرحلة الجوية وصولا إلى العراق من خلال التحليق على علو منخفض من أجل تذليل احتمال رصد المقاتلات من طرف رادارات سلاح الجو في أي من الدول العربية التي طارت فوق أراضيها، وعند وصولها إلى هدفها، استغرقها الأمر دقيقتين فقط من أجل أن تلقي بـ16 قنبلة على الموقع، التي أصابت 14 منها هدفها بدقة متناهية، متسببة بأضرار جسيمة لمبنى المفاعل، الذي لم ينهر على الرغم من ذلك، وكذا في مقتل 11 شخصاً من بينهم تقني فرنسي.
7- غارة (دوليتل) :
بعد الهجوم على قاعدة (بيرل هاربور) في الولايات المتحدة الأمريكية، وسعت القوات اليابانية الإمبراطورية بسرعة كبيرة منطقة نفوذها عبر المحيط الهادئ، مما جعلها القوة المهيمنة في المنطقة. من أجل وضع حد لها، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بناء قوة عسكرية لا تقهر، وإلى أن تصبح تلك القوة جاهزة، كان القادة الأمريكيون في حاجة ماسة لأمر ما ليرفع من معنويات مواطنيهم وجنودهم، وكذا من أجل عرض قوتهم أمام أعدائهم وحلفائهم على حد سواء، وذلك من خلال رد الصاع صاعين لليابان.
تم إطلاق مخطط للإغارة على العاصمة اليابانية طوكيو، وتطوعت مجموعة من 16 عشر رجلاً، الذين كانوا يخضعون للتدريبات على قيادة قاذفات القنابل بشكل سري، من أجل تولي هذه المهمة الخارجة عن المألوف والتي تمثل تحديا كبيراً بطبيعتها.
تم تعيين طيار ممتاز ذو خبرة عالية يدعى الملازم (جايمس دوليتل) لقيادة هذه المهمة. في الواقع، لقد كان الملازم (دوليتل) هو من اختار طائرات B-25B Mitchell ثنائية المحركات للمشاركة في المهمة.
بينما تمت برمجة الإقلاع في التاسع عشر من أبريل مساء، بدأت المهمة في وقت أبكر من هذا التاريخ، أي في الثامن عشر من أبريل.
تمكنت دورية يابانية على متن قارب من رصد القوة وهي تتحضر للشروع في العملية، غير أن القارب أُغرق على الفور من طرف واحدة من البوارج الأمريكية.
تسبب رصد القوة من طرف قوى الأعداء في إثارة حالة من الذعر ذلك أن حاملات الطائرات كانت لا تزال تبعد حوالي 600 ميل بحري عن اليابان، وكان الوقود يمثل تحديا كبيرا مسبقا قبل تغير المعطيات.
كما كان الأميرال (هالسي)، الذي كان في قيادة القوة التي تولت المهمة، يعلم بأن المجموعة قد تتعرض للهجوم في أية لحظة من طرف الطائرات المقاتلة اليابانية، فقام على إثر ذلك بإيعاز أوامر لـ(دوليتل) تفيد بضرورة الإقلاع والشروع في العملية على الفور.
تسببت المهمة بعد أدائها في إصابة طوكيو بالذهول، تاركة قادة البحرية والقوات الجوية اليابانية في حيرة من أمرهم يتبادلون التهم في تحمل مسؤولية الخسائر التي تكبدها اليابان، كما انتحر على إثر الواقعة قائد القوات الجوية اليابانية.
6. إغراق سفينتي (أمير الويلز) و(الريبولس) :
طاقم سفينة «أمير الويلز» يغادرها بعد إغراقها من طرف المقاتلات اليابانية.
في العاشر من ديسمبر سنة 1941، تم إغراق سفينتي (أمير الويلز) والـ(ريبولس) الحربيتين بصواريخ التوربيدو اليابانية بالقرب من (كوانتان) على الساحل الشرقي لـ(مالايا).
كان البريطانيون عازمين على إيقاف الغزو الياباني للمنطقة، ومنه تتبعوا تحركات الأسطول البحري الياباني الغازي شمال (مالايا)، وكان للبريطانيين ما عرف باسم ”القوة البريطانية (زي)“، التي كانت تتشكل من بارجة، وسفينة حربية عابرة للمحيطات، وأربعة مدمرات، أبحرت كلها ناحية (مالايا) لاحتواء الوضع هناك.
من أجل الحفاظ على الصمت التام والعمل في جو خالٍ من اتصالات الراديو، قرر قادة القوة البريطانية الإبحار دون أي دعم جوي، وقد كان ذلك خطأً فادحاً اقترفوه. لم تسر مهمتهم مثلما تم التخطيط لها، وخلال عودتهم إلى سينغافورة، تعرضوا إلى هجوم في المياه المفتوحة من طرف القوات اليابانية.
حتى على الرغم من كون البريطانيين على ثقة كبيرة في دفاعات سفنهم المضادة للطائرات، فإن اليابانيين سرعان ما رصدوا القوة (زي) ووضعوا خطة هجوم محكمة. على الرغم من خبرتهم الضئيلة في تنفيذ هجمات القصف بالقنابل على السفن في المياه المفتوحة، قرر اليابانيون الإقلاع بقوة جوية تتألف من 85 طائرة حربية لتنفيذ الهجوم.
لم يكن هجومهم الأولي باستخدام طائرات G3M القاذفة للقنابل متوسطة الحجم ناجحاً، غير أن هجومهم الثاني بموجة من طائرات G3Ms التي كانت تحمل طوربيدات أتى بثماره، وتمكنوا من إغراق السفينة، وحصدوا أرواح 840 بحار بريطاني، ولم يسقط سوى 18 طيار ياباني في ذلك الهجوم.
5. عملية (فوكيس) العسكرية :
طائرات عسكرية تابعة للتحالف العربي مدمرة في المطار.
كانت العملية (فوكيس)، التي يطلق عليها كذلك اسم العملية Mocked، ضربة جوية مفاجئة شنتها القوات الجوية الإسرائيلية على المطارات العسكرية العربية. نجح هذا الهجوم الذي تنفذ في الخامس من يونيو 1967 من تدمير 450 طائرة عسكرية مرابضة في المطار في مدة لم تتعدّ ثلاثة ساعات.
لدى عملية (فوكيس) أهمية عظيمة في دراسة استراتيجيات المعارك الجوية.
في منتصف سنة 1967، أصدرت مصر معية أمم عربية أخرى على شاكلة سوريا والعراق والأردن تهديدات كبيرة بنسف ومسح إسرائيل من الخريطة. تلى هذا قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر غلق مضائق تيران على السفن الإسرائيلية. تسبب هذا في تصعّد التوتر بين البلدين اللذين كان كل منهما في حالة تأهب عسكري دائمة.
اندلعت في خضم ذلك حرب الستة أيام، بين الدول العربية وإسرائيل، وباعتبارها لحظوظها الضئيلة؛ أدركت إسرائيل أن خوضها حربا مع عدة دول في آن واحد كان خطأً جسيماً، وقررت أن تحول الصراع إلى صالحها من خلال تنفيذ هجمات جوية استبقاية ضد القوات الجوية لأعدائها مجتمعين.
من أجل النجاح في العملية؛ استخدمت إسرائيل سلاحاً جديداً، يتمثل في رأس حربي مضاد للمدرجات محمول على صاروخ، والهدف منه هو تدمير مدرجات المطارات. مع حوالي 20 طائرة عسكرية فرنسية الصنع التي كانت إسرائيل قد اقتنتها من فرنسا في يناير سنة 1956، بالإضافة إلى بعض طائرات (أوراغان)، تمكن الإسرائيليون من تدمير مدرجات المطارات العسكرية في مصر وتسنى لهم كل الوقت للهجوم على الطائرات العسكرية العربية القابعة في أمكنتها بلا حراك، مدمرينها كلها تقريباً.
4. غارة (الموسكيتو) سنة 1943 على برلين :
في يوم السبت 30 يناير سنة 1943، كانت ألمانيا النازية تحتفل بمرور عقد من الزمن على اعتلاء هتلر للسلطة، وكما تمليه تقاليدهم التي اعتادوا عليها؛ تجمع الألمان حول محطة الراديو المركزية للاستماع لخطابات كل من (هيرمان غورينغ) و(جوزيف غوبلز) وزير الدعاية لدى الحكومة الألمانية النازية.
بينما كان الألمان يتوقعون من هذا أن يكون حدثاً خاصاً واستثنائياً، كانت طائرات الـ(موسكيتو) —الناموس— التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني تسافر في صمت، وفي أذهان طاقمها أفكار أخرى تماماً حول الاحتفال بهذا الحدث!
كانت القوات الألمانية تحتل تقريبا كامل القارة الأوروبية، وكان البريطانيون عازمين على منع الألمان من تعزيز دفاعاتهم حول برلين. بدأت العملية العسكرية في الصباح عندما أقلعت ثلاثة طائرات (موسكيتو) من السرب 105 ونفذت هجوماً سريعاً ضد مقرات الإذاعة الوطنية الألمانية عندما كان (غورينغ) بصدد إلقاء خطابه على الأمة.
لم يستطع (غورينغ) البقاء على منصة القراءة أكثر من ساعة بعد الهجوم، وقيل أنه كان ”يغلي من الهيجان والشعور بالمذلة“.
جاء الهجوم الثاني بعد خمسة ساعات لاحقاً عندما طارت ثلاثة طائرات (موسكيتو) تابعة لسرب الطائرات رقم 139 ناحية برلين وقاطعت خطابا كان (غوبلز) سيلقيه على الشعب. على الرغم من أن هذا الهجوم لم يكن له وقع كبير مثل سابقه، فإنه وقع في تمام الوقت الذي كان (غوبلز) فيه بصدد إلقاء كلمته، وهي الساعة الرابعة مساء بالتمام. خلال هذه الغارة الجوية، لم يفقد سلاح الجو الملكي البريطاني سوى طائرة حربية واحدة التي أسقطت بالقرب من (ألتينغرابو)، مما أدى إلى مقتل قائد السرب وضابط الملاحة خاصته.
3. عملية (جيريكو) :
كانت العملية (جيريكو) هي الاسم الرمزي الذي منح لواحدة من أكثر الغارات الجوية جرأة وشجاعة التي نفذتها القوات الجوية الملكية البريطانية في الثامن عشر من فبراير سنة 1944. كانت العملية عبارة عن هجوم سري نفذته قاذفات القنابل من نوع (موسكيتو) ضد سجن متاخم لمدينة (آميان) الفرنسية التي كانت تحت الاحتلال الألماني النازي، والتي كان النازيون يأسرون في سجنها الكثير من مقاتلي المقاومة وبعض السجناء السياسيين الآخرين.
كان الهدف الرئيسي من العملية هو إما إنقاذ أو تصفية اثنين من ضباط المخابرات التابعين لقوات الحلفاء الذين تم أسرهم وسجنهم في سجن (أميان). بينما لم يتمكن أحد من معرفة نوع الأسرار التي كان هذان الضابطان يعرفانها بالضبط، فإن الكثيرين يعتقدون أن أسرهما مثل تهديدا كبيرا لعملية (أوفرلود) التي خطط الحلفاء من ورائها لغزو أوروبا وتحريرها من أيدي النازيين.
في هذه الحالة، نفذت قوات الحلفاء هجوماً جويا على السجن بهدف إما تحرير الضابطين السابقين وإما تصفيتهما حتى لا تتسرب المعلومات السرية التي كانا يحوزان عليها.
أقلعت 18 طائرة (موسكيتو) مدعومة بطائرات (تايفون) من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في (هانسدون) في (هيرتفوردشاير). وبسبب سوء الأحوال الجوية، تعين على أربعة طائرات (موسكيتو) العودة أدراجها حينما فقدت الاتصال مع بقية السرب، وورد في تقرير الطواقم لاحقا أن الطقس كان أسوأ طقس حلقوا فيه يوماً.
نجحت قاذفات القنابل الـ(موسكيتو) في اختراق جدران مباني السجن، كما نجحت في تدمير ثكنات الحراس. من بين 717 سجيناً الذين كانوا في السجن، قتل 102 منهم، وجرح 74 وتمكن 258 من الفرار، بمن فيهم 79 مقاتلا تابعا للمقاومة والسجناء السياسيين، على الرغم من أن ثلثي الفارين تم أسرهم مجددا في وقت لاحق.
2. عملية ”العقاب الشديد“ :
في ليلتي السادس عشر والسابع عشر من مايو سنة 1943، دمرت غارة جوية لسلاح الجو الملكي البريطاني ثلاثة سدود كبيرة على وادي (روهر). كانت هذه المهمة، التي أشير إليها بالاسم الرمزي ”عملية العقاب الشديد“، تهدف إلى تدمير سد (موهن)، وسد (إيدرسي)، وسد (سوربي)، التي كانت تحميها بشراسة الطوربيدات في المياه لمنع الهجمات المائية، ومدافع مضادة للطيران للدفاع ضد الغارات الجوية وقاذفات القنابل التابعة للأعداء.
بين سنتي 1938، و1941، تم إجراء عدد واسع من المقترحات والدراسات من طرف البريطانيين، واكتُشف بأن عدداً من الهجمات مع درجة عالية من الدقة سيكون ضروريا لتدمير السدود الثلاثة. باعتبار كون المهمة قابلة للنجاح، طور البريطانيون ”قنبلة نطاطة“ التي اخترعها وطورها السير (بارنز واليس)، ومع سرب الطائرات الجديد، الذي تشكل في (سكامبتون) في الواحد والعشرين من مارس 1943 والذي قاده الطيار (غاي غيبسون)، أصبح البريطانيون جاهزين لأداء المهمة.
على الساعة 9:28 مساءاً في يوم السادس عشر من مايو 1943، طارت أولى قاذفات القنابل الثقيلة من طراز (لانكاستر) من مدرجاتها في ليلة صيفية صافية، سارت المهمة وفقا للمخطط وأسفرت عن تدمير اثنين من محطات الطاقة الكهربائية. تم كذلك إلحاق الأضرار بعدة محطات أخرى، وتسببت الفيضانات الناجمة عن تدمير السدود في إغراق وقتل حوالي 1300 شخص.
1. عملية «موجة المد والجزر» :
كان التخطيط لعملية «موجات المد والجزر» هو المهمة الرئيسية التي التزم بتنفيذها السرب 44 والسرب 93 والسرب 389 من مجموعة قاذفات القنابل التابعة للقوة الجوية الثامنة والقوة الجوية التاسعة التابعة للقوات الجوية الأمريكية المرابضة في بنغازي في ليبيا.
بينما كانت في ليبيا؛ كانت هذه المجموعات الخمسة القاذفة للقنابل تتمرن على الطيران وإصابة الأهداف على علو منخفض جداً، ولم يكونوا يدرون نوع المهمة التي كانت في انتظارهم.
عندما أُخبروا في نهاية المطاف بهدف تدريبهم؛ أصبح هدفهم معامل تكرير البترول الواقعة في منطقة (بلوستي) في رومانيا، والتي كانت خاضعة لسيطرة النازيين. كانت (بلوستي) واحدة من أكبر المراكز الصناعية في أوروبا التي كانت تزود قوات ودول المحور بحوالي 30 في المائة من إنتاج النفط، مما كان يمد الآلة الحربية الألمانية بما يكفيها من الوقود للاستمرار في الحرب، فجعلت منها قوات الحلفاء على إثر ذلك هدفاً.
انطلقت المهمة في الأول من أغسطس سنة 1943 عندما تم تعبئة كل من طائرتي الـB-24 بالقنابل، والذخيرة، والوقود بالإضافة إلى القنابل الحارقة ليتم القذف والإلقاء بها على الهدف. وفقا للمخطط، كانت العملية عبارة عن غارة قذف بالقنابل على علو منخفض باستخدام قنابل ذات تفجير متأخر، كما كان الأمر يعني التحليق على مسافة 3800 كيلومتر ذهابا وإياباً مع بقاء الطائرات محلّقة في الجو على مدى 13 ساعة كاملة.
فُقدت 53 طائرة و660 طيار ورجل طاقم جوي في هذه المهمة، مما يجعلها واحدة من أسوأ الهزائم التي تكبدها سلاح الجو الأمريكي على الجبهة الأوروبية في الحرب العالمية الثانية.
مازالت عملية «موجة المد والجز» إلى يومنا هذا تعرف باسم ”الأحد الأسود“، وذلك لأنه بمقارنتها مع كل مهمة فردية أخرى، فهي تبقى ثاني أسوأ هزمية تكبدها سلاح الجو الأمريكي في تاريخه.
المصدر
www.historycollection.co