يقف كتاب الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني في قمة المصنفات التي تتناول موضوع الصحابة وبيان سيرتهم ومناقبهم، والتمييز فيما بينهم عند عامة المسلمين وخاصتهم. ولا يستغني عن هذا الكتاب طالب علم أو باحث في السيرة النبوية وتاريخ الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وهذا من عظيم الكرم والمنِّ والفضل من الله تعالى بحافظ الدنيا ابن حجر طيَّب الله ثراه.
وقبل أن نعرض أهمية كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" يجدر بنا أولًا أن نشير إلى سبب وتاريخ تأليف الكتاب، والمسمَّيات التي عُرف بها.
سبب وتاريخ تأليف كتاب الإصابة
ذكر الحافظ ابن حجر (773 هـ - 852 هـ) رحمه الله أن هناك عدد كبير من علماء الأمة صنفوا في علم معرفة الصحابة، ويذكر أنه وقع له بالتتبع كثير من الأسماء التي لم تكن في المصنفات السابقة على الرغم من أنها تقع في نطاق هذه المصنفات، وبذلك تسنى له أن يصنف كتابا كبيرا أكثر استيعابا من غيره؛ لتمييز الصحابة من غيرهم [1]. وكان البدء بتأليف الكتاب سنة 809 هـ، واستمر العمل فيه إلى ثالث ذي الحجة سنة 847 هـ حيث انتهى من كتابته مع ما فيه من الهوامش، فاستغرق تأليفه ما يقرب من أربعين عامًا.
وأوضح ابن حجر أنَّ الكتابة فيه كانت بالتراخي، وكتبه في المسودات ثلاث مرات، بسبب ما كان يدور في ذهنه من النهوض بهذا اللون من التصنيف، وبسبب الترتيب الذي ابتكره. ويحكي ابن حجر قصة تأليف الإصابة على مدى أربعين عاما بقوله: "وقد قيدت بالحمرة أولا، ثمّ بالصفرة ثم بصورة ما يخالطهما وكل ذلك قبل كتابة فصل المبهم من الرجال والنساء " [2].
مسميات كتاب الإصابة
الإصابة في تمييز الصحابة، هو الاسم الذي اشتهر به هذا السفر الكبير الذي ألفه الحافظ ابن حجر، وقد سمَّاه ابن حجر نفسه بهذا الاسم، وذلك عندما كان يحيل إليه في كتبه التي ألفها، فيقول في كتاب تبصير المنتبه بتحرير المشتبه:"ووقع للعز بن الأثير في أسد الغابة وهْمٌ في (علباء الأزدي) نبهنا عليه في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة" [3]. وقال في كتاب تهذيب التهذيب: "وقد أوضحت القول فيها في كتابي الإصابة في تمييز الصحابة" [4].
وأثبت كثير ممن أرخوا للحافظ ابن حجر كتابه بهذا اللفظ، كما في لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ لابن فهد المكي، وابن تغري بردي في المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي [5].
ويسميه بعضهم: "الإصابة في معرفة الصحابة" [6]، أو "الإصابة بمعرفة الصحابة" [7]، وسمَّاه بعضهم: "الإصابة في أسماء الصحابة" [8]. والراجح هو "الإصابة في تمييز الصحابة" فهو المتواتر بين الناس، وهو ما ذكره ابن حجر وأثبته في كتبه، وهو ما يتوافق مع مقصد الحافظ ابن حجر من تأليفه، وهو تمييز الصحابة من غيرهم، وتوضيح ما التبس على الناس من أنه من الصحابة وما هو من الصحابة.
أهمية كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني
يعتبر كتاب الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني أهم ما ألف في تراجم الصحابة، ولا يستغني عنه طالب علم أو باحث، وقد تميَّز بمزايا كثيرة قلَّ أن تجتمع في غيره، ومنها:
1- المكانة العلمية المرموقة التي تمتع بها مؤلفه الحافظ ابن حجر رحمه الله.
2- أهمية الموضوع الذي يتناوله الكتاب، فهو يشتمل على تراجم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبحث عن أحوالهم، وتمييزهم من غيرهم، ومعرفة من ذُكِر معهم وليس منهم.
3- يعتبر كتاب الإصابة أجمع الكتب المؤلفة في أسماء الصحابة وأشملها وأوسعها؛ فقد حوى حوالي اثني عشرة ألفا وأربعمائة وست وأربعين ترجمة.
4- ومما يزيد من قيمة الكتاب وأهميته شمول الأخبار والروايات والمعلومات، فإنها تتوغل في تاريخ الجاهلية قبيل الإسلام، وتمتد على طول القرن الأول الهجري، وحتى وفاة آخر الصحابة [9].
5- هذا الكتاب من أهم الكتب المؤلفة في تراجم الصحابة وأكثرها انتشارًا وأكثرها تحريرًا وتدقيقًا، وقد اطلع مؤلفه على كتب من تقدمه في هذا النوع من التصنيف واستفاد منها، فهذَّبها ورتبها، وتجنب ما فيها من أوهام وزاد عليها زيادات رآها في بعض طرق الحديث أو المصنفات الأخرى، فجاء كتابًا حافلاً نافعًا ليس له نظير في بابه.
6- ومما يزيد من أهمية الكتاب هذه المقدمة النفيسة التي قدَّم المؤلف بها للكتاب، وما ذكر فيها من فصول مهمة يحتاج إليها من أراد معرفة الصحابة، وما ذكر في ذلك من ضوابط لمعرفة الصحابة.
من أهم ميزات الكتاب أنَّ الحافظ ابن حجر يستدرك على من قبله، ويُبيِّن إذا كان ذكرهم للرجل في الصحابة صواب أو خطأ، ومثال ذلك في ترجمة (حنش بن المعتمر) [10].
7- احتوى هذا الكتاب على قدرٍ كبيرٍ من الأحاديث، مع بيان طرقها والحكم عليها، مما يزيد في قيمة الكتاب العلمية.
8- أنَّ هذا الكتاب قد حفِظَ لنا نقولاً كثيرة من مصادر صارت تُعتبر في عداد المفقود، مثل: "معرفة الصحابة" لابن السكن، وكتاب "الصحابة" للعقيلي، و"الصحابة" لمُطيّن، ولابن شاهين، وغيرهم [11].
9- يعدّ ُكتاب الإصابة في تميز الصحابة نموذجا فريدا يحمل بين ثنايا سطوره الجوانب الحضارية في الحياة الإسلامية، فأما عن الجانب الثقافي، فقد وردت معلومات عن الكتابة وأشهر الصحابة الذين يكتبون، كما أوضح كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم ومهمة كل منهم. كما أظهر الحياة العلمية في المدينة المنورة وتاريخ تدوين السيرة النبوية ووقع الآيات القرآنية في نفوس الصحابة.
كما أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله نصوص تحتوي على معلومات فقهية غزيرة، أثناء تناوله لتراجم الصحابة الكرام ومواقفهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.تخص أبواب الصلاة والزكاة والصوم والزكاة والحج والبيع والزواج والميراث. كما وردت معلومات عن الطب عند العرب وأشهر الأطباء. وأما عن الجانب الاجتماعي، ففي الإصابة نصوص مهمة تفيد كثيرا في دراسة الوضع الاجتماعي في الجاهلية وصدر الإسلام، فوردت أخبار وروايات عن أصنام العرب والكهانة والكهان وبعض العادات والتقاليد الجاهلية، كما وردت إشارات عن المنافرات والمفاخرات وقرى الضيف.
كما وردت معلومات عن أهل الصفة، وهم مساكين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وعددهم، وطعامهم، مع نماذج منهم. كما وردت نماذج تحث على التماسك والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. كما تناول موضوع المرأة وحقوقها ومكانتها الراقية في المجتمع الإسلامي.
ولم يغفل الحافظ ابن حجر رحمه الله الجانب الاقتصادي، فقد وردت بعض النصوص وعن الأسواق والتجارة،مثل سوق عكاظ، وسوق بصرى، وسوق بيع السبي، وسوق ذي المجاز بالجاهلية. كما وردت نصوص عن الزراعة ونظام الأراضي، وما أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة.
وأما عن الجانب السياسي، فقد أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله أحوال العرب في الجاهلية وأنديتهم وحكامهم، كما وردت أخبار عن مقاطعة أهل مكة لبني هاشم في بداية الدعوة الإسلامية، وكتابة الصحيفة ونقضها وبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أطراف الجزيرة، وصلح الحديبية.
كما أورد قصة سقيفة بني ساعدة، وبيعة الخلفاء الراشدين، والتحكيم بصفين، وعام الجماعة، ومبايعة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ومقتل الحسين رضي الله عنه، كما وردت نصوص عن حكم بني أمية وأصحاب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
وأما عن الجانب العسكري، فقد شغلت الأحداث العسكرية جزءا مهما من الكتاب، شاملة لأحداث عسكرية في الجاهلية والإسلام والعصر الأموي. فوردت أخبار عن أيام العرب في الجاهلية. كما وردت تفاصيل وأخبار عن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وشملت أخبار عن الردة في عهد أبي بكر الصديق، ونصوص عن الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام، في اليرموك وأجنادين والقادسية ونهاوند، واستشهاد عمر وبيعة عثمان رضي الله عنهما، ومعركة ذات الصواري وقبرص وفتح خراسان. وأخبار عن الفتنة ويوم الجمل وصفين والنهروان، وقتال الحجاج لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
وأما عن الجانب الإداري، فوردت نصوص عن الجانب الإداري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والأمويين. ففيه معلومات عن عمّال النبي صلى الله عليه وسلم في المجالات المتنوعة كالصدقات والسوق،و أسماء رسل النبي صلى الله عليه وسلم لملوك العالم. كما وردت تراجم لحراس النبي صلى الله عليه وسلم وفارسه وخازنه وصاحب شرطته. كما ورد تسمية عدد من الولاة في عهد الراشدين والأمويين، كما حوى الإصابة على معلومات مهمة وعن القضاء والقضاة، ونماذج من أقضية النبي،صلى الله عليه وسلم [12].
وهكذا تبيَّنَ لنا أن كتاب الإصابة في تمييز الصحابة هو بحر زاخر، ووثيقة حضارية، ستظل شاهدة على عظمة هذا الجيل الذي عاصر النبي صلى الله عليه وسلم.
موارد ابن حجر في كتاب الإصابة
استقى ابن حجر رحمه الله مادة الإصابة من موارد مكتوبة، وشفهية أخذها سماعًا، وعن شيوخه، وقد زادت موارده المكتوبة على (940) مصنفا أُجيز بروايتها، وأظهر مقدرة فائقة تثير الإعجاب في الاعتماد على المصادر والاطلاع على ما تم تصنيفه من قبل الذين سبقوه [13].
والحقيقة أن كتاب الإصابة في تمييز الصحابة من أجمع كتب معرفة الصحابة، استخلص مؤلفه مادته من كتب معرفة الصحابة التي ألفت قبله وعددها كبير جداً، كما أفاد من كتب الجرح والتعديل وتواريخ المدن المحلية وكتب ضبط الأسماء وكتب الحديث والتفسير والرقائق وأفاد من كتب الأنساب والأخبار واللغة والأدب. ومعظم اقتباساته عن هذه الكتب مباشرة مما يدل على اطلاعه عليها وإفادته منها [14].
وهذا سرد لأشهر موارد الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتاب الإصابة [15]:
1- علوم القرآن والتفسير:
معاني القرآن للفراء، فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام، أسباب النزول للواحدي، تفسير الثعلبي، وتفسير ابن أبي حاتم، وغيرها كثير.
2- كتب الحديث والمسانيد
المسند للبغوي، المسند لابن أبي شيبة، المسند لأحمد بن حنبل، المسند للبزار، المسند للشافعي، مسند الشاميين لأبي زرعة، الموطأ للإمام مالك، صحيح البخاري، صححي مسلم، وغيرها كثير.
3- كتب العلل
العلل لابن أبي حاتم، العلل المفردة للترمذي، العلل المتناهية لابن الجوزي، وغيرها كثير.
4- كتب الفقه
كتاب الأطعمة لأبي داوود، كتاب القبور لابن أبي الدنيا، كتاب المناسك للطبراني، عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي، شرح العمدة لسراج الدين ابن الملقن، كتابا الأم والرسالة للشافعي، وغيرها.
5- الزهد والرقائق
كتاب الزهد لابن المبارك، الزهد لأحمد بن حنبل، الحلية لأبي نعيم الأصبهاني، الرسالة القشيرية للقشيري، وغيرها.
6- السيرة النبوية والمغازي
السيرة النبوية لابن إسحاق، السيرة النبوية لابن هشام، المغازي لموسى بن عقبة، المغازي لابن عساكر، المغازي لابن إسحاق، السيرة لابن سيد الناس، السيرة النبوية لابن كثير، الروض الأنف للسهيلي، دلائل النبوة لابن منده، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر، المغازي للواقدي، وغيرها.
7- التاريخ العام وتاريخ الرجال
تاريخ الطبري، تاريخ خليفة بن خياط، مرآة الزمان لسبط بن الجوزي، البداية والنهاية لابن كثير، مروج الذهب للمسعودي، التاريخ الكبير للبخاري، التاريخ ليحيى بن معين، التاريخ للبلاذري، التاريخ للجزري، تاريخ ابن عساكر، تاريخ بغداد للبغدادي، تاريخ نيسابور للحاكم النيسابوري، وغيرها.
8- كتب معرفة الصحابة
تاريخ الصحابة للبخاري، الصحابة للشيرازي، الصحابة لابن أبي خيثمة، معجم الصحابة للبغوي، الصحابة للطبراني، الصحابة لابن شاهين، الصحابة لابن منده، الاستيعاب لابن عبد البر، أسد الغابة لابن الأثير، وغيرها.
9- الجرح والتعديل
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، الذيل لابن بشكوال، تهذيب الأسماء للنووي، الميزان والكاشف للذهبي، الثقات لابن حبان، الكامل لابن عدي، وغيرها.
10- كتب القضاة
قضاة مصر للكندي، كتاب رفع الإصر عن قضاة مصر لابن حجر، كتاب أدب القضاء لأبي علي الكرابيسي.
هذا كله فضلا عن كتب الأنساب والأوائل والجغرافيا والأدب والمعاجم والمشيخات والأسماء والكنى، وغيرها من مصنفات العلوم والمعارف [16].
وإن هذه المصنفات، وهذه العلوم، وهذا الكم الهائل من الكتب التي رجع إليها واستقى منها الحافظ ابن حجر رحمه الله مادته في كتاب الإصابة، لتثبت سعة علمه واطلاعه، وإنّ أقل ما يمكن أن يوصف به هذا السفر العظيم، أنه يعد،بحق- أكبر دائرة معارف تناولت تاريخ الصحابة وسيرهم.
منهج ابن حجر في كتاب الإصابة
اتبع الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة منهجا فريدا لم يسبق له، أثبت بحق ما كان يتمتع به من عقلية علمية وعبقرية فذة.
ويمكن أن نستعرض منهج الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة، مستدلين على ما نقول بأمثلة توضيحية، وتم اختيار أغلبها من الجزء الثالث من هذا الكتاب [17] على النحو التالي:
أولًا: قسم ابن حجر الإصابة على أربعة أقسام في كل حرف من حروف المعجم، فحرف الألف مثلا أربعة أقسام وكذلك الباء والتاء وهلم جرا إلى الياء آخر الحروف. وتظهر الأقسام الأربعة في أسماء وكنى الرجال وأسماء وكنى النساء مرتبة على حروف المعجم أيضًا. وفي داخل القسم الواحد من كل حرف يظهر الترتيب الهجائي مراعيا الحرف الأول والثاني والثالث والرابع في اسم المترجم، واسم أبيه واسم جده، ولم يشذ عن ذلك إلا في حالات نادرة جدا.
وعند ما ذكر الأسماء المبدوءة ب "ذو"، مثلا رتبهم على حروف المعجم بعد لفظ "ذو".
- القسم الأول:
خاص بتراجم الذين وردت صحبتهم بطريق الرواية عنهم أو عن غيرهم، ومهما كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة، وشملت تراجم هذا القسم أولئك الذين وقع ذكرهم بما يدل على الصحبة بأي طريق كان.
القسم الثاني:
خاص بتراجم مَن ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لبعض الصحابة من النساء والرجال وقد مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهم دون سن التمييز. وبيَّن أن ذكر هؤلاء الصحابة إنما هو على سبيل الإلحاق لغلبة الظنّ على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم، وهذه الفكرة إنما تستند إلى أنّ الصحابة رضي اللَّه عنهم كانوا حريصين على إحضار أولادهم عنده عند ولادتهم ليحنكهم ويسميهم تبركا به، والأخبار بذلك شهيرة، واستند ابن حجر في تثبيت هذه الفكرة على أحاديث صحيحة وردت في صحيح مسلم وفي مستدرك الحاكم، وكتاب الصحابة لابن شاهين. وأعطى المبرر الّذي دعاه إلى إفرادهم عن أهل القسم الأول بقوله: "لكن أحاديث هؤلاء عنه- أي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل العلم بالحديث" [18].
القسم الثالث:
خاص بتراجم أولئك الذين ذكروا في الكتب من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم ولا رأوه، سواء أسلموا في حياته أم لا. وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق أهل العلم بالحديث على الرغم من أن بعضهم قد ذكر في كتب معرفة الصحابة، لكن مصنفيها أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلّا بمقاربتهم لتلك الطبقة، ولم يجزموا بأنهم من أهلها. ومن هؤلاء المصنّفين أبي حفص بن شاهين
(ت 385 هـ) وأبي عمر بن عبد البر (ت 463 هـ). وأحاديث هؤلاء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرسلة بالاتفاق بين أهل العلم بالحديث.
القسم الرابع:
وهذا القسم هو المعنيُّ بهذا الكتاب، فقد ذكر فيه من ذُكر في كتب الصحابة على سبيل الوهم والغلط، وبيان ذلك بالأدلة وبأسلوب أهل الحديث وطرائقهم. ولم يذكر فيه إلّا ما كان الوهم فيه بيّنا، وأما مع وجود احتمال عدم الوهم فلم يلجأ إلى ذكره، إلّا إذا كان ذلك الاحتمال يغلب على ظنّه بطلانه. قال ابن حجر: "وهذا القسم الرابع لا أعلم من سبقني إليه، ولا من حام طائر فكره عليه، وهو الضالة المطلوبة في هذا الباب الزاهر، وزبدة ما يمخضه من هذا الفن اللبيب الماهر" [19].
والحق أنّ ابن حجر لم يسبق في إفراد تراجم الذين ذكروا على سبيل الوهم، إلّا أن الذين سبقوه أشاروا إلى بعض هؤلاء من خلال ترجمتهم في الصحابة، لكنه لم يسبق أيضا في بيان سبب الوهم أو الذهول مع تحقيق فريد [20].
ثانيًا: اعتنى الحافظ ابن حجر بضبط الأسماء والألفاظ بالقلم في الغالب، وفي مواضع قليلة عرف بالأعلام البلدانية والمواضع التي يرد ذكرها في أثناء التراجم، ومثال ذلك ضبطه ترجمة (خُفَاف) ترجمة (2281).
ثالثًا: ذكر المؤلف في المقدمة فصولاً مهمة يُحتاج إليها في معرفة الصحابة؛ وهي: الفصل الأول في تعريف الصحابي, والفصل الثاني في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيًا، والفصل الثالث في بيان حال الصحابة من العدالة[1].
رابعًا: يذكر عمن روى الراوي ومن روى عنه، فيُبيِّن بذلك مكانة المُترجم، كما في ترجمة خالد بن الوليد رضي الله عنه، (الترجمة: 2210)، حيث ذكر أنه روى عنه ابن عباس وجابر، والمقدام بن معديكرب، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس وآخرون، كما أنه يذكر من أخرج حديثه من أصحاب الكتب
خامسًا: التكرار في بعض التراجم، حيث يعيد ذكر بعض الأسماء، ومثال ذلك: في ترجمة (خارجة بن الحمير، الترجمة 2143، طبعة هحر جـ3/ 125) قال: ويُقال: حارثة، وهو الأصح، تقدَّم في الحاء المهملة. وكثيرًا ما يكون ذلك إذا كان الرجل المترجم صحابي ابن صحابي، فإنه يُطوِّل في نسب الأب، ويقول في ترجمة الابن: تقدم نسبه في ترجمة أبيه.
سادسًا: حرص ابن حجر على الإحالة إلى ما سبق ذكره وإلى ما سوف يأتي لاحقا في الإصابة، ولا يفتأ ينبه القارئ على ذلك، كما استعمل في الإحالة عبارات مثل: "سيأتي في القسم الثالث"، أو "سأوضح ... ذلك في العبادلة".
سابعًا: تظهر بوضوح شخصية الحافظ ابن حجر، حيث يحكم على الأسانيد التي يوردها في كتابه، كما هي عادته في سائر كتبه، وفي أحكامه هذه فائدة زائدة هنا؛ وهي التأكُّد من كون المترجم صحابيًا أو ليس بصحابي، ومثال ذلك عند ترجمته لأزهر بن مِنقَر (الترجمة: 83).
ثامنًا: تتفاوت التراجم طولًا وقصرًا من ترجمة لأخرى، ففي حين نجد سطرًا أو سطرين لترجمة ما، نجد صفحات مطولة لأخرى، كما فعل في ترجمة الخضر عليه السلام (الترجمة: 2279)، فكان مجمل عدد الصفحات ما يزيد عن السبعين صفحة، على حين أن الترجمة السابقة (خصفة التميمي، رقم 2278) على ترجمة الخضر عليه السلام لم تتجاوز سطرين ونصف.
[1] ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: دار هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية،الطبعة: الأولى 1429هـ- 2008م، جـ1/ 9-10.
[2] ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، جـ11/ 510. شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، جـ1/ 406.
[3] ابن حجر العسقلاني: تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، تحقيق: محمد علي النجار - علي محمد البجاوي، الناشر: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر 1967م، جـ3/ 963-964.
[4] ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، الناشر: مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة: الطبعة الأولى، 1326هـ، جـ 8/ 389.
[5] ابن فهد المكي: لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، جـ1/ 213. ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، جـ2/ 25.
[6] السيوطي: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر : دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر، الطبعة : الأولى 1387 هـ - 1967م، جـ 1/ 55.
[7] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ2/ 681.
[8] أبو الطيب التقي الفاسي: ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد، جـ1/ 354.
[9] شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، جـ1/ 437، جـ2/ 229.
[10] الترجمة (2123/ جـ3/ 113-114، طبعة: هجر 1998م).
[11] انظر دراسة مختصرة عن كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة"، موقع الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها. دراسة منشورة على الموقع الإلكتروني للجمعية : رابط:
[12] شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، جـ2/ 229- 272. بتصرف.
[13] شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، جـ2/ 5.
[14] أكرم ضياء العمري: عصر الخلافة الراشدة - محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين، الناشر: مكتبة العبيكان 1414هـ، ص38.
[15] ونظرا لقصر المقام، فلن نذكر كل المصادر التي أخذ منها الحافظ ابن حجر، وإنما نورد أشهر أنواع العلوم والمعارف، مع أشهر الكتب المصنَّفة فيها.
[16] للمزيد انظر: شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، جـ2/ 5- 198. بتصرف.
[17] يبدأ الجزء الثالث بـ (القسم الثاني من حرف الحاء المهملة الترجمة (1908)، وينتهي بالقسم الرابع من حرف الراء (2787).
[18] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، جـ1/ 13.
[19] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، جـ1/ 15.
[20] شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، جـ1/ 411.
[1] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، جـ1/ 16-29.
قصة الإسلام .