أبو الملوك "عثمان بن أرطغرل" مؤسس الدولة العثمانية
ترك برس
كثيرون هم من استطاعوا أن يُسّطروا عناوين النصر والمجد في حياتهم، ولكن قليلون من تمكنوا أن يورثوا هذه الأمجاد لأبنائهم، بل جعل هذا المجد ميراثا في ذريته على مدى قرون عديدة، نتحدث هنا عن القائد العثماني عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية.
نتعرف في هذا التقرير على سيرة وحياة أَبُو المُلُوك، السُّلطان الغازي عُثمان خان الأوَّل بن أرطُغرُل بن سُليمان شاه القايوي التُركماني.
اسمه عثمان بن سليمان شاه التركماني، المعروف بعثمان الأول، والذي يرجع نسبه إلى التركمان النزالة، الرحالة من طائفة التتار والمغول.
يعتبر عثمان الأول، مُؤسس السُلالة العُثمانيَّة التي حكمت البلقان، والأناضول، والمشرق العربي، وشمال أفريقيا طيلة 600 عام، إلى أن انتهت عقب إعلان قيام الجُمهوريَّة التُركيَّة سنة 1922م.
كما أن عثمان كان قد شغل منصب زعيم عشيرة "قايى" التُركيَّة، وعامل سلاجقة الروم على إحدى إمارات الثُغور الأناضوليَّة.
وُلد عُثمان الأوَّل في بلدة "سوغوت" Sogud" التابعة للأناضول" سنة 656هـ المُوافق سنة 1258م، ووالده هو الأمير أرطُغرُل الغازي، وكان عامل سلاجقة الروم على إحدى الثُغور المُطلَّة على بحر مرمرة.
وصُودف أن يُولد عثمان في ذات اليوم الذي سقطت فيه مدينة بغداد في أيدي التتار، وكانت عاصمة الدولة العبَّاسيَّة، وحاضرة الخِلافة الإسلاميَّة، أي كانت الأمة الإسلامية في حالة ضعف، وتسلط من أعدائها، فنشأ 'عثمان' محبًا للجهاد، مشحونًا بالإيمان، تشتعل بداخله رغبة عارمة في استعادة أمجاد المسلمين، والانتقام من أعداء الإسلام.
وكان 'عثمان' ملازمًا لأبيه أرطغرل في جهاده ضد الصليبيين، وأيضا ملازما لأحد علماء الدين الصالحين الورعين، واسمه الشيخ 'إده بالي' القرماني، والذي تعلم على يديه، وتزوج ابنته "مال خاتون" بعد ذلك.
وتولّى عُثمان شؤون إمارة "قايي"، وزعامة العشيرة التركمانية، بعد وفاة والده أرطغرل، فأخلص الولاء للسلطنة السُلجوقيَّة، على الرُغم مما كانت تتخبَّط فيه من اضطراب، وما كان يتهدَّدها من أخطار.
وقاد عثمان قبيلته، وواصل بها غزواته، حتى فتح قلعة "قره" سنة 688 هـ، الموافقة سنة 1289م، وبعدها منحه السلطان السلجوقّي علاء الدين لقب "بيك"، وأقطعه جميع الأراضي التي فتحها، وأجاز له ضرب العملة باسمه، وأن يذكر اسمه في خطبة الجمعة.
وتابع فتوحاته، ففتح مدن "اينه كولي" و"يني شهر" و"كوبري حصار" و"بلجك" وغيرها.
وفي سنة 1295م، شرع عُثمان بمُهاجمة الثُغور"البيزنطيَّة" باسم السُلطان السُلجوقي علاء الدين، وباسم الخليفة العبَّاسي، ففتح عدَّة حُصون، وقاد عشيرته إلى سواحل بحر مرمرة، والبحر الأسود.
وحين تغلَّب المغول على سلاجقة الروم، وقضوا على دولتهم، تسلم عثمان مقاليد الحكم والسلطنة،، فقد حصل أن هاجم المغول في عام 1300م مدينة "قونية"، وقتل أثناء تلك الهجمة السلطان "علاء الدين"، وابنه "غياث الدين"، ولم يكن هناك من يخلفه غير عثمان لقدرته وكفاءته، فانفتح بذلك أمامه عهد الحكم، واستأثر بجميع الأراضي، ولقب بـ"بادي شاه آل عثمان"، وجعل مقر ملكه مدينة "يني شهر" أي المدينة الجديدة، وأخذ في تحصينها وتحسينها.
وقيل: إنه لما مات السلطان علاء الدين السلجوقي في قونية، ولم يكن له ذرية، اجتمع الوزراء والأعيان، وقرروا أنه لا يليق للسلطنة سوى عثمان "الغازي"، فعرضوا عليه هذا الأمر، فأجاب طلبهم، فكان بذلك المُؤسس الحقيقي لِدولةٍ تُركيَّةٍ كُبرى نُسبت إليه فيما بعد، فعُرفت «بالعُثمانيَّة».
وواصل عثمان توسيع دائرة الفتوحات الإسلامية، وأرسل إلى جميع أمراء الروم ببلاد آسيا الصغرى، يخيرهم بين ثلاثة أمور، الإسلام أو الجزية أو الحرب، فأسلم بعضهم وانضم إليه، وقبل بعضهم بدفع الجزية له، اما الباقون هيأ جيشه لمحاربتهم.
وكانت سياسة عثمان في توغله داخل الدولة البيزنطية قائمة على: مواجهة كل إقليم على حدة، واتباع أسلوب الحصار طويل المدى، ثم إقامة الحاميات العسكرية في المناطق التي يتم فتحها، ليضمن عدم تمردها عليه، ثم نشر الإسلام بين أفرادها، فضلا عن المعاملة الحسنة التي كان يعامل بها أهل كل منطقة، بعد أن تسقط في يده.
وأسس أول أسطول عثماني في "كرامرسل"، ويقع في جنوب خليج أزميت، ولكنّ المرض أنهكه خلال حصار مدينة "بورصا"، فترك الولاية والإدارة لابنه أورخان، وهو ثاني أولاده، بعد أن رآه أفضل وأكثر تهيُئًا لِزعامة الإمارة، وقيادة الدولة من أخيه الأكبر علاء الدين، الذي اتصف بالورع الديني، وميله إلى العُزلة .
وتوفي عثمان بسبب مرض المفاصل "النقرس" عام 1324م، حيث قضى في السلطنة ما بين 26 و27 سنة، ودفن بداية في "سوغوت"، ولكن وبعد أن تم فتح مدينة بورصة، تم تنفيذ وصيته ودفن فيها.
واشُتهر عُثمان الأوَّل ببساطة العيش والملبس، لِتأثره بِمُعتقدات الدراويش الصوفيَّة، وكان بعيدًا عن الترف والبذخ، وكان يعتبر أنَّ الأموال والغنائم من حق الناس أجمعين، وليست حكرًا على الأُمراء، فحافظ على نمط حياته كشيخٍ لِعشيرة "قايى"، وحافظ على التقاليد التُركيَّة القديمة التي تحكم العلاقة بين الشيخ وأفراد العشيرة، وهي تقاليد سابقة على الإسلام لم يهجرها التُرك، كونها تنسجم مع تعاليم الشريعة الإسلاميَّة.
وكان من جملة ما جاء في وصيته لابنه قوله: "يا بني! إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلًا، يا بني! أحِط من أطاعك بالإعزاز، وأنعم على الجنود، ولا يغرنك الشيطان بجندك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة، يا بني: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله رب العالمين، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضاة الله جل جلاله، يا بني لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل".