اضطِرابُ تَشَوُّهِ الجِسم
اضطِرابُ تَشَوُّهِ الجِسم أو اضطِرابُ صورة الجِسم body dysmorphic disorder (BDD) هو أحدُ اضطرابات القلق، يؤدِّي إلى نظرة مشوَّهة أو غير حقيقيَّة من الشخص لنفسه، حيث ينفق الكثيرَ من الوقت منشغلاً بمظهره وشكله. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يقنعَ هذا الشخصُ نفسَه بأنَّ ندبةً بالكاد مرئيَّة هي عيب كبير تلفت انتباهَ الجميع، أو أنَّ أنفَه يبدو غيرَ طبيعي.
ولكنَّ إصابةَ الشخص باضطِراب صورة الجِسم لا تعني أنَّه مصابٌ بالوسواس أو بخلل نفسي.
ما هو اضطِرابُ صورة الجِسم
لا يزال سببُ اضطِراب صورة الجِسم غيرَ واضِح؛ وقد يكون وراثياً أو ناجماً عن اضطراب في التوازن الكيميائي الدماغي.
ويمكن أن تمارسَ تجاربُ الحياة السابقة دوراً أيضاً؛ فمثلاً، قد يكون اضطِرابُ صورة الجِسم أكثرَ شيوعاً في الأشخاص الذي تعرَّضوا للسخريَّة أو التنمُّر أو سوء المعاملة في مرحلة الطفولة.
متى يتحوَّل نقصُ الثقة بالنفس إلى اضطِراب صورة الجِسم؟
إنَّ كلَّ شخص تقريباً يشعر في فترةٍ ما من حياته بعدم الرضا عن الطريقة التي يبدو بها، لكنَّ هذه الأفكارَ تأتي وتذهب عادةً، وقد يطويها النسيان.
أمَّا بالنسبة إلى المصاب باضطِراب صورة الجِسم، فتكون هذه الأفكارُ مزعجةً جداً، ولا تنصرف وتؤثِّر بشكلٍ ملحوظ في الحياة اليوميَّة.
يعتقد الشخصُ أنَّه قبيحُ الشكل أو لديه عيوب، وأنَّ الآخرين يرونه على هذه الشاكلة، مع أنَّهم يحاولون طمأنتَه بأنَّ مظهرَه طبيعيّ.
من يُصاب بهذه الحالة؟
يُقدَّر بأنَّ زُهاء 1 من كل 100 شخص في المملكة المتَّحدة، على سبيل المثال، وربَّما تكون النسبةُ أكبرً من ذلك. ويبدو أنَّ النسبةَ متساويةٌ تقريباً بين الرجال والنساء.
يمكن أن تُصيبَ هذه الحالةُ جميعَ الفئات العمريَّة، لكنَّها تبدأ عادةً عندما يكون الشخصُ مراهقاً أو شاباً، وفي هذا السنّ يكون الناسُ أكثرَ حساسيةً تجاه مظهرهم بشكلٍ عام.
يعدُّ اضطِرابُ صورة الجِسم أكثرَ شيوعاً في الذين لديهم تاريخٌ للاكتئاب أو الرُّهاب الاجتماعي social phobia. كما يحدث في الاضطراب الوسواسي القَسري obsessive compulsive disorder (OCD) أو اضطِراب القَلَق المعمَّم generalised anxiety disorder، وفي اضطرابات الأكل مثل النُّهام bulimia والقهم anorexia.
التصرُّفات أو أنواع السلوك لدى المصابين باضطِراب صورة الجِسم
يمكن أن يؤثِّرَ اضطِرابُ صورة الجِسم تأثيراً كبيراً في الحياة اليوميَّة، على مستوى العمل والحياة الاجتماعيَّة والعلاقات الشخصيَّة؛ فقد يلجأ الشخصُ إلى ما يلي:
- المقارنة المستمرَّة لمظهره مع الآخرين.
- إنفاق الكثير من الوقت أمامَ المرآةُ، في حين تمرُّ أوقاتٌ يتجنَّب فيها النظر في المرآت مطلقاًَ.
- إنفاق الكثير من الوقت في إخفاء ما يعتقد أنَّه عيب.
- الانزعاج من منطقة معيَّنة في الجسم (لاسيَّما الوجه).
- الشعور بالقلق عند وجود الآخرين، وتجنُّب المناسبات الاجتماعيَّة.
- التكتُّم والتردُّد في طلب المساعدة، لأنَّه يعتقد أنَّ الآخرين سينظرون إليه كمريض أو مُصاب بالوسواس الذاتي.
- طلب المعالجة الطبِّية لتصحيح عَيبٍ يتعتقد بوجوده؛ فمثلاً، قد يسعى إلى جراحة تجميَّلية من الأرجح ألاَّ تخفِّف من الشدَّة النفسيَّة التي يعاني منها.
- الإسراف في النشاط البدني والتركيز كثيراً على النظام الغذائي.
مع أنَّ اضطِرابَ صورة الجِسم يختلف عن الاضطراب الوسواسي القَسري، لكن هناك بعض أوجه التشابه؛ فمثلاً، قد يجد المريضُ نفسَه مدفوعاً إلى تكرار بعض التصرُّفات، كتمشيط شهرع أو تطبيق المكياج أو تمليس الجلد.
كما يمكن أن يؤدِّي اضطِرابُ صورة الجِسم إلى الاكتئاب وإيذاء النفس، وحتَّى إلى أفكار الانتحار.
طلب المساعدة
غالباً ما يرفض المصابون باضطِراب صورة الجِسم المساعدةَ، لأنَّهم يشعرون بالخجل أو الحَرَج.
ولكن، إذا كان الشخصُ مصاباً باضطِراب صورة الجِسم، فليس هناك ما يدعو إلى الخجل أو الحَرَج. وهو حالةٌ صحِّية مزمنة، مثل الكثير من الحالات الجسديَّة، وهو ليس خطأ المريض.
طلبُ المساعدة مهمّ، لأنَّه ليس من المرجَّح أن تتحسَّنَ الأعراضُ إذا تُرِكت من دون معالجة، بل قد تتفاقم.
يجب زيارةُ الطبيب إذا شكَّ الشخصُ بأنَّه مصابٌ باضطِراب صورة الجِسم؛ وفي هذه الحالة، يمكن أن يسألَ الطبيبُ في البداية عدداً من الأسئلة حولَ الأعراض وتأثيرها في المريض، كما يلي:
- هل يشعر المريضُ بكثيرٍ من القلق حولَ مظهره، وهل يرغب بأنَّ يقلَّ هذا الشعور.
- ما هي بالضبط الأمورُ التي تشغل المريض حول مظهره.
- كم يقضي المريضُ من الوقت وهو مشغول بمظهره عادةً.
- ما مدى تأثير هذه المشاغلُ في حياة المريض.
- هل يؤثِّر ذلك بشكل سلبي في عمل المريض أو علاقاته.
وبعد هذه الأسئلة، قد يحيل الطبيبُ المريضَ إلى اختصاصي في الصحَّة النفسية لمزيد من التقييم أو المعالجة.
معالجة اضطِراب صورة الجِسم
تؤدِّي المعالجةُ إلى تحسُّن الأعراض عندَ كثير من المرضى.
تعتمد المعالجاتُ النوعيَّة الموصى بها على شدَّة تأثير المرض في الحياة اليوميَّة للشخص.
إذا كان الشخصُ مصاباً بشكلٍ خفيف من اضطِراب صورة الجِسم، يمكن أن يُحالَ لشكلٍ من المعالجة الكلاميَّة يُدعى المعالجة السلوكية المعرفيَّة cognitive behavioural therapy (CBT). أمَّا الحالاتُ الأكثر شدَّةً فقد تحتاج إلى تناول نوع من الأدوية يُسمَّى مثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة selective serotonin reuptake inhibitor (SSRI) أو نوع مكثَّف من المعالجة السلوكية المعرفيَّة.
المعالجة السلوكية المعرفيَّة
هي نوعٌ من المعالجة قد يساعد على تدبير المشاكل عندَ المرضى، من خلال تغيير طريقة التفكير والسلوك. ولابدَّ من التعاون مع المعالِج لتحقيق بعض الأهداف، مثل التوقُّف عن التفكير الوسواسي بالمظهر.
وهناك عنصرٌ مهمّ في المعالجة السلوكية المعرفيَّة، عندَ تدبير اضطِراب صورة الجِسم، يُعرَف باسم التعريض المتدرِّج ومنع الاستجابة graded exposure and response prevention (ERP). ويقوم ذلك على مواجهة المواقف أو الظروف التي تجعل لدى الشخص وسواسٌ تجاه مظهره، بحيث يكون قادراً على التكيُّف التدريجي بشكلٍ أفضل مع هذه الظروف بمرور الوقت.
وكجزءٍ من المعالجة، يمكن أن يعطى المريض بعض الموادّ التي تعينه في المنزل؛ وقد يُطلَب منه المشاركة في بعض الأعمال الجماعيَّة.
مثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة
هي نوعٌ من مضادَّات الاكتئاب تزيد من مستويات مادَّة كيميائية في الدماغ تُسمَّى سيروتونين؛ والسيروتونين هو مادَّة كيميائية يستعملها الدماغُ لنقل المعلومات من خلية دماغيَّة إلى أخرى.
يتوفَّر عددٌ من مثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة المختلفة، لكن أكثر ما يُستعمَل عندَ المصابين باضطِراب صورة الجِسم هو فلوكسيتين fluoxetine.
ينبغي تناولُ هذا الدواء يومياً، وقد يستغرق ظهورُ تأثيره 12 أسبوعاً. وإذا كان تأثيرُه فعَّالاً، يجب الاستمرار في تناول لمدة 12 شهراً على الأقلّ، للسماح بمزيدٍ من التحسُّن والوقاية من النُّكس.
عندما تكتمل المعالجةُ وتصبح الأعراضُ تحت السيطرة، يجب تقليلُ جرعة مثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة تدريجياً للحدِّ من احتمال أعراض السحب أو الامتناع withdrawal symptoms.
تشتمل التأثيرات الجانبيَّة لمثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة على الصداع والتهيُّج أو الارتعاش والتوعُّك. ولكن، تنصرف هذه التأثيراتُ في غضون أسابيع قليلة غالباً.
يحتاج البالغون دون عمر 30 سنة إلى مراقبة عن كَثَب عند استعمال مثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة، بسبب الزيادة في احتمال ظهور أفكار انتحاريَّة وإمكانية إيذاء النفس في المراحل الأولى من المعالجة.
المعالجة الإضافية
إذا لم تنفع مثبِّطاتُ استرداد السيروتونين الانتقائيَّة في تحسين الأعراض، يمكن أن يثوصَف للمريض نوعق مختلف من مضادَّات الاكتئاب يُدعى كلوميبرامين clomipramine.
في بعض حالات اضطِراب صورة الجِسم التي تستعصي على العلاج، قد يُحال المريضُ إلى مراكز متخصِّصة في معالجة هذه المشكلة.
المصدر / صحتك الجسدية والنفسية الشيخ عباس محمد