العثمانيون في الجزائر.. حماية أم احتلال؟



دخل العثمانيون إلى الجزائر سنة 1516 كقوة حامية، استنجد بها الجزائريون لمواجهة التحرشات الإسبانية.
استجاب العثمانيون لطلب النجدة الجزائري ونجحوا في طرد الإسبان، لكنهم (العثمانيون) لم يغادروا البلد وبقوا فيه إلى غاية سنة 1830، أي أنهم مكثوا ثلاثة قرون وعشرين سنة.
فيا ترى، لماذا بقوا كل هذه الفترة، رغم أنهم جاؤوا للحماية فقط؟ وهل تحوّل وجودهم من قوة حماية ونجدة إلى احتلال للبلاد؟
هذا الجدل لا يزال مستمرا إلى اليوم بين المهتمين بالشأن التاريخي في الجزائري.
النجدة وقتل سلطان الجزائر
يعود سبب الوجود العثماني في الجزائر إلى الخطر الإسباني، إذ كان الإسبان يريدون القضاء على المسلمين الفارين من غرناطة، حتى لا يعودوا مرة ثانية إلى هناك.
وهو ما يذكره الباحث الجزائري محمد بن مبارك الميلي في كتابه "
تاريخ الجزائر القديم والحديث"، في جزئه الثالث المخصص للفترة العثمانية، حيث كتب "كانت محاولات وغزوات الإسبان ضد الجزائر، من بين الأسباب المباشرة التي مهدت لاستقرار الحكم التركي بالجزائر".
استنجد سلطان الجزائر وقتها، وهو سالم التومي، بالعثمانيين فأرسلوا له القائدين البحريين المشهورين، الأخوين خير الدين وعروج بربروس، لطرد الإسبان.

رسم للأخوين بربروس (عروج وخير الدين)
ويذكر محمد الميلي، هذه الحادثة قائلا "عندما دخل عروج إلى الجزائر استقبله الشيخ سالم التومي وسكان المدينة استقبال الفاتحين، وسارع عروج بنصب عدد من المدافع تجاه جزيرة صغيرة يسيطر عليها الإسبان، وبعث إلى قائد الحامية الإسبانية يأمره بالاستسلام، لكن القائد الإسباني رفض، فأطلق عروج نيران مدفعيته على المعقل الإسباني، إلا أن ضعف مدفعيته لم تمكنه من تحقيق الانتصار المنتظر".
ويضيف الميلي "سقطت هيبة الأتراك في أعين سكان الجزائر، يضاف إلى ذلك أن سكان ميناء الجزائر بدأوا يتضجرون من تصرفات الأتراك الذين كانوا يعاملون الجزائريين معاملة فظة، وبدأت تظهر بوادر التمرد.. إلا أن عروج ذهب بنفسه إلى منزل السلطان سالم التومي وقتله بيده في الحمام حيث وجده، وخرج على جنده وأعلن نفسه سلطانا على الجزائر".
والأمر نفسه حدث في مدينة تلمسان، فعندما أنقذ عروج المدينة من الإسبان فرحوا به لكنهم فضّلوا أن ينصّبوا أبا زيّان- وهو جزائري- حاكما عليهم، فقتله عروج، وفرض على أهل المدينة ضرائب.
كما عمل الأتراك على "حرمان الجزائريين من مناصب الإدارة والحكم.. وفرضوا ضرائب على السكان، ما تسبب في ثورات شعبية عديدة عليهم"، مثلما يتفق على هذا كثير من المؤرخين.
"احتلال من أول يوم"
وتعليقا على طبيعة الوجود العثماني في الجزائر، قال الباحث الجزائري المتخصص في الفترة العثمانية، محمد بن مدور، إن "كل الدلائل تؤكّد على أن ذلك الوجود كان احتلالا".
ويمضي بن مدور متحدثا عن تلك الفترة قائلا "صحيح أن الجزائريين هم الذين طلبوا النجدة منهم في بداية الأمر ضد الإسبان، لكن الغريب أنهم بمجرد ما وصلوا وطردوا الإسبان قتلوا سلطان الجزائر! فما الذي يعنيه هذا!؟".
ويضيف بن مدور في تصريحه لـ"أصوات مغاربية" أن العثمانيين هدموا كثيرا من المساجد والزوايا "هل يُعقل أن يهدموا مساجد وزوايا ويبنوا أخرى ويسمُوا مسجدا بنوه باسم حيوان، فمسجد كتشاوة يعني المعزاة!، ثم إنهم واجهوا ثورات رفضت حكمهم للبلاد، لأنهم أهانوا السكان وفرضوا عليهم ضرائب".
"لا وجود للتّتريك في الجزائر"
على النقيض من الرأي السابق، يقول أستاذ التاريخ في جامعة الجزائر، الدكتور مصطفى نويصر، إن العثمانيين كانوا يشرفون على الجزائر باعتبارها "تابعة لإمبراطورية الخلافة الإسلامية".
"مصطلح الاستعمار ارتبط بالوجود العثماني في المشرق العربي، حين تحوّلت السياسة العثمانية من خلافة إسلامية إلى دولة قومية تعتمد سياسة التتريك، وحدث هذا بداية من سنة 1908 مع الثورة العربية على الأتراك"، يقول نويصر.
ويستطرد المصدر ذاته "لكن بالنسبة للجزائر وتونس وليبيا، فلم يكن هناك شيء يسمى التتريك، بل إن بلداننا كانت قد سقطت وقتها في يد الاستعمار الغربي".
وبرأي الدكتور نويصر فإن الجزائر "انضوت تحت لواء الخلافة الإسلامية بعد دعوة من الجزائريين أنفسهم، حين استنجدوا بالعثمانيين ضد الغزو الإسباني، ولم يفرض العثمانيون وجودهم هنا بالقوة بل كان مرحبا بهم".


المصدر: أصوات مغاربية