السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. الحَدِيثُ عَنْ زَيْنَبَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) حَدِيثٌ عَنِ امْرَأَةٍ كَادَتْ تَقْتَرِبُ مِنَ العِصْمَةِ الكُبْرَى بِصَبْرِهَا وَعِبَادَتِهَا وَرِبَاطَةِ جَأْشِهَا، فَلَوْلَا ثُبُوتُ فَضْلِ أُمِّهَا فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) عَلَيْهَا لَقُلْنَا: إِنَّهَا كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهَا.. فَامْرَأَةٌ يُقْتَلُ أَخُوهَا الَّذِي لَا تَقُلُّ الأَرْضُ مِثْلَهُ أَبَدًا.. سِبْطُ النُّبُوَّةِ، وَسَلِيلُ الإِمَامَةِ.. وَخَامِسُ أَهْلِ الكِسَاءِ. وَيُقْتَلُ أَمَامَ عَيْنِهَا أَخُوهَا الآخَرُ قَمَرُ العَشِيرَةِ، وَيُقْتَلُ إِخْوَتُهَا البَقِيَّةُ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَيُقْتَلُ أَبْنَاؤُهَا وَبَنُو عُمُومَتِهَا، وَأَنْصَارُهُمْ، وَلَا يَبْقَى عِنْدَهَا أَحَدٌ سِوَى شَخْصٍ عَلِيلٍ تَتَكَفَّلُ بِرِعَايَتِهِ، وَثَمَانِينَ طِفْلَةً وَطِفْلًا يَتِيمًا، هُمْ أَبْنَاءُ الشُّهَدَاءِ مِنْ أَهْلِهَا فِي ذِمَّتِهَا، وَلَمَّةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ النِّسَاءِ الثَّوَاكِلِ المَفْجُوعَاتِ بِآبَائِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ وَإِخْوَانِهِنَّ... وَوَسَطُ جَيْشٍ لَيْسَ لَهُ دِينٌ وَلَا أَعْرَافٌ، قَدْ رُفِعَتِ الرَّحْمَةُ مِنْ قَلْبِهِ تَمَامًا، قَامَ بِذَبْحِ حَتَّى الطِّفْلِ الرَّضِيعِ عَلَى صَدْرِ أَبِيهِ.. وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى تَشَفَّى بِرَضِّ الصُّدُورِ الزَّوَاكِي وَهُمْ عَلَى رَمْضَاءِ كَرْبَلَاءَ مُضَرَّجِينَ بِدِمَائِهِمْ.... فَمَاذَا كَانَ المَوْقِفُ مِنْ ابْنَةِ حَيْدَرَةَ إِزَاءَ هَذِهِ المَصَائِبِ كُلِّهَا؟؟ - كَانَتْ فِي غَايَةِ الصُّمُودِ.. إِذْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا أَيُّ حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِ الإِنْهِيَارِ أَمَامَ جَيْشِ الأَعْدَاءِ. - لَمْ تُقَصِّرْ فِي كُلِّ وَاجِبَاتِهَا الَّتِي أُنِيطَتْ بِهَا مِنْ رِعَايَةِ العَلِيلِ وَمُتَابَعَةِ شُؤُونِ الأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ. - لَمْ تَتْرُكْ صَلَاةَ اللَّيْلِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا أَخُوهَا الحُسَيْنُ وَأَهْلُهَا، وَقَامَتْ بِأَدَائِهَا مِنْ جُلُوسٍ. - لَمْ تَتَرَدَّدْ فِي الإِفْصَاحِ عَنْ ثَوْرَةِ أَخِيهَا الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَهْدَافِهَا وَالغَايَةِ مِنْهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ تَكُونُ فِيهِ. - وَاجَهَتِ الطُّغَاةَ بِلُغَةِ العَزِيزِ المُقْتَدِرِ الوَاثِقِ مِنْ نَفْسِهِ وَإِيمَانِهِ وَصِدْقِ قَضِيَّتِهِ. - اسْتَطَاعَتْ أَنْ تَقْلِبَ الوَاقِعَ الفِكْرِيَّ بِكَلِمَاتِهَا عَلَى خُصُومِهَا، فَأَفْشَلَتْ بِذَلِكَ كُلَّ إعْلَامِهِمُ المُعَادِي. - عَادَتْ إِلَى دَارِهَا مَفْجُوعَةً حَزِينَةً بَعْدَ رِحْلَةِ السَّبْيِ وَمُصِيبَةِ كَرْبَلَاءَ، لَكِنَّهَا عَلَّمَتِ الدُّنْيَا دَرْسًا لَنْ تَنْسَاهُ فِي الشُّمُوخِ وَالإِبَاءِ.. نَعَمْ، هَذِهِ هِيَ الحَوْرَاءُ زَيْنَبُ بَطَلَةُ كَرْبَلَاءَ.. الَّتِي تُرِيدُونَ مِنّا الحَدِيثَ عَنْهَا.. وُلِدَتْ فِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ لِلهِجْرَةِ فِي المَدِينَة المُنَوَّرَةِ، وَعَاشَتْ كُلَّ الأَحْدَاثِ الجِسَامِ الَّتِي تَعَرَّضَ لَهَا جَدُّهَا المُصْطَفَى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ وَفَاتُهُ مَسْمُومًا شَهِيدًا، وَبَعْدَهَا عَاشَتْ مِحْنَةَ أُمِّهَا الكُبْرَى وَمُصِيبَتَهَا العُظْمَى حَتَّى قَضَتْ شَهِيدَةً مَهْضُومَةً، بَعْدَهَا عَاشَتْ مِحْنَةَ أَبِيهَا وَحُرُوبَهُ مَعَ النَّاكِثِينَ وَالقَاسِطِينَ وَالمَارِقِينَ حَتَّى قَضَى صِدِّيقًا شَهِيدًا فِي مِحْرَابِهِ فِي الكُوفَةِ، ثُمَّ مِحْنَةَ أَخِيهَا الحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَوْتَهُ مَسْمُومًا، ثُمَّ المُصِيبَةَ الكُبْرَى الَّتِي عَاشَتْهَا فِي كَرْبَلَاءَ وَمُشَاهَدَتَهَا لِأَخِيهَا الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَذْبُوحًا مِنَ الوَرِيدِ إِلَى الوَرِيدِ، وَمُشَاهَدَتَهَا لِإِخْوَتِهَا وَأَبْنَائِهَا مُضَرَّجِينَ كَالأَضَاحِي عَلىٰ رَمْضَاءِ كَرْبَلَاءَ فَصَدَقَ وَصْفُ (أُمِّ المَصَائِبِ) عَلَيْهَا بِكُلِّ مَا تَعْنِي هَذِهِ الكَلِمَةُ مِنْ مَعْنًى. مِنْ أَلْقَابِهَا: العَقِيلَةُ، وَالحَوْرَاءُ، وَالعالِمَةُ غَيْرُ المُعَلَّمَةِ، وَالغَرِيبَةُ، وَالطَّاهِرَةُ، وَالسَّيِّدَةُ. كَانَتْ وَفَاتُهَا فِي النِّصْفِ مِنْ رَجَبَ سَنَةَ 62 لِلهِجرَةِ عَلَى أَرْجَحِ الرِّوَايَاتِ. فَالسَّلَامُ عَلَى الحَوْرَاءِ الأَبِيَّةِ، وَالعَقِيلَةِ المَرَضِيَّةِ، وَالرُّوحِ العَلَوِيَّةِ، وَالنَّفْسِ الحُسَيْنِيَّةِ فِي يَوْمِ وَفَاتِهَا، وَكَتَبَ اللهُ لَنَا شَفَاعَتَهَا وَشَفَاعَةَ أَهْلِ بَيْتِهَا الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ). وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.