قصة قصيرة
مقاومة
حينما كنتُ طفلا كان والدي يعاقبني بأخذ وضع القرفصاء لساعة من الزمن، فساعة قيلولته لا يمكن أن أبددها و أكمل يومي بسلام.
كبرت و كره هذا الوضع يشعرني بالغثيان، كنت أتصنع الإعاقة في حصص الرياضة في مرحلة المتوسطة، حينما نصل إلى إليه من ضمن حركات رياضية عديدة.
أُجبرت عليه في اليوم الأول لدخولي الخدمة العسكرية، كان وضعا مهينا أكثر من ذي قبل، محاولة لعدم المعاودة للشجار مع أفراد دفعتي، لكن هيهات أن يؤثر في الشباب و اندفاعه و تهوره رادع، الكرامة لا تباع بخوف من عقوبة، و فرض الذات لا تقيّضها إجبارك على ممارسة حركات لها محل نفور أزلي في نفسك.!
أو هكذا كان قوي الساعد و متقد الفكر يفكر و يعتقد.
أحكام العمر تجعل من الحركة تمرّ هي الأخرى بمراحل متطورة، تتطور هيمنتها و تتراجع قدرتنا على سهولة تطبيقها أو الانقياد لها.
لم يعد للقرفصاء مكان في حياتي، لم يعد هناك من يعاقبني، لم يعد هناك من يخيفني، صرت السيد الذي يسنّ القوانين، و صار لدي معيّة يمكن لي أن أطوّر لهم عقوبة القرفصاء و جعلها توافق الحداثة، تعطي إثارة تفوق إثارتها لأزمان غابرة.
النيازك الساقطة من السّماء التي تنذر بأفول الشباب غير قادرة على سلبه إلّا شكلا، الريح الصفراء القادمة من صحراء من كوكب متصحّر قاس، غير قادرة على اقتلاع الأمل، أو تركه مسجى على سرير اليأس، هناك دائما ثائر متمرد خفي يقود الانقلابات دون الانقياد إلى مواثيق أقرها يوما بمواصلة كل شيء بالقوانين الوضعية و السلمية.!
جذع الرجل القوي و ظهره الذي يستطيع أن يمتطيه طفله و هو يصلي، دون أن يقع منه، هو حتما ذلك الذي حمل أعباء الحياة دون أن يقع تحت عجلاتها لتدهسه بلا رحمة، ظهره الذي سيبقى يعاند كل انحناءة ليكون جميلا في عين أنثاه، ظهره الذي لا يبالي أن طُلب منه مقاومة القرفصاء في حالة التحدّي، ظهره الذي اختبأ بداخله حلم لا يتحقق بسهولة، و أخرج عوضا عنه أقدارا روتينية رتيبة، تصلح أن تكون حياة تقليدية، تنظر بحسرة إلى ذاك الكنز المخبوء في طيات الظهر، لا تدري متى يصرخ أول طفل كوني منه.
ظهره الذي يأبى أن يسقط مع أوراق خريفه، فينقلب من يستند إليه، و تتخلخل ثقة و طمأنينة يحملها مجنون ما.
نهضت بشموخ حرّكت نفسي، أشغلت ذهني بذكرى قريبة جدا جدا، ليست يوما و ليست ألف عام، لحظة زمنية بتوقيت مختلف.
طويته، أوقفته، أحسست بآثار الزمن، تذكّرت التمرين الذي كرهته طوال عمري، جلست أروّض نفسي و أقوّي ظهري لما بعد موتي، مسندا قويا لمن يحب أن يستظل بذكراه.
جلست القرفصاء لساعة كاملة، كانت غير تلك الساعات السابقة المزعجة...!
عماد نوير