المجتمع الياباني: وفاء للعادات والتقاليد رغم إغواء الحداثة



مع كل ما تتميز به اليابان اليوم من مظاهر التطوّر، والتقدم، والحضور الطاغي لمختلف مظاهر الحياة الحديثة، فإنّ الثقافة الموروثة ما تزال تحافظ في الحياة اليومية على حضور واسع أيضاً، ولم تتحول إلى مجرد "فلكلور" للذكرى، كما حصل في بقاع أخرى من العالم، وهو ما يجعل هذا البلد نموذجاً لنوع خاص من الحداثة عُرفت بـ"التوفيقية".
نمط العمارة التقليدي
رغم انتشار البنايات الزجاجية والمعدنية في صُوَر كبرى المدن اليابانية الحديثة، كطوكيو، وأوساكا، إلا أنّ العديد من اليابانيين ما يزالون يفضّلون أنماط العمارة اليابانية التقليدية، التي تتميز باستخدام الخشب، مع رفع المبنى عن الأرض، وبالبروزات التي توفر الظلال في الصيف، والحماية من المطر في الشتاء، وتشتهر مدينة "كيوتو"، العاصمة الإمبراطورية السابقة، بمحافظتها على نمط العمارة
الياباني التقليدي.
وعلى المستوى الداخلي، تحرص نسبة كبيرة من البيوت اليابانية على الأنماط التقليدية، التي تشتهر بتقطيع الغرف بواسطة الأبواب الخشبية المنزلقة، والتي تعرف باسم الـ"شوجي"، كما يتم اعتماد أنواع خاصة من الأثاث، فعِوض "الصوفا" الغربية، يكون الجلوس على الوسائد الرقيقة.

مدينة كيوتو اليابانية.. تشتهر بمحافظتها على نمط العمارة الياباني التقليدي

تقطيع الغرف بواسطة الأبواب المنزلقة والوسادات.. من أهم مميزات العمارة اليابانية الداخلية
معتقدات وممارسات دينية
يعتنق حوالي 52% من
اليابانيين ديانة "الشنتو"، بينما تصل نسبة معتنقي "بوذية الزن" إلى قرابة الـ35%، وتنتشر المزارات والمعابد الشنتوية والبوذية في مختلف المقاطعات والمدن؛ حيث تعتبر جزءاً من المشهد البصري المألوف للمدينة اليابانية الحديثة، وذلك نظراً لما تعرفه من إقبال وحضور واسع من السكان والسياح، وبشكل خاص في مواسم الأعياد والمهرجانات.
وتتميز الأضرحة والمزارات الشنتوية بالبوابات الخاصة، التي ترمز للعبور إلى العالم المقدس والدخول فيه، تمييزاً لمنطقة المزار عما يحيط بها، فضلاً عن الاهتمام بتصميم الحدائق المرافقة لها؛ حيث تحضر فيها عناصر "الحديقة اليابانية" الأساسية: المياه، والشجر، والأسماك، والسلاحف المائية، والأحجار، ويعبّر حضور هذه العناصر عن صميم معتقدات الديانة الشنتوية التي تقدس الطبيعة، وتعتقد أنّ الوجود الإلهي (الكامي) يكمن فيها، وتُعدّ الأشجار من أقدس مُكوِنات الحديقة، وتزرع أشجار الكرز في المعابد، والشوارع، والغابات؛ طلباً للرضا الإلهي، فيما ترمز الجسور إلى عملية "العبور" إلى عالم خيالي.

تنتشر المعابد الشنتوية داخل المدن اليابانية وتشهد إقبالاً كبيراً من اليابانيين

البوابات.. ترمز للعبور إلى العالم المقدس

تتميز حدائق المزارات الشنتوية بوجود الأشجار والمياه والأحياء المائية

الجسور في الحدائق الشنتوية.. رمز للعبور إلى عالم خيالي
وتنتشر بين اليابانيين اليوم، على نحو واسع "جلسات التأمل"، التي تعرف باسم "الزازين" (وتعني: التأمل الجالس)، وتعدّ من أهم ممارسات وطقوس بوذية الزن (الفرع المنتشر في
اليابان من البوذية)، حيث يجد اليابانيون فيها الراحة والسكون في غمرة ضغوط ومتطلبات الحياة الحديثة ورتمها المتسارع.

يايانيون يمارسون جلسة "الزازين" التأملية
أطباق ومشروبات
رغم انتشار مختلف أنواع المطابخ والأطعمة العالمية إلا أنّ المطبخ الياباني حافظ على حضور واسع؛ حيث يتصدر الطعام الياباني التقليدي قوائم المطاعم، ويتميز بالاعتماد أساساً على المأكولات البحرية، والأرز، والمعكرونة، وتعتبر "السوتشي"، والسمك النيء، والروبيان المقلي، من أشهر الأكلات التقليدية في
اليابان.
وعلى مستوى عادات تناول الطعام تنتشر في البيوت والمطاعم اليابانية عيدان الأكل المصنوعة من الخشب، والمعروفة باسم "هاشي"، وعلى مستوى المشروبات، تتميز
اليابان بحوالي 28 نوعاً من الشاي، المميز بلونه الأخضر، التي يتم تناولها في أكواب خاصة، وأثناء جلسات ومواعيد مخصصة.

السوتشي.. من أشهر الأطباق اليابانية التقليدية

شرب الشاي بالأكواب اليابانية الخاصة
عادات اجتماعية
يتميز المجتمع
الياباني بالعديد من قواعد السلوك والآداب الخاصة، ومن أشهرها: استخدام الانحناء كأسلوب للتحية، بدرجاته ووضعياته المختلفة؛ حيث تستخدم كل وضعية ودرجة في مناسبة معينة، مثل الترحيب، أو الفراق، أو الاعتذار، ويعرف أسلوب الانحناء بالـ"أوجيكي"، وهو منتشر على نحو واسع إلى درجة أن الشركات والفنادق والمطاعم تقوم بتدريب موظفيها عليه.

الانحناء.. الأسلوب الياباني الخاص لأداء التحية
وتشتهر
اليابان بالعديد من الأزياء التقليدية، وفي مقدمتها لباس "الكيمونو" الشهير، المتميز بالنقوش والألوان الزاهية، ونظراً لعدم مناسبته للحياة اليومية المعاصرة، يقتصر ارتداؤه اليوم على مناسبات خاصة كالزواج، والوفاة، والاحتفالات الشعبية، ويقترن لبس "الكيمونو" بالـ"تابي"، وهو جورب ياباني تقليدي (جوارب الإبهام)، والـ"زوري"، الحذاء الياباني التقليدي.

الكيمونو
فنون ورياضة
على المستوى الفنيّ، حافظت العديد من الفنون التقليدية على حضورها في المجتمع الياباني المعاصر، ومن أشهر العناصر والمظاهر الفنية التقليدية الحاضرة اليوم: الـ"جيشا"، وهنّ الفنانات التقليديات في
اليابان؛ حيث يمارسن بالأساس دور المضيفات، مع امتلاكهن مهارات في مختلف الفنون اليابانية، مثل؛ الموسيقى، والرقص، والألعاب، ومن الفنون التقليدية الحاضرة: مسرح الـ"نو"، المميز بأداء عروض الدراما الموسيقية مع لبس الأقنعة، ومنها أيضاً: الـ"أوريغامي"، فن طيّ الورق، الذي تقام له اليوم مسابقات وجوائز خاصة.

الـ"جيشا".. الفنانات التقليديات في اليابان

أطفال يابانيون يهدون أعمالهم من الأوريغامي لضحايا هيروشيما

مسرح الـ"نو".. يشهد حضوراً وإقبالاً من مختلف شرائح المجتمع الياباني
وعلى المستوى الرياضي، تميزت
اليابان، كما سائر دول الشرق الأقصى، بالاهتمام الكبير بالفنون القتالية، واشتهرت بأنواع خاصة منها، كـ: الكاراتيه، والكيودو، والآيكيدو، وهي اليوم تشهد اقبالاً واسعاً من قبل اليابانيين من مختلف الفئات العمرية.
ومن هذه الرياضات الجُودُو التي طورها الدكتور جيغورو كانو العام 1882بعد تهذيبه لفن قتال "جيو جتسو" من تقنياته الخطيرة، وتمكنت هذه الرياضة من دخول الألعاب الأولمبية بدءاً من دورة طوكيو 1964، أما مصارعة السومو فهي رياضة نخبوية ترتبط بطقوس ومعتقدات دينية قديمة، وتقتصر ممارستها على هذا البلد رغم وجود لاعبين محترفين لها من خارجه.

يرجع ظهور رياضة "الكاراتيه" إلى القرن الرابع عشر.. ولا تزال تشهد إقبالاً واسعاً