تمازجت أنغام الطبول وأصوات الدفوف لتعلوا أهازيج الفرح والفلاحيين، وتارة يعلو صوت المزمار ليخالطه نغم العود والكمال، مشاهد يرسمها مهرجان الأحساء المبدعة للحرف والفنون الشعبية والذي تنظمه أمانة الأحساء ضمن موسم الشرقية 2019.
ففي ساحات القلعة، تتسابق ألوان الفنون الشعبية الأحسائية بتقديم عروضها، حيث يستقبل الزوار تطاير ماء الورد الذي يتناثر فوق رؤوسهم حينما تجوب "درزة المعرس" أرجاء المهرجان، مرددين أغنيته الشهيرة "يا معيريس عين الله تراك.. والقمر والنجوم تمشي وراك".
في حين يتعالى صوت "المزمار" معلناً بدء فن "الليوه" الذي عرف بفنه الجميل، ورقصاته الطربية الخليجية، وكلماته التي غلب على الزوار حفظها وترديدها، مازجة بين البحر والنخل، في صورة تفاعل معها عشاق الفن الشعبي.


وفي زاوية أخرى يقف أكثر من خمسين رجلاً بزي واحد وفي صفوف متقابلة ليؤدوا العرضة الحساوية عبر تناغم الطبول، وتسابق طرق الدفوف، ينشدون أهازيج الفرح والنصر، متمايلين برقصاتهم، رافعين السيوف تعبيراً عن الفرح، كعادة عرفت عن العرضة السعودية من القديم.
كما تقودك منصات عازفي العود والكمان في أركان المهرجان إلى المسرح وسط الأحساء المبدعة، لترسم أنغام الطرب لون "المجليلسي" الفني القديم، والذي عرف قديماً عن تراث الأحساء، وارتباطه بالأعراس وإطلالة المناسبات السعيدة والسمرة، والتي يقودها شاعر وفنان من الأحساء لإعادة الفن القديم وأغانيه الشعبية للحفاظ عليها من الاندثار وإحيائها.
وعلق مشرف البرامج في مهرجان الأحساء المبدعة، زياد المقهوي: "فن المجيلسي يؤدى على شكل مجلس تربيعة صف مقابل صف على المسرح الخارجي للمهرجان، ويعود هذا الفن الأصيل إلى قديم الزمان الذي يكون في (البرايح) أي المكان المتسع في البلد، وأحيانا يكون في المناطق المعزولة خارج النطاق العمراني في البراري القريبة، ويقود المجيلسي شاعر من الأحساء، ويأتي المجيلسي في المعتاد بعد أداء العرضة من أجل تمديد وقت العرس وإطالة الإحساس بالفرح والبهجة، حتى تكتمل الفرحة وتطول السمرة ويطول الليل، ويكون المجيلسي أحياناً في الليالي التي لم يمر بها خلال الأسابيع أفراح".
وأكد المقهوي أن الأحساء تحتزن عبر تاريخها العريق كنزا من الفنون الشعبية التي مزجت العديد من الألوان نتيجة لموقعها الاستراتيجي المهم الرابط بدول الخليج العربي، وكونها مسرحاً للكثير من رواد الفن الخليجي، وتمتلئ الأحساء بالعديد من ألوان الفنون الشعبية التي تتنوع وتختلف باختلاف وتنوع بيئتها من البحر إلى النخيل إلى الصحراء وكذلك البادية، ما أفرز كماً هائلاً من التراث الشعبي الذي أوجدته الظروف عبر الزمن.


وأشار إلى أن "مهرجان الأحساء جاء لتحقيق المحافظة على موروث الفنون الشعبية، واسترجاع القديم منها عبر إحيائها وتعريف المجتمع بها، لاسيما أن الأحساء لديها عضوية في شبكة المدن المبدعة في اليونسكو عبر مجال الحرف اليدوية والفنون الشعبية"، كما يعتبر المهرجان جزءا من تحقيق أهداف موسم الشرقية الرامي إلى إبراز الهوية الوطنية، والتعريف بالتراث والحضارة العريقة للمنطقة ونقلها إلى الأجيال القادمة".