القصة الكاملة لجريمة ذبح
الإسلام من الوريد إلى الوريد

*
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ :
لَمَّا أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَصَنَعَ النَّاسُ مَا صَنَعُوا ، جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَخَاصَمُوا الْأَنْصَارَ فَخَصَمُوهُمْ بِحُجَّةِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، قُرَيْشٌ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْكُمْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ قُرَيْشٍ وَالْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنْكُمْ ، لِأَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهِمْ فِي كِتَابِهِ وَفَضَّلَهُمْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ‏ .
فَأَتَيْتُ عَلِيّاً وَهُوَ يُغَسِّلُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَوْصَى عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنْ لَا يَلِيَ غُسْلَهُ غَيْرُهُ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مَنْ يُعِينُنِي عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : جَبْرَئِيلُ . فَكَانَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَا يُرِيدُ عُضْواً إِلَّا قُلِّبَ لَهُ . فَلَمَّا غَسَّلَهُ وَحَنَّطَهُ وَكَفَّنَهُ أَدْخَلَنِي وَأَدْخَلَ أَبَا ذَرٍّ وَالْمِقْدَادَ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) فَتَقَدَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ . وَعَائِشَةُ فِي الْحُجْرَةِ لَا تَعْلَمُ قَدْ أَخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَشَرَةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَعَشَرَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَكَانُوا يَدْخُلُونَ وَيَدْعُونَ وَيَخْرُجُونَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ شَهِدَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ .
فَأَخْبَرْتُ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِمَا صَنَعَ الْقَوْمُ وَقُلْتُ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ السَّاعَةَ لَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مَا يَرْضَوْنَ أَنْ يُبَايِعُوا لَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ ! وَإِنَّهُمْ لَيُبَايِعُونَهُ بِيَدَيْهِ جَمِيعاً بِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ .
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا سَلْمَانُ ، وَهَلْ تَدْرِي مَنْ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ؟
قُلْتُ لَا إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُهُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ حِينَ خَصَمَتِ الْأَنْصَارَ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ثُمَّ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ .
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ هَؤُلَاءِ ! وَلَكِنْ تَدْرِي مَنْ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ حِينَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ؟
قُلْتُ لَا وَلَكِنْ رَأَيْتُ شَيْخاً كَبِيراً يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَاهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ شَدِيدُ التَّشْمِيرِ ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ وَخَرَّ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى رَأَيْتُكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ ، ابْسُطْ يَدَكَ﴾ . فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ ثُمَّ قَالَ : ﴿يَوْمٌ كَيَوْمِ آدَمَ﴾ ، ثُمَّ نَزَلَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ .
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : يَا سَلْمَانُ ، أَ تَدْرِي مَنْ هُوَ ؟
قُلْتُ لَا وَلَقَدْ سَاءَتْنِي مَقَالَتُهُ كَأَنَّهُ شَامِتٌ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
قَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ ذَلِكَ إِبْلِيسُ (لَعْنَهُ اللَّهُ) ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَنَّ إِبْلِيسَ (لَعْنَهُ اللَّهُ) وَرُؤَسَاءَ أَصْحَابِهِ شَهِدُوا نَصْبَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِيَّايَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِأَنِّي أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَأَقْبَلَ إِلَى إِبْلِيسَ أَبَالِسَتُهُ وَمَرَدَةُ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا : ﴿إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ مَعْصُومَةٌ ، فَمَا لَكَ وَلَا لَنَا عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ ، وَقَدْ أُعْلِمُوا مَفْزَعَهُمْ وَإِمَامَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ﴾ . فَانْطَلَقَ إِبْلِيسُ كَئِيباً حَزِيناً .
وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَنْ لَوْ قُبِضَ أَنَّ النَّاسَ سَيُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ بَعْدَ تَخَاصُمِهِمْ بِحَقِّنَا وَحُجَّتِنَا ثُمَّ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ عَلَى مِنْبَرِي إِبْلِيسَ (لَعْنَهُ اللَّهُ) فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ مُشَمِّرٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَجْمَعُ شَيَاطِينَهُ وَأَبَالِسَتَهُ فَيَخِرُّونَ سُجَّداً وَيَقُولُونَ يَا سَيِّدَهُمْ وَيَا كَبِيرَهُمْ أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ ! فَيَقُولُ أَيُّ أُمَّةٍ لَمْ تَضِلَّ بَعْدَ نَبِيِّهَا ؟ كَلَّا زَعَمْتُمْ أَنْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ فَكَيْفَ رَأَيْتُمُونِي صَنَعْتُ بِهِمْ حِينَ تَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ؟! وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى‏ : ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾‏ .
فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّيْلُ حَمَلَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) عَلَى حِمَارٍ وَأَخَذَ بِيَدِ ابْنَيْهِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَلَمْ يَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ ، فَذَكَّرَهُمْ حَقَّهُ وَدَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ ، فَمَا اسْتَجَابَ لَهُ مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا بُكْرَةً مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ مَعَهُمْ سِلَاحُهُمْ لِيُبَايِعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ ، فَأَصْبَحُوا فَلَمْ يُوَافِ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَرْبَعَةٌ !
فَقُلْتُ لِسَلْمَانَ (أَيْ سُلَيْمُ بْنُ قَيْس رَحِمَهُ اللَّهُ) : مَنِ الْأَرْبَعَةُ ؟
فَقَالَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : أَنَا وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ثُمَّ أَتَاهُمْ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ فَنَاشَدَهُمْ فَقَالُوا نُصْبِحُكَ بُكْرَةً ، فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أَتَاهُ غَيْرُنَا . ثُمَّ أَتَاهُمُ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ فَمَا أَتَاهُ غَيْرُنَا ! فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) غَدْرَهُمْ وَقِلَّةَ وَفَائِهِمْ لَهُ لَزِمَ بَيْتَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى الْقُرْآنِ يُؤَلِّفُهُ وَيَجْمَعُهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى جَمَعَهُ ، وَكَانَ فِي الصُّحُفِ وَالشِّظَاظِ وَالْأَكْتَافِ وَالرِّقَاعِ فَلَمَّا جَمَعَهُ كُلَّهُ وَكَتَبَهُ بِيَدِهِ تَنْزِيلَهُ وَتَأْوِيلَهُ وَالنَّاسِخَ مِنْهُ وَالْمَنْسُوخَ بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ اخْرُجْ فَبَايِعْ ! فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَنِّي مَشْغُولٌ وَقَدْ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي يَمِيناً أَنْ لَا أَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلَّا لِلصَّلَاةِ حَتَّى أُؤَلِّفَ الْقُرْآنَ وَأَجْمَعَهُ‏ . فَسَكَتُوا عَنْهُ أَيَّاماً فَجَمَعَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَخَتَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَنَادَى عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِأَعْلَا صَوْتِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَنِّي لَمْ أَزَلْ مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مَشْغُولًا بِغُسْلِهِ ثُمَّ بِالْقُرْآنِ حَتَّى جَمَعْتُهُ كُلَّهُ فِي هَذَا الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ آيَةً مِنْهُ إِلَّا وَقَدْ جَمَعْتُهَا ، وَلَيْسَتْ مِنْهُ آيَةٌ إِلَّا وَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا .
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لِئَلَّا تَقُولُوا غَداً إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ‏ .
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنِّي لَمْ أَدْعُكُمْ إِلَى نُصْرَتِي وَلَمْ أُذَكِّرْكُمْ حَقِّي وَلَمْ أَدْعُكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ .
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَا أَغْنَانَا بِمَا مَعَنَا مِنَ الْقُرْآنِ عَمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ .
ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَيْتَهُ وَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ أَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ فَلْيُبَايِعْ ! فَإِنَّا لَسْنَا فِي شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُبَايِعَ وَلَوْ قَدْ بَايَعَ أَمِنَّاهُ .
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَجِبْ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) !
فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا أَسْرَعَ مَا كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِنَّهُ لَيَعْلَمُ وَيَعْلَمُ الَّذِينَ حَوْلَهُ ، أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يَسْتَخْلِفَا غَيْرِي .!
قَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ . فَقَالَ اذْهَبْ فَقُلْ لَهُ أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبَا بَكْرٍ !
فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا وَاللَّهِ طَالَ الْعَهْدُ فَيَنْسَى ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِي وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ سَابِعُ سَبْعَةٍ فَسَلَّمُوا عَلَيَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ‏ ، فَاسْتَفْهَمَ هُوَ وَصَاحِبُهُ مِنْ بَيْنِ السَّبْعَةِ فَقَالا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : نَعَمْ حَقّاً مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ‏ ، يُقْعِدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهُ الْجَنَّةَ وَأَعْدَاءَهُ النَّارَ .
فَانْطَلَقَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ فَسَكَتُوا عَنْهُ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ قَالَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ حَمَلَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَاطِمَةَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى حِمَارٍ وَأَخَذَ بِيَدِ ابْنَيْهِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) ، فَلَمْ يَدَعْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِلَّا أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَنَاشَدَهُمُ اللَّهَ حَقَّهُ وَدَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ فَمَا اسْتَجَابَ مِنْهُمْ رَجُلٌ غَيْرُنَا أَرْبَعَةٌ ، فَإِنَّا حَلَّقْنَا رُءُوسَنَا وَبَذَلْنَا لَهُ نُصْرَتَنَا وَكَانَ الزُّبَيْرُ أَشَدَّنَا بَصِيرَةً فِي نُصْرَتِهِ ، فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) خِذْلَانَ النَّاسِ إِيَّاهُ وَتَرْكَهُمْ نُصْرَتَهُ وَاجْتِمَاعَ كَلِمَتِهِمْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَتَعْظِيمَهُمْ إِيَّاهُ لَزِمَ بَيْتَهُ . فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ : مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِ فَيُبَايِعَ ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ بَايَعَ غَيْرَهُ وَغَيْرَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ .
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَرَقَّ الرَّجُلَيْنِ وَأَرْفَقَهُمَا وَأَدْهَاهُمَا وَأَبْعَدَهُمَا غَوْراً وَالْآخَرُ أَفَظَّهُمَا وَأَغْلَظَهُمَا وَأَجْفَاهُمَا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : مَنْ نُرْسِلُ إِلَيْهِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : نُرْسِلُ إِلَيْهِ قُنْفُذاً ، فَهُوَ رَجُلٌ فَظٌّ غَلِيظٌ جَافٍ مِنَ الطُّلَقَاءِ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ .
فَأَرْسَلَهُ وَأَرْسَلَ مَعَهُ أَعْوَاناً وَانْطَلَقَ ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فَرَجَعَ أَصْحَابُ قُنْفُذٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمَا جَالِسَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُمَا فَقَالُوا لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا ! فَقَالَ عُمَرُ اذْهَبُوا فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ وَإِلَّا فَادْخُلُوا بِغَيْرِ إِذْنٍ ...
فَانْطَلَقُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَقَالَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) : أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى بَيْتِي بِغَيْرِ إِذْنٍ !
فَرَجَعُوا وَثَبَتَ قُنْفُذٌ الْمَلْعُونُ فَقَالُوا : إِنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا فَتَحَرَّجْنَا أَنْ نَدْخُلَ بَيْتَهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ ، فَغَضِبَ عُمَرُ وَقَالَ : مَا لَنَا وَلِلنِّسَاءِ . ثُمَّ أَمَرَ أُنَاساً حَوْلَهُ بِتَحْصِيلِ الْحَطَبِ‏ وَحَمَلُوا الْحَطَبَ وَحَمَلَ مَعَهُمْ عُمَرُ فَجَعَلُوهُ حَوْلَ مَنْزِلِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . وَفِيهِ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) .
ثُمَّ نَادَى عُمَرُ حَتَّى أَسْمَعَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ : وَاللَّهِ لَتَخْرُجَنَّ يَا عَلِيُّ وَلَتُبَايِعَنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَإِلَّا أَضْرَمْتُ عَلَيْكَ النَّارَ .
فَقَامَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) فَقَالَتْ : يَا عُمَرُ ، مَا لَنَا وَلَكَ ؟! فَقَالَ افْتَحِي الْبَابَ وَإِلَّا أَحْرَقْنَا عَلَيْكُمْ بَيْتَكُمْ .
فَقَالَتْ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) : يَا عُمَرُ ، أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ تَدْخُلُ عَلَى بَيْتِي ؟؟؟
فَأَبَى أَنْ يَنْصَرِفَ وَدَعَا عُمَرُ بِالنَّارِ فَأَضْرَمَهَا فِي الْبَابِ ثُمَّ دَفَعَهُ فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) وَصَاحَتْ : يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُولَ اللَّهِ !!
فَرَفَعَ عُمَرُ السَّيْفَ وَهُوَ فِي غِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا فَصَرَخَتْ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) : يَا أَبَتَاهْ !!
فَرَفَعَ السَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا فَنَادَتْ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ !! لَبِئْسَ مَا خَلَفَكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ..!
فَوَثَبَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَأَخَذَ بِتَلَابِيهِ فَصَرَعَهُ وَوَجَأَ أَنْفَهُ وَرَقَبَتَهُ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ . فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَ مَا أَوْصَاهُ بِهِ فَقَالَ :
وَالَّذِي كَرَّمَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِالنُّبُوَّةِ يَا ابْنَ صُهَاكَ‏ ، لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ‏ وَعَهْدٌ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لَا تَدْخُلُ بَيْتِي .!
فَأَرْسَلَ عُمَرُ يَسْتَغِيثُ فَأَقْبَلَ النَّاسُ حَتَّى دَخَلُوا الدَّارَ وَثَارَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى سَيْفِهِ فَرَجَعَ قُنْفُذٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَخْرُجَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِسَيْفِهِ لِمَا قَدْ عَرَفَ مِنْ بَأْسِهِ وَشِدَّتِهِ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِقُنْفُذٍ : ارْجِعْ ! فَإِنْ خَرَجَ فَاقْتَحِمْ عَلَيْهِ بَيْتَهُ ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَأَضْرِمْ عَلَيْهِمْ بَيْتَهُمُ النَّارَ .
فَانْطَلَقَ قُنْفُذٌ الْمَلْعُونُ فَاقْتَحَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ‏ وَثَارَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى سَيْفِهِ فَسَبَقُوهُ إِلَيْهِ وَكَاثَرُوهُ فَتَنَاوَلَ بَعْضَ سُيُوفِهِمْ فَكَاثَرُوهُ فَأَلْقَوْا فِي عُنُقِهِ حَبْلًا وَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ .
فَضَرَبَهَا قُنْفُذٌ الْمَلْعُونُ بِالسَّوْطِ فَمَاتَتْ حِينَ مَاتَتْ وَإِنَّ فِي عَضُدِهَا مِثْلَ الدُّمْلُجِ مِنْ ضَرْبَتِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ .
ثُمَّ انْطَلَقُوا بِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يُتَلُ‏ حَتَّى انْتُهِيَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ قَائِمٌ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ وَسَائِرُ النَّاسِ حَوْلَ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ ...
قُلْتُ (أَيْ سُلَيْمُ بْنُ قَيْس رَحِمَهُ اللَّهُ) لِسَلْمَانَ : أَدَخَلُوا عَلَى فَاطِمَةَ بِغَيْرِ إِذْنٍ ؟!
قَالَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : إِي وَاللَّهِ وَمَا عَلَيْهَا خِمَارٌ ! فَنَادَتْ يَا أَبَتَاهْ يَا رَسُولَ اللَّهِ !! فَلَبِئْسَ مَا خَلَفَكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَيْنَاكَ لَمْ تَتَفَقَّأْ فِي قَبْرِكَ .!
تُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَمَنْ حَوْلَهُ يَبْكُونَ مَا فِيهِمْ إِلَّا بَاكٍ غَيْرَ عُمَرَ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَعُمَرُ يَقُولُ :
إِنَّا لَسْنَا مِنَ النِّسَاءِ وَرَأْيِهِنَّ فِي شَيْ‏ءٍ .
فَانْتَهَوْا بِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ : أَمَا وَاللَّهِ لَوْ وَقَعَ سَيْفِي فِي يَدِي لَعَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ لَمْ تَصِلُوا إِلَى هَذَا أَبَداً ... أَمَا وَاللَّهِ مَا أَلُومُ نَفْسِي فِي جِهَادِكُمْ وَلَوْ كُنْتُ أَسْتَمْسِكُ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا لَفَرَّقْتُ جَمَاعَتَكُمْ ... وَلَكِنْ لَعَنَ اللَّهُ أَقْوَاماً بَايَعُونِي ثُمَّ خَذَلُونِي .
وَلَمَّا أَنْ بَصُرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ صَاحَ خَلُّوا سَبِيلَهُ . فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَا أَبَا بَكْرٍ : مَا أَسْرَعَ مَا تَوَثَّبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِأَيِّ حَقٍّ وَبِأَيِّ مَنْزِلَةٍ دَعَوْتَ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِكَ ؟! أَلَمْ تُبَايِعْنِي بِالْأَمْسِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ؟! وَقَدْ كَانَ قُنْفُذٌ لَعَنَهُ اللَّهُ ضَرَبَ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) بِالسَّوْطِ حِينَ حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجِهَا ! وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ إِنْ حَالَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَاطِمَةُ فَاضْرِبْهَا ، فَأَلْجَأَهَا قُنْفُذٌ إِلَى عِضَادَةِ بَيْتِهَا وَدَفَعَهَا فَكَسَرَ ضِلْعاً مِنْ جَنْبِهَا فَأَلْقَتْ جَنِيناً مِنْ بَطْنِهَا .!
فَلَمْ تَزَلْ صَاحِبَةَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَتْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ شَهِيدَةً .
وَلَمَّا انْتُهِيَ بِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى أَبِي بَكْرٍ انْتَهَرَهُ عُمَرُ وَقَالَ لَهُ : بَايِعْ وَدَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْأَبَاطِيلَ . فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ فَمَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ ؟ قَالُوا نَقْتُلُكَ ذُلًّا وَصَغَاراً .
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِذاً تَقْتُلُونَ عَبْدَ اللَّهِ وَأَخَا رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَنَعَمْ وَأَمَّا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَمَا نُقِرُّ لَكَ بِهَذَا .
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَتَجْحَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) آخَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ ؟!
قَالَ نَعَمْ فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَسَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ كَذَا وَكَذَا ؟ وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَلَمْ يَدَعْ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) شَيْئاً قَالَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَلَانِيَةً لِلْعَامَّةِ إِلَّا ذَكَّرَهُمْ إِيَّاهُ . فَقَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ .
فَلَمَّا تَخَوَّفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَنْصُرَهُ النَّاسُ وَأَنْ يَمْنَعُوهُ بَادَرَهُمْ فَقَالَ : كُلُّ مَا قُلْتَ حَقٌّ قَدْ سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا وَوَعَتْهُ قُلُوبُنَا وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ بَعْدَ هَذَا إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اصْطَفَانَا اللَّهُ وَأَكْرَمَنَا وَاخْتَارَ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : هَلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) شَهِدَ هَذَا مَعَكَ ؟
فَقَالَ عُمَرُ : صَدَقَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْهُ كَمَا قَالَ‏ .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَقَدْ وَفَيْتُمْ بِصَحِيفَتِكُمْ الْمَلْعُونَةِ الَّتِي قَدْ تَعَاقَدْتُمْ عَلَيْهَا فِي الْكَعْبَةِ ، إِنْ قَتَلَ اللَّهُ مُحَمَّداً أَوْ مَاتَ لَتَزْوُنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ !
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ ؟ مَا أَطْلَعْنَاكَ عَلَيْهَا ؟!
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَنْتَ يَا زُبَيْرُ وَأَنْتَ يَا سَلْمَانُ وَأَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ وَأَنْتَ يَا مِقْدَادُ أَسْأَلُكُمْ بِاللَّهِ وَبِالْإِسْلَامِ ، أَمَا سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ إِنَّ فُلَاناً وَفُلَاناً حَتَّى عَدَّ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةَ قَدْ كَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَاباً وَتَعَاهَدُوا فِيهِ وَتَعَاقَدُوا عَلَى مَا صَنَعُوا ؟ فَقَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ ، إِنَّهُمْ قَدْ تَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى مَا صَنَعُوا وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَاباً إِنْ قُتِلْتُ أَوْ مِتُّ أَنْ يَزْوُوا عَنْكَ هَذَا يَا عَلِيُّ . فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا تَأْمُرُنِي إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْ أَفْعَلَ ؟
فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : لَكَ إِنْ وَجَدْتَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ وَنَابِذْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَبَايِعْهُمْ وَاحْقُنْ دَمَكَ .
فَقَالَ‏ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِينَ رَجُلًا الَّذِينَ بَايَعُونِي وَفَوْا لِي لَجَاهَدْتُكُمْ فِي اللَّهِ ، وَلَكِنْ أَمَا وَاللَّهِ لَا يَنَالُهَا أَحَدٌ مِنْ عَقِبِكُمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِيمَا يُكَذِّبُ قَوْلَكُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى‏ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾ . فَالْكِتَابُ النُّبُوَّةُ وَالْحِكْمَةُ السُّنَّةُ وَالْمُلْكُ الْخِلَافَةُ وَنَحْنُ آلُ إِبْرَاهِيمَ .
فَقَامَ الْمِقْدَادُ فَقَالَ يَا عَلِيُّ بِمَا تَأْمُرُ وَاللَّهِ إِنْ أَمَرْتَنِي لَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي وَإِنْ أَمَرْتَنِي كَفَفْتُ .
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : كُفَّ يَا مِقْدَادُ وَاذْكُرْ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَمَا أَوْصَاكَ بِهِ .
ثُمَّ قُمْتُ وَقُلْتُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَدْفَعُ ضَيْماً وَأُعِزُّ لِلَّهِ دِيناً لَوَضَعْتُ سَيْفِي عَلَى عُنُقِي ثُمَّ ضَرَبْتُ بِهِ قُدُماً . أَتَثِبُونَ عَلَى أَخِي رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَوَصِيِّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي أُمَّتِهِ وَأَبِي وُلْدِهِ ؟؟؟ فَأَبْشِرُوا بِالْبَلَاءِ وَاقْنَطُوا مِنَ الرَّخَاءِ .
وَقَامَ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ : أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْمُتَحَيِّرَةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا الْمَخْذُولَةُ بِعِصْيَانِهَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ‏ : ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏﴾ . وَآلُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ) الْأَخْلَافُ مِنْ نُوحٍ ، وَآلُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ، وَالصَّفْوَةُ وَالسُّلَالَةُ مِنْ إِسْمَاعِيلَ وَعِتْرَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعُ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ ، وَهُمْ كَالسَّمَاءِ الْمَرْفُوعَةِ وَالْجِبَالِ الْمَنْصُوبَةِ وَالْكَعْبَةِ الْمَسْتُورَةِ وَالْعَيْنِ الصَّافِيَةِ وَالنُّجُومِ الْهَادِيَةِ وَالشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ ، أَضَاءَ نُورُهَا وَبُورِكَ زَيْتُهَا .. مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَسَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ ، وَعَلِيٌّ وَصِيُّ الْأَوْصِيَاءِ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَهُوَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَالْفَارُوقُ الْأَعْظَمُ وَوَصِيُّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَوَارِثُ عِلْمِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏ : ﴿النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ‏ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ‏﴾ . فَقَدِّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ وَأَخِّرُوا مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ وَاجْعَلُوا الْوِلَايَةَ وَالْوِزَارَةَ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ .
فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ جَالِسٌ فَوْقَ الْمِنْبَرِ : مَا يُجْلِسُكَ فَوْقَ الْمِنْبَرِ وَهَذَا جَالِسٌ مُحَارِبٌ لَا يَقُومُ فَيُبَايِعَكَ ؟ أَوَتَأْمُرُ بِهِ فَنَضْرِبَ عُنُقَهُ ؟ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) قَائِمَانِ فَلَمَّا سَمِعَا مَقَالَةَ عُمَرَ بَكَيَا فَضَمَّهُمَا إِلَى صَدْرِهِ فَقَالَ لَا تَبْكِيَا فَوَ اللَّهِ مَا يَقْدِرَانِ عَلَى قَتْلِ أَبِيكُمَا وَأَقْبَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَتْ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا أَسْرَعَ مَا أَبْدَيْتُمْ حَسَدَكُمْ وَنِفَاقَكُمْ ؟!
فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَأُخْرِجَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَا لَنَا وَلِلنِّسَاءِ .
وَقَامَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ وَقَالَ : يَا عُمَرُ ، أَتَثِبُ عَلَى أَخِي رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي وُلْدِهِ وَأَنْتَ الَّذِي نَعْرِفُكَ فِي قُرَيْشٍ بِمَا نَعْرِفُكَ ؟! أَلَسْتُمَا اللَّذَيْنِ قَالَ لَكُمَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) انْطَلِقَا إِلَى عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَسَلِّمَا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقُلْتُمَا أَعَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجْتَمِعُ لِأَهْلِ بَيْتِي الْخِلَافَةُ وَالنُّبُوَّةُ .
فَقَالَ وَاللَّهِ مَا قَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ... وَاللَّهِ لَا سَكَنْتُ فِي بَلْدَةٍ أَنْتَ فِيهَا أَمِيرٌ .
فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَضُرِبَ وَطُرِدَ ثُمَّ قَالَ : قُمْ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ فَبَايِعْ !
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ؟
قَالَ إِذاً وَاللَّهِ نَضْرِبَ عُنُقَكَ ! فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتَحَ كَفَّهُ ، فَضَرَبَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَرَضِيَ بِذَلِكَ مِنْهُ فَنَادَى عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَبْلَ أَنْ يُبَايِعَ وَالْحَبْلُ فِي عُنُقِهِ : يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي‏ .
وَقِيلَ لِلزُّبَيْرِ بَايِعْ ! فَأَبَى فَوَثَبَ عُمَرُ وَخَالِدٌ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي أُنَاسٍ فَانْتَزَعُوا سَيْفَهُ فَضَرَبُوا بِهِ الْأَرْضَ حَتَّى كَسَرُوهُ ثُمَّ لَبَّبُوهُ .
فَقَالَ الزُّبَيْرُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَعُمَرُ (لَعْنَهُ اللَّهُ) عَلَى صَدْرِهِ : يَا ابْنَ صُهَاكَ ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ سَيْفِي فِي يَدِي لَحِدْتَ عَنِّي ، فَبَايَعَ .
قَالَ سَلْمَانُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : ثُمَّ أَخَذُونِي فَوَجَئُوا عُنُقِي حَتَّى تَرَكُوهَا كَالسِّلْعَةِ ، ثُمَّ أَخَذُوا يَدِي وَفَتَلُوهَا فَبَايَعْتُ مُكْرَهاً .
ثُمَّ بَايَعَ أَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ مُكْرَهَيْنِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) .
وَمَا بَايَعَ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ مُكْرَهاً غَيْرُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَرْبَعَتِنَا ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَّا أَحَدٌ أَشَدَّ قَوْلًا مِنَ الزُّبَيْرِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَايَعَ قَالَ يَا ابْنَ صُهَاكَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ لَا هَؤُلَاءِ الطُّغَاةُ الَّذِينَ أَعَانُوكَ لَمَا كُنْتَ تُقْدِمُ عَلَيَّ وَمَعِي سَيْفِي لِمَا أَعْرِفُ مِنْ جُبْنِكَ وَلُؤْمِكَ ، وَلَكِنْ وَجَدْتَ طُغَاةً تَقْوَى بِهِمْ وَتَصُولُ .
فَغَضِبَ عُمَرُ وَقَالَ : أَتَذْكُرُ صُهَاكَ ؟ فَقَالَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَمَنْ صُهَاكُ وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذِكْرِهَا ! وَقَدْ كَانَتْ صُهَاكُ زَانِيَةً أَوَتُنْكِرُ ذَلِكَ ؟! أَوَلَيْسَ قَدْ كَانَتْ أَمَةً حَبَشِيَّةً لِجَدِّي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَزَنَى بِهَا جَدُّكَ نُفَيْلٌ فَوَلَدَتْ أَبَاكَ الْخَطَّابَ فَوَهَبَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لَهُ بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا فَوَلَدَتْهُ وَإِنَّهُ لَعَبْدُ جَدِّي وَلَدُ زِنًا ؟!
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَكَفَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ .
قَالَ سُلَيْمٌ (رَحِمَهُ اللَّهُ) فَقُلْتُ لِسَلْمَانَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : فَبَايَعْتَ أَبَا بَكْرٍ يَا سَلْمَانُ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئاً ؟!
قَالَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : قَدْ قُلْتُ بَعْدَ مَا بَايَعْتُ : تَبّاً لَكُمْ سَائِرَ الدَّهْرِ أَوَتَدْرُونَ مَا صَنَعْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَصَبْتُمْ وَأَخْطَأْتُمْ ؟! أَصَبْتُمْ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ وَأَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى أَخْرَجْتُمُوهَا مِنْ مَعْدِنِهَا وَأَهْلِهَا .
فَقَالَ عُمَرُ : يَا سَلْمَانُ ، أَمَّا إِذْ بَايَعَ صَاحِبُكَ وَبَايَعْتَ فَقُلْ مَا شِئْتَ وَافْعَلْ مَا بَدَا لَكَ ، وَلْيَقُلْ صَاحِبُكَ مَا بَدَا لَهُ .
قَالَ سَلْمَانُ : فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ إِنَّ عَلَيْكَ وَعَلَى صَاحِبِكَ الَّذِي بَايَعْتَهُ مِثْلَ ذُنُوبِ أُمَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمِثْلَ عَذَابِهِمْ جَمِيعاً . فَقَالَ قُلْ مَا شِئْتَ أَلَيْسَ قَدْ بَايَعْتَ وَلَمْ يُقِرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ بِأَنْ يَلِيَهَا صَاحِبُكَ ؟
فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنِّي قَدْ قَرَأْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنْزَلَةِ أَنَّهُ بِاسْمِكَ وَنَسَبِكَ وَصِفَتِكَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ .
فَقَالَ لِي قُلْ مَا شِئْتَ ، أَلَيْسَ قَدْ أَزَالَهَا اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟ فَقُلْتُ لَهُ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ وَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ﴾ . فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ‏ أَنْتَ هُوَ .
فَقَالَ لِي عُمَرُ : اسْكُتْ أَسْكَتَ اللَّهُ نَأمَتَكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ ابْنَ اللَّخْنَاءِ .
فَقَالَ لِي عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ لَمَّا سَكَتَّ ، فَقَالَ سَلْمَانُ وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَأْمُرْنِي عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالسُّكُوتِ لَخَبَّرْتُهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ نَزَلَ فِيهِ وَكُلِّ شَيْ‏ءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فِيهِ وَفِي صَاحِبِهِ . فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَدْ سَكَتُّ قَالَ إِنَّكَ لَهُ لَمُطِيعٌ مُسَلِّمٌ .
فَلَمَّا أَنْ بَايَعَ أَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَلَمْ يَقُولَا شَيْئاً قَالَ عُمَرُ : يَا سَلْمَانُ ، أَلَا تَكُفُّ كَمَا كَفَّ صَاحِبَاكَ ؟ وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِأَشَدَّ حُبّاً لِأَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ مِنْهُمَا وَلَا أَشَدَّ تَعْظِيماً لِحَقِّهِمْ مِنْهُمَا وَقَدْ كَفَّا كَمَا تَرَى وَبَايَعَا .
قَالَ أَبُو ذَرٍّ : أَفَتُعَيِّرُنَا يَا عُمَرُ بِحُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَتَعْظِيمِهِمْ ؟! لَعَنَ اللَّهُ وَقَدْ فَعَلَ مَنْ أَبْغَضَهُمْ وَافْتَرَى عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ حَقَّهُمْ وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى رِقَابِهِمْ وَرَدَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْقَهْقَرَى عَلَى أَدْبَارِهَا .
فَقَالَ عُمَرُ : آمِينَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ظَلَمَهُمْ حُقُوقَهُمْ لَا وَاللَّهِ مَا لَهُمْ فِيهَا حَقٌّ وَمَا هُمْ فِيهَا وَعُرْضُ النَّاسِ إِلَّا سَوَاءً .
قَالَ أَبُو ذَرٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : فَلِمَ خَاصَمْتُمُ الْأَنْصَارَ بِحَقِّهِمْ وَحُجَّتِهِمْ ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِعُمَرَ : يَا ابْنُ صُهَاكَ فَلَيْسَ لَنَا فِيهَا حَقٌّ وَهِيَ لَكَ وَلِابْنِ آكِلَةِ الذِّبَّانِ . قَالَ عُمَرُ كُفَّ الْآنَ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِذْ بَايَعْتَ فَإِنَّ الْعَامَّةَ رَضُوا بِصَاحِبِي وَلَمْ يَرْضَوْا بِكَ فَمَا ذَنْبِي .
قَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَلَكِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يَرْضَيَا إِلَّا بِي فَأَبْشِرْ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا وَوَازَرَكُمَا بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَعَذَابِهِ وَخِزْيِهِ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَوْ تَدْرِي مِمَّا خَرَجْتَ وَفِيمَا دَخَلْتَ وَمَا ذَا جَنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى صَاحِبِكَ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا عُمَرُ ، أَمَّا إِذْ قَدْ بَايَعَنَا وَأَمِنَّا شَرَّهُ وَفَتْكَهُ وَغَائِلَتَهُ فَدَعْهُ يَقُولُ مَا شَاءَ .
فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَسْتُ بِقَائِلٍ غَيْرَ شَيْ‏ءٍ وَاحِدٍ . أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ أَيُّهَا الْأَرْبَعَةُ قَالَ لِسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالزُّبَيْرِ وَالْمِقْدَادِ : أَسَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ إِنَّ فِي النَّارِ لَتَابُوتاً مِنْ نَارٍ أَرَى فِيهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةً مِنَ الْأَوَّلِينَ وَسِتَّةً مِنَ الْآخِرِينَ فِي جُبٍّ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ فِي تَابُوتٍ مُقَفَّلٍ عَلَى ذَلِكَ الْجُبِّ صَخْرَةٌ ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُسَعِّرَ جَهَنَّمَ كَشَفَ تِلْكَ الصَّخْرَةَ عَنْ ذَلِكَ الْجُبِّ فَاسْتَعَرَتْ جَهَنَّمُ مِنْ وَهْجِ ذَلِكَ الْجُبِّ وَمِنْ حَرِّهِ .
قَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَنْهُمْ وَأَنْتُمْ شُهُودٌ فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) :
أَمَّا الْأَوَّلُونَ فَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ وَفِرْعَوْنُ الْفَرَاعِنَةِ وَالَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ‏ وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَدَّلَا كِتَابَهُمْ وَغَيَّرَا سُنَّتَهُمْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَهَوَّدَ الْيَهُودَ وَالْآخَرُ نَصَّرَ النَّصَارَى وَإِبْلِيسُ سَادِسُهُمْ وَالدَّجَّالُ فِي الْآخِرِينَ ، وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ أَصْحَابُ الصَّحِيفَةِ الَّذِينَ تَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى عَدَاوَتِكَ يَا أَخِي وَتَظَاهَرُوا عَلَيْكَ بَعْدِي هَذَا وَهَذَا حَتَّى سَمَّاهُمْ وَعَدَّهُمْ لَنَا .
قَالَ سَلْمَانُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : فَقُلْنَا صَدَقْتَ نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) .
فَقَالَ عُثْمَانُ : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، أَمَا عِنْدَ أَصْحَابِكَ هَؤُلَاءِ حَدِيثٌ فِيَّ ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَلَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَلْعَنُكَ ثُمَّ لَمْ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لَكَ بَعْدَ مَا لَعَنَكَ‏ . فَغَضِبَ عُثْمَانُ‏ ثُمَّ قَالَ مَا لِي وَمَا لَكَ لَا تَدَعُنِي عَلَى حَالِي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَ لَا بَعْدَهُ‏ .
فَقَالَ الزُّبَيْرُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : نَعَمْ فَأَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ .
فَقَالَ عُثْمَانُ : فَوَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ إِنَّ الزُّبَيْرَ يُقْتَلُ مُرْتَدّاً عَنِ الْإِسْلَامِ .
فَقَالَ سَلْمَانُ فَقَالَ لِي عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، صَدَقَ عُثْمَانُ وَذَلِكَ أَنَّ الزُّبَيْرَ يُبَايِعُنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ فَيَنْكُثُ بَيْعَتِي فَيُقْتَلُ مُرْتَدّاً .
قَالَ سُلَيْمٌ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ سَلْمَانُ فَقَالَ :
إِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) غَيْرَ أَرْبَعَةٍ ، إِنَّ النَّاسَ صَارُوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمَنْزِلَةِ الْعِجْلِ وَمَنْ تَبِعَهُ . فَعَلِيٌّ فِي سُنَّةِ هَارُونَ . وَعَتِيقٌ فِي سُنَّةِ الْعِجْلِ وَعُمَرُ فِي سُنَّةِ السَّامِرِيِّ .
وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : لَتَجِي‏ءُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِي مِنْ أَهْلِ الْعِلْيَةِ وَالْمَكَانَةِ مِنِّي لِيَمُرُّوا عَلَى الصِّرَاطِ فَإِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرَأَوْنِي وَعَرَفْتُهُمْ وَعَرَفُونِي اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي ! فَيُقَالُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، إِنَّهُمْ‏ ارْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِهِمْ‏ حَيْثُ فَارَقْتَهُمْ .. فَأَقُولُ بُعْداً وَسُحْقاً .
وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : لَتَرْكَبَنَّ أُمَّتِي سُنَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَحَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ شِبْراً بِشِبْرٍ وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ وَبَاعاً بِبَاعٍ ، إِذِ التَّوْرَاةُ وَالْقُرْآنُ كَتَبَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ فِي رَقٍّ بِقَلَمٍ وَاحِدٍ وَجَرَتِ الْأَمْثَالُ وَالسُّنَنُ سَوَاءً .

*
كتاب سُليم بن قيس الهلالي رحمه الله