سقوط الأندلس.. حكاية الفردوس المفقود
الدولة: العالم الإسلامي
الأندلس، إقليم يقع في أوروبا الغربية بجزيرة أيبيريا، فتحه المسلمون وأقاموا فيه ثمانية قرون، بنوا خلالها مجدا وحضارة أضاءت الطريق للنهضة الأوروبية فيما بعد، لكنهم خسروه بسبب الصراعات وحياة الترف واللهو، وكانت غرناطة آخر جواهر الأندلس التي فقدت عام 1492 للميلاد.
الفتح
أرسل القائد موسى بن نصير في عهد الخلافة الأموية (662 ـ 750 ميلادية) القائد الشاب الأمازيغي طارق بن زياد عام 711 للميلاد بجيش إلى القوطيين (قبائل ذات أصول جرمانية تعود جذورها إلى مناطق شرق أوروبا) وانتصر عليهم في معركة جواد ليتي (وادي برباط). وبعد الانتصار أصبحت الأندلس تحت الحكم الأموي.
وانتشر الإسلام في الأندلس بعد فتحها من طرف المسلمين، وأصبحت في عهد خلافة الأمويين تحديدا من أكثر دول العالم علما ومدنية وتحضرا، واستقطبت الباحثين عن العلم والمعرفة من مختلف بقاع أوروبا والعالم.
وبعد سقوط الخلافة الأموية عام 132 هجرية، سادت الأندلس حالة من الفوضى والارتباك، وفي عام 995 للميلاد (385 للهجرة) قامت كل طائفة أو عائلة بارزة بإعلان الاستقلال في مدينة من المدن وما يحيط بها، فتمزقت الأندلس إلى 21 دويلة وبدأت فترة حالكة في تاريخها.
ومرت فترة ملوك الطوائف بضعف ونزاعات وخلافات كثيرة، وانتهزت الممالك الإسبانية هذه الفرصة للقيام بحركة استرداد كبيرة، ونجح الملك فرديناند الأول في الاستيلاء على العديد من المدن الإسلامية.
وهاجم الإسبان المسلمين وانتصروا عليهم في طليطلة عام 1085 ميلادية وسيطروا على المدينة، فانتهى عهدهم بها.عهد المرابطين والموحدين
بعد سقوط طليطلة، شكل علماء المسلمين وفدا للتوجه نحو المغرب الأقصى حيث كانت دولة المرابطين في أوج قوتها طالبين التدخل لوقف زحف الإسبان، ووافق يوسف بن تاشفين (مؤسس دولة المرابطين عام 1056 للميلاد) على طلب الوفد الأندلسي.
وحقق المرابطون في السنة الموالية انتصارا كبيرا على النصارى في معركة "الزلاقة" عام 1086 (479 للهجرة) لكنهم لم يتمكنوا من استعادة طليطلة.
وبعد فترة طويلة، انهار حكم المرابطين في الأندلس بسبب فشلهم بالدفاع عن مدينة سرقسطة الأندلسية، وقيام الثورة في دولة المغرب التي أثرت سلبا عليهم.
ثم تحول حكم الأندلس للموحدين الذين دافعوا عن الدولة في عدة مواقع بكل قوتهم، وظل الحكم للموحدين إلى أن انتهى حكمهم بعد هزيمة موقعة "العقاب" عام 1212 ميلادية (609 للهجرة).
و"الموحدون" حركة قادها محمد بن تومرت الذي نجح بتأسيس دولة حكمت في شمال أفريقيا، وامتد سلطانهم إلى الأندلس ما بين عامي 1130 و1269 للميلاد.
سقوط غرناطة
بدأت الأندلس بالسقوط الكبير الذي أخلاها من الحكم الإسلامي. ويوم 2 يناير/كانون الثاني 1492 (897 هجرية)انتهى وجود المسلمين بالأندلس مع سقوط مدينة غرناطة -التي كانت أخر معاقل المسلمين- بعد حوالي أربعة قرون من حروب شنتها ممالك الشمال المسيحية على الثغور الأندلسية فيما سُمي بحروب الاسترداد.
وسقطت غرناطة بتوقيع آخر ملوكها أبي عبد الله الصغير معاهدة استسلام مع الملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، وانتهت بذلك الخلافة الإسلامية في شبه الجزيرة الأيبيرية.
وقبل غرناطة، كانت بداية السقوط مع بامبلونا بشمال البلاد عام 748 ميلادي، ثم برشلونة عام 985، ولم يمض 12 عاما حتى كانت مدينة سنتياغو قد سقطت عام 997 للميلاد، وتلتها مدينة ليون بعد خمسة أعوام.
وبعد أن هدأت ما تسمى "حروب الاسترداد" لحوالي ما يقرب من نصف قرن، استأنفت وسقطت مدينة سلمنقة عام 1055 للميلاد، وبعد تسعة أعوام تبعتها مدينة قلمرية عام 1064، وبعد توقف دام 19 عاما سقطت مدريد عام 1084 للميلاد، وفي العام التالي نجح الملك ألفونسو السادس في انتزاع طليطلة من أيدي المسلمين.
ولم تتوقف القوات المسيحية عند غرناطة، إذ سرعان ما توجهت نحو بلدان شمال أفريقيا وسيطرت على مناطق عدة بينها مدينة مليلية المغربية عام 1492 في السنة التي سقطت فيها غرناطة، وقبلها سيطر البرتغاليون على سبتةالمغربية عام 1415 مستغلين في ذلك انهيار قوة المغرب الأقصى.
وخرج آلاف المسلمين واليهود من الأندلس باتجاه الشمال الأفريقي واستقروا بمدن عدة، فرارا من واحدة من أسوأ مجازر القتل والذبح والتعذيب في التاريخ، عرفت بمحاكم التفتيش والتي ما تزال بعض متاحف إسبانيا تحتفظ بوسائل تنفيذها.
وقد خلد الشاعر الشهير أبو البقاء الرندي سقوط الأندلس بقصيدته الشهيرة التي قالها فيها:
لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ *** فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ
وتؤكد معظم المصادر أن أسباب سقوط الأندلس تعود إلى انخراط حكامها في حروب لا تنتهي بينها حفاظا على السلطة والجاه، وهي حروب ونزاعات أججها خصوم المسلمين، إلى جانب الانغماس في حياة الترف واللهو، والمبالغة في الإنفاق بدل الدفاع عن الأرض التي فتحها أسلافهم.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية