كانت دنانير جارية لرجل من "المدينة"، فأشتراها منه يحيى بن خالد البرمكى ثم أعتقها،وقد تلقت ثقافة متنوعة على يد الأدباء و العلماء،وفى مجال الموسيقى و الغناء صقلت دنانير موهبتها على يد اعلام المغنينين فى العصر العباسى الأول كإبراهيم الموصلى و ابنه اسحف و ابن جامع و سواهم،و فى العزف تلقت من زلزل أصول الإيقاع على العود.و قد أصبحت مغنية و ملحنة و شاعرة و راوية.
من أخبارها مع يحيى بن خالد البرمكى أن دنانير ألفت يومأ لحناً أعجبت به،و أبلغت مولاها بذلك.فخشى أن تكون قد بالغت فى التقدير،فأستقدم أستاذها إبراهيم الموصلى كى يحكم على مدى جودة إنتاج دنانير الجديد.و إذا السترة قد نصبت،فسلم عليها فردت السلام و قالت من وراء الستار: " يا ابت ، أعرض عليك لحناً قد تقدم إليك خبره،وقد سمعت الوزير يقول أن الناس يفتنون بغنائهم فيعجبهم منه ما لا يعجب غيرهم،وقد خشيت على اللحن أن يكون كذلك". فقال إبراهيم : هات،فأخذت دنانير العود و تغنت باللحن.فأعجب به إبراهيم الإعجاب كله،و أستعاد مراراً طالباً فيه موضع ضعف يصلحه فما أستطاع، فقال لها : " أحسنت يا بانتى،و ان لحنك كالذهب المصفى" .
كانت المغنية دنانير تسجل فى ذاكرتها إنتاج إبراهيم الموصلى،ثم تعيد ما حفظته فتحكيه فى أمانة و تؤديه ببراعة،كأنه تكرار لصوت صاحبه، حتى قال إبراهيم ليحيى البرمكى : " متى فقدتنى و دنانير باقية،فما فقدتنى".و قد بلغ فى مكانتها عند مولاها يحيى إنه كان يدفع عنها كفارة الصوم فى رمضان المبارك،عن كل يوم ألف دينار،فتبلغ النفقة عليها فى شهر واحد ثلاثين ألف دينار.ولم يكن إفطار دنانير فى رمضان أستهتاراً بفرائض الدين و إنما بسبب مرض معوى جعلها لا تصبر على الطعام طويلاً.
و لم يكن غناء دنانير وقفاً لسيدها يحيى البرمكى،و إنما غنت غير مرة بحضرة الرشيد فأعجب بغناءها.و كثيرا ما كان الراشيد يقصد مجلس وزيره ليسمع صوتها،بل قيل أن الخليفة أفرط فى الأستماع إلى دنانير حتى شكته زبيده إلى أهله و عمومته فعوتب على ذلك.
و لابد من التنويه بوفاء دنانير لسيدها يحيى البرمكى.فبالرغم من أنه أعتقها فقد لازمت البرامكة و غنت ليالى أفراحهم حتى نسبت إليهم "دنانير البرمكيه"،و إن وجودها فى كنفهم جعلها تشهد نكبتهم التاريخية على يد الخليفة الرشيد.
بعد تلك الكارثة تركت دنانير الغناء،وقد دعاها الرشيد و أمرها بالغناء،فأبت و قالت :" يا أمير المؤمنين،أنى آليت ألا أغنى بعد سيدى أحداً " فغضب الرشيد و امر بصفعها،ثم أكرهت على حمل العود و الغناء،فأنشدت و هى تبكى:
يا دار سلمى بنازح السند
بين الثنايا و مسقط اللبد
لما رأيت الديار قد درست
أيقنت أن النعيم لم يعد
فأشفق لها الرشيد و عطف عليها و أمر بأن تترك و شأنها.فما جف لها دمع حتى لحقت بالبرامكة.
وتذكر فى النهاية أن المعجبين بجمال دنانير و صوتها كثر أعدادهم ، كما هام بها عدداً من الشعراء أمثال : أبى حفص الشطرنجى الذى نظم فيها قصيدة مطلعها :
هذى دنانير تنسانى فأذكرها
و كيف تنسى محباً ليس ينساها
و يروى البعض أن دنانير وضعت كتاباً فى أصول الغناء جمعت فيه خلاصة خبرتها فى هذا المجال.ألا ان الكتاب قد ضاع مع ما اندثر من كتب قيمة تركها العصور العباسية.