الامتحانات الاختبارات التربوية
فعل ورد فعل
قالوا وقلنا
* ـ
"يوم الامتحان يُكرم المرء أو يُهان" ، مقولة تقليدية يسمعها الطلاب منذ
بداية حياتهم الدراسية المليئة بالحشو العقلي ، والتخمة الفكرية ، والتوتر
النفسي ، والضغط العصبي ، والخوف المَرَضي ، وإرهاب الاختبارات ، أو ما كان
يُسمّى في الماضي ـ وحتى الآن في بعض الأماكن ـ (الامتحانات) .
* والامتحان ـ بالطبع ـ يعني في اللغة : "الابتلاء" الذي هو من المصائب
التي يبتلي بها الله عباده !! والإهانة التي وردت في المثل المشار إليه هي
الكلمة الوحيدة التي تعلق في أذهان كثير من الطلاب ، خاصة أن المتميزين
الذين يتوقعون أن (يُكرم المرء) يوم الامتحان ، عددهم قليل مقارنة بمن
يتوقع له ـ يوم الامتحان ـ أن يُهان !
وبناءً على ذلك يصبح الخوف والتوتر هما السائدان لدى الأغلبية من طلابنا ،
خوف وتوتر يصلان ـ أحياناً ـ إلى مرحلة المرض النفسي ، والاكتئاب الذي يصبغ
حياة الطالب في بيته ومدرسته ، مع أهله وإخوانه في البيت ، مع زملاء
الدراسة في قاعات الدرس ، ومع الأصحاب والأصدقاء والجيران ... حتى يتحول
هذا الخوف وذلك التوتر إلى كراهية ـ أحياناً ـ للناس والأشياء ، وإلى مظاهر
أخرى كالانسحاب ، والانزواء ، بل قد يتطور الأمر فيتحول هذا الطالب الخائف
المتوتر المسكين إلى شخص عدواني يفتعل المشكلات مع الآخرين !
تجده في البيت عنيفاً مع إخوانه وإخوانه الصغار ، يغضب حينما لا تُلبّى
طلباته التي يطلبها من أمه أو أبيه ، متحفزاً دائماً لكل حركة أو صوت عالٍ
يسمعه ليتخذه حجة لعدم مذاكرته .
أما في المدرسة أو الجامعة ، مع الزملاء ، بل ومع المعلمين أنفسهم فإنهم ينالهم نصيبهم من العنف والعصبية والتوتر .
ومن المهم ونحن نتحدث عن هذه الظاهرة التي تجد لها مكاناً بين الظواهر الجديرة بالدراسة .
* ـ نتطرق إلى بعض مظاهرها التي نراها في مدارسنا وجامعاتنا على حد سواء، ومنها :
1 ـ إتلاف بعض الممتلكات في
المؤسسة التعليمية كالمقاعد أو طاولات الدراسة ، أو صنابير المياه ، خصوصاً
إذا لم يوفق الطالب في حل أسئلة الاختبار .
2 ـ تمزيق الكتب الدراسية كنوع من تفريغ شحنة الغضب أو الكراهية للمادة العلمية ومعلمها .
3 ـ تحطيم زجاج سيارة أحد المعلمين المشهورين ـ حسب زعم الطالب ـ بالشدة
والتعقيد في وضع الاختبارات ، مما يثير نفوس الطلاب ، ويجعلهم يستخدمون ما
يسمى في علم النفس (بالإزاحة) ، أي تفريغ شحنة الغضب والاستياء من شخص معين
بتصرّف عنيف ، أو عدوان تجاه شخص آخر أو ممتلكات عامة أو خاصة ، أو غيرها!
بل قد يلجأ الطالب إلى الاعتداء على المعلم بالضرب أحياناً .
فإذا سلمنا بأن العنف أو العدوان ظاهرة حقيقية لدى بعض الطلاب تظهر في أعلى
درجاتها في أيام الاختبارات ؛ فلابد من أن ندرك أسبابها ودوافعها التي
تتمثل في بعض الأمور منها :
1 ـ العنف الذي تمارسه بعض المدارس والجامعات ممثلة في الإدارة أو بعض
المعلمين والأساتذة في معاملة الطلاب ذوي القدرات المحدودة .. وليس المقصود
بالعنف هنا العقاب البدني ، بل إنه قد يأخذ صوراً أخرى مثل : التوبيخ ،
والتحقير ، والإهانة ، والسخرية .. الخ .
وقد يأخذ صوراً أخرى مثل : الإهمال ، أو النبذ ، أو التفرقة في المعاملة ، أو الظلم ، وغيرها .
2 ـ ممارسة بعض المعلمين ـ وهم قلة ـ بعض التصرفات غير المنضبطة بضوابط
الشرع والعقل لتفريغ بعض العقد النفسية أو الاجتماعية أو الأسرية في
معاملته للطلاب ، فتجد أحدهم يتصف بالتذبذب في تعامله مع طلابه ؛ تراه في
يوم مبتهجاً سعيداً منشرحاً ، يتعامل مع أبنائه الطلاب بأريحية ، ويستخدم
الطرق التربوية المثلى في توصيل المعلومة ، وتراه يوماً آخر ـ وفي نفس
الفصل أو قاعة الدرس ، ومع الطلاب أنفسهم ـ عبوساً متوتراً ، يثور لأتفه
الأسباب ، متحفزاً لأي همسة أو حركة من أحد طلابه حتى يصب جامَّ غضبه
وانفعاله على الطلاب ـ أنفسهم ـ الذين كانوا بالأمس أبناءه وأحباءه
وسُمَّاره!! بل إنه في الموقف الواحد قد يثيب أحد الطلاب في يوم ، ويعاقب
طالباً آخر ـ على نفس الموقف ـ في يوم آخر!، مثله في ذلك مثل النجار الذي
كان يدق مسماراً في خشبة كان يصنعها، فبدلاً من أن يدق المسمار دق على
إصبعه ، فأخذ يسبّ ويلعن حماته ! وكان جديراً به أن يلعن المسمار إن جاز
اللعن أصلاً .. وقديماً قيل في المثل المصري : " لم يقدر على حماته ، قام
على مراته" !
3 ـ تنصيب بعض المعلمين أو أساتذة الجامعة أنفسهم قضاة ، بل عرَّافين
يرجمون بالغيب ، ويحكمون على الطالب منذ اليوم الأول من أيام الدراسة بأنه
مخفق ، وغبي ، ولا فائدة منه ؛ وبالتالي يتعامل المعلم مع الطالب من خلال
تلك النظرة ، فيحقره ، ويظلمه ، ويهينه حتى يسبب له عقدة من مادته الدراسية
، بل ربما من جميع المواد ، ومن الدراسة نفسها ؛ فيضطر الطالب ـ عن إرادة
منه أو غير إرادة ـ إلى الانتقام من معلمه هذا سواء بالكيد له ، أو تكسير
سيارته ، أو سبّه ، أو افتعال المشكلات معه ... وغيرها ، وآكد ما تظهر هذه
الأفعال في أثناء الاختبارات حين تبلغ ذروة الكراهية للمادة الدراسية
ومعلمها خلال تلك الفترة .
4 ـ والتأخر الدراسي هو أحد الأسباب التي يكون من نتائجها الإحباط النفسي ،
الذي يتحول بدوره إلى عنف وعدوان وإتلاف للممتلكات ، إذا لم يتم التعامل
معه بالطرق التربوية المعروفة ، وتتجلى أبرز مظاهر هذا العنف فيما نشاهده
من ظاهرة جديرة بالدراسة وهي تمزيق الكتب الدراسية بعد الاختبار، ربما
تعبيراً عن الفرحة بانتهاء (كابوس الاختبارات) ، ولكنه على الأرجح يكون
أشبه باحتفال (هستيري) بالتحرّر من سجن الدراسة وسجانيها من الأساتذة
والمعلمين !!
5 ـ والضغط النفسي الرهيب الذي يتعرض له أبناؤنا الطلاب من قِبَل الوالدين
داخل البيت في أثناء الاختبارات ؛ سبب هام جداً ، لا يقل في أهميته عما
ذكرناه من قبل، حيث يتحول البيت إلى معسكر أشبه بمعسكرات الجيش التي تتصف
بالشدة والصرامة ، وعدم التغاضي عن أي تقصير أو خطأ ، والجدية التي ليس
معها تهاون ، فيظل ذلك الضغط النفسي ـ إضافة إلى معاناة المذاكرة والتحصيل ،
مروراً بالخوف والرهبة من الإخفاق في أداء الاختبارات ـ يظل ذلك كله يفعل
فعله في نفس الطالب حتى يتجلى في تصرفات عدوانية تتسم بعدم الاتزان النفسي ،
والتوتر العصبي ، بل قد يظهر في صورة مرض من الأمراض العضوية نفسية المنشأ
، أو ما يسمى بالأمراض (النفسجسمية) .
6 ـ الضغوط الاقتصادية أحياناً تكون سبباً من أسباب إثارة الرغبة في العنف
نتيجة عدم استطاعة الطالب أن يلبي متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية ،
ومن ثم تنفجر بعض تلك الضغوط في صورة الاعتداء على المعلم الذي لا يستطيع
امتصاص هذه الضغوط ، أو العمل على إذابتها في نفس الطالب .
7 ـ ضعف الوازع الديني ، وافتقاد القدوة في التعامل برفق مع الناس ،
فالطالب الذي يفتقر إلى القدوة في الرفق ولين الجانب ؛ لا يمكن أن نطالبه
بذلك وهو لم يتعلمه ويمارسه من خلال مربيه ومعلميه .
8 ـ الانفتاح الإعلامي والثقافي الهائل الذي نعيشه ، ومظاهر العنف التي
تملأ الفضائيات من خلال الأفلام ، والمسلسلات ، والبرامج ، وحتى الألعاب
لها دور خطير في تفاقم هذه الظاهرة، وليس ما نسمع عنه من حوادث القتل
والاعتداء في مدارس الغرب وأمريكا إلا نتاجاً لتلك الوسائل التي اقتحمت
بيوتنا ، وملأت عقول شبابنا .
* تلك هي بعض أسباب الظاهرة مثالاً لا حصراً ، وقد أشرنا ضمناً إلى بعض
مظاهرها وأعراضها ، فهل من علاج لتلك المشكلة التي تؤرّق التربويين
والعاملين في مجال التعليم ؟ وهل هناك حل لتلك الظاهرة التي تهدر الطاقات ،
وتقضي على مقوّمات الإبداع ، وتعطّل مواهب فئة لا يُستهان بها من شبابنا
الطلاب ، بل والطالبات ؟!
سؤال محير يحتاج إلى دراسات ، وبحوث ، ولجان ، واستطلاعات للرأي ، لكننا
نستطيع أن نجمل بعض الحلول ـ والتي تبدو نظرية في ظاهرها ـ إلا أننا ليست
لدينا حيلة غير محاولة تحقيقها واقعاً عملياً في مؤسساتنا التعليمية
والتربوية ، وتجربتها ميدانياً في بيوتنا ومن خلال وسائل إعلامنا ، حتى
نستطيع أن نستثمر طاقات أبنائنا ، ونحافظ على صحتهم النفسية ، ونعيد إلى
مؤسساتنا التربوية احترامها وهيبتها ، وإلى المعلم في مدرسته ، والأستاذ في
جامعته وقاره وقدوته ، وإلى علاقة التلميذ بالأستاذ قدسيتها وبهاءها .
* ـ ومن هذه الحلول ما يلي :
1 ـ أهمية دور الإدارة المدرسية والجامعية في توفير الجو التربوي المناسب
الذي يخلو من العصبية والعنف ، ويتسم بالعلاقة الأبوية بين المعلم وطلابه ،
تلك العلاقة التي يسودها الاحترام المتبادل ، والود ، والألفة .
2 ـ تكثيف الدورات التربوية التي تُعنى بخصائص المرحلة العمرية للطلاب ،
وخصائصها النفسية ، وكيفية التعامل معها ، وأفضل الطرق للتعامل مع المشكلات
التحصيلية ، خصوصاً مشكلة التأخر الدراسي ، وضعف وبطء التعلم ، وغيرها .
3 ـ ضرورة اهتمام المعلمين والأساتذة بقراءة ما يُكتب عن المشكلات السلوكية
لدى الشباب ، وكيفية التعامل معها ، وحثهم على ذلك ، بالإضافة إلى إقامة
الدورات التدريبية التي تُعنى بتلك الأمور .
4 ـ تحسين وضع المعلمين المادي والأدبي حتى يشعروا بقيمتهم الحقيقية ، ومن
ثم يعود للمهنة قدرها واحترامها ، مما ينعكس إيجاباً على طريقة تعاملهم مع
الطلاب .
5 ـ تدريب الطلاب بصورة دورية على جو الاختبارات في أيام الدراسة العادية ـ
الأمر الذي تفتقده كثير من المدارس والكليات ـ حتى يألفوا هذا الجو ، وحتى
لا يصبح الاختبار لهم مسألة حياة أو موت! وقد قال لي أحدهم يوماً : "غداً ـ
في الاختبار ـ يتحدد مصيري ، إما إلى الجنة وإما إلى النار! فغداً يوم
القيامة" !!
6 ـ عمل الدراسات الميدانية والاستبانات التي تستقري أحوال الطلاب في
الفترة التي تسبق الاختبارات ، وقبل دخول لجنة الاختبار ، وفي أثنائها ،
وبعد الخروج منها ؛ من أجل معرفة توجّهات الطلاب تجاه المواد الدراسية
والمعلمين والاختبارات ، ومن ثم وضع الحلول العملية لمشكلات العنف ،
والعصبية ، والعدوانية ، والإحباط التي تصيب بعض الطلاب في تلك الفترة .
7 ـ دور المرشد الطلابي والاختصاصي النفسي هام جداً من خلال تخصصه ، وخبرته
الميدانية ، والبرامج الإرشادية المتوفرة لديه ، والأساليب العلمية التي
يتقنها في التعامل مع هذه الظاهرة من خلال برامج الإرشاد الجمعي ،
والمقابلات الفردية ، وحصر وتحليل تلك الظواهر ، ودراسة الحالة ، وغيرها .
ولا يقتصر هذا الدور على الطلاب فقط ؛ بل يتعداه إلى تبصير المعلمين وإدارة
المدرسة أو الكلية بدورهم التربوي الخطير إزاء ما يتعرض له الطلاب من
مشكلات وأزمات سواء في المجال التربوي أو المجال السلوكي .