اضطرابُ تبدُّد الشخصيَّة والمحيط

تحدث الإصابةُ باضطراب تبدُّد الشخصيَّة (Depersonalization) وتبدد المحيط (أو الغربة عن الواقع - Derealization) عندما يشعر المريضُ بشكلٍ مستمرٍّ أو متكرِّر بأنَّه يراقب نفسَه من خارج جسمه، أو عندَ شُعورِه بأنَّ الأشياءَ المُحيطة به ليست حقيقيَّة، أو عندَ الشعور بالأمريين معاً. ويمكن أن تكونَ هذه الحالةُ مزعجةً جداً، وقد يشعر المريض بأنَّه يعيش في حلم.
يمرُّ الكثيرُ من الناس بتجربة تبدُّد الشخصيَّة أو المحيط في مرحلةٍ ما من حياتهم. ولكن، عندما تبقى هذه المشاعرُ مستمرَّة الحدوث، أو لا تَزُول بشكلٍ كامل، فإنَّها تُعدُّ حالةً مَرَضيَّة؛ ويكون هذا الاضطرابُ أكثرَ شيوعاً عندَ الأشخاص الذين مرَّوا بتجارب مؤلمة أو صادِمَة.
يمكن أن يكونَ هذا الاضطرابُ شديداً، وقد يؤثِّر في علاقات المريض وعملِه وأنشطته اليوميَّة الأخرى.
يكون العلاجُ الرئيسي لهذه الحالة هي العلاج بالتحدُّث أو المخاطبة (نوع من العلاج النفسي)؛ كما يمكن استعمالُ بعض الأدوية في العلاج أحياناً.



الأعراض
  • تُؤدي العوارضُ المستمرَّة والمتكرِّرة من تبدُّد الشخصيَّة أو المحيط أو كليهما معاً إلى الشعور بالضيق، وحدوث مشاكل في العمل أو المدرسة أو في مجالات مهمَّة أخرى من الحياة.
  • يدرك المريض، خلال هذه النوبات، بأنَّ إحساسَه بالانفصال عن الواقع هو مجرَّد شعور، وليس شيئاً واقعياً.
  • يمكن أن يكونَ من الصعب وصفُ المعاناة والمشاعر في هذا الاضطراب. وقد يُسبِّب القلقُ من "الاتجاه نحو الجنون" استغراقَ المريض في التحقُّق من وجودِه، وتحديد ما هو حقيقي فعلاً.

أعراض تبدُّد الشخصيَّة
تشتمل أعراضُ تبدُّد الشخصيَّة ما يلي:
  • الشعور بأنَّ أفكارَ المريض ومشاعرَه مُراقَبةٌ خارجيَّاً، وأنَّ جسمَه أو أجزاءً من جسمه ربَّما تبدو وكأنَّها تطفو في الهواء فوقه.
  • شعور المريض بأنَّه مثل الرجل الآلي أو بأنَّه لا يتحكَّم بنطقه أو بحركاته.
  • شعور المريض بأنَّ أجزاءَ جسمه أو ساقيه أو ذراعيه تبدو مشوَّهة أو مُتضخِّمة أو منكمشة، أو أنَّ رأسَه ملفوفٌ بالقطن.
  • الخَدَر النَّفسي أو الجسدي أو العاطفي في حواسِّه أو استجاباته للعالم المُحيط به.
  • شعور المريض بأنَّ ذكرياتِه تفتقر إلى العاطفة، وأنَّها يمكن أو لا يمكن أن تكونَ ذكرياته الخاصَّة به.

أعراض تبدُّد المحيط
تشتمل أعراض تبدُّد المحيط على:
  • الشُّعور بالنُّفور أو عدم التآلف مع المحيط، وربَّما يشعر أنَّه يعيش في فيلم.
  • شعور المريض بالانفصال العاطفي عن الأشخاص الذين عليه الاهتمام بهم، كما لو أنَّه يفصله لوحٌ زجاجيٌّ عنهم.
  • شعور المريض بتشوُّش البيئة المحيطة به أو غموضها أو انعدام لونها أو ثنائيَّة أو وهميَّة أبعادها أو فرط إدراكها ووضوحها.
  • تشوُّشٌ في إدراك الزمن، كالشعور بالأحداث الأخيرة وكأنَّها من الماضي البعيد.
  • تشوُّش في تقدير مسافة الأجسام وحجمها وشكلها.
  • يمكن أن تستمرَّ نوباتُ اضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط لعدَّة ساعات أو لأيَّام أو لأسابيع، أو حتى لأشهر أحياناً.
  • قد تتحوَّل هذه المشاعرُ لدى بعض المرضى إلى مشاعر مستمرَّة من تبدُّد الشخصيَّة أو المحيط، والتي يمكن أن تسوء أو تتحسَّن بشكلٍ دوريّ.
  • في هذا الاضطراب، لا تنجم مشاعرُ تبدُّد الشخصيَّة والمحيط بشكلٍ مباشر عن استعمال الأدوية أو الكحول أو اضطراب ما في الصحة النفسيَّة أو عن حالة طبيَّة.




متى ينبغي مراجعة الطبيب؟
يُعدُّ الشعورُ العابر بتبدُّد الشخصيَّةِ أو المحيط شائعاً، وهو ليس - بالضرورة - سبباً للشعور بالقلق أو الخوف. ولكنَّ المشاعرَ المستمرَّة أو الشديدة بالانفصال عن الواقع وتشوُّه المحيط يمكن أن تكونَ علامةًً على الإصابة باضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط أو باضطرابٍ آخرَ في الصحَّة البدنيَّة أو النفسيَّة.
ينبغي مراجعةُ الطبيب عندَ الشعور بتبدُّد الشخصيَّةِ أو المحيط، وذلك في الحالات التالية:
  • الانزعاج أو الاضطراب العاطفي.
  • أن تكونَ الأعراضُ مستمرَّة أو ناكسة.
  • تداخلُ الحالة المَرضيَّة مع العمل والعلاقات والأنشطة اليوميَّة.





الأسباب
يحدث تبدُّدُ الشخصيَّة من خلال تغيُّرٍ في جزءٍ من الدماغ مسؤول عن توفير الوعي "الحقيقي" لبيئتنا. ويرتبط هذا الجزءُ من الدماغ باللوزة المخيَّة مباشرةً، وهي منطقةٌ في الدماغ مسؤولة عن القلق.
يمكن أن ترتبطَ أعراضُ اضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط بما يلي:
  • صدمات الطفولة، مثل الاضطهاد اللفظيِّ أو العاطفيّ أو مشاهدة العنف المنزلي.
  • التنشِئة بوجود اضطراب ملحوظٍ في الصحة النفسيَّة لدى أحد الوالدين.
  • الانتحار أو الموت غير المتوقَّع لأحد الأصدقاء المقرَّبين أو لأحد أفراد الأسرة.
  • وجود ضغط نفسي شديد، مثل وجود مشاكل في العلاقات أو ماليَّة أو متعلِّقة بالعمل.
  • حدوث صدمة شديدة، مثل حادث سيَّارة.




عوامل الخطر
مع أنَّ اضطرابَ تبدُّد الشخصيَّة والمحيط يمكن أن يحدثَ عند أيِّ فرد، لكن يزداد خطرُ حدوثه في الحالات التالية:
  • وجود سِمات شخصيَّة تجعل الفردَ يرغب في تجنُّب أو رفض المواقف الصعبة، أو وجود مشكلة في التكيُّف مع المواقف أو الظروف الصعبة.
  • المشاركة أو مشاهدة تجربة مؤلمة أو صادمة.
  • فترة منتصف إلى أواخر سنِّ المراهقة أو المرحلة الأولى من الشباب، حيث إنَّ الإصابةَ باضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط نادرةُ الحدوث عندَ الأطفال وكبار السن.

حتَّى لو لم يكن لدى الفرد اضطرابُ تبدُّد الشخصيَّة والمحيط، فإنَّ الشعورَ بذلك يمكن أن يُثارَ بما يلي:
  • وجود اضطرابات أخرى في الصحة النفسيَّة، كالاكتئاب أو القلق.
  • استعمال مواد مُسبِّبة للهلوسة، مثل مُحدِثات الهَلوَسَة أو الماريجوانا.
  • وجود حالات طبيَّة أو جسديَّة، مثل نوبات الصَّرَع أو إصابات الرأس.




الاختبارات والتشخيص
لتشخيصِ اضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط، ينبغي استيفاء معايير الأعراض الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسيَّة للرابطة الأمريكية للطبِّ النفسي.
يشتمل هذا الدليلُ على التعريفات التالية:
  • تبدُّد الشخصيَّة: الشعور بانعدام الواقع أو الشعور بالانفصال عن التفكير أو العواطف أو الجسم؛ أو الشعور بوجود مراقب خارجي يراقب أفكارَ الفرد أو مشاعره أو أحاسيسه أو جسمه أو أفعاله.
  • تبدُّد المحيط أو الغربة عن الواقع: حيث يشعر الفرد باللاواقعيَّة أو بالبُعد عن المحيط، كما لو أنَّه في حلم.
  • لتشخيص اضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط، ينبغي اتِّباع ما يلي:
  • يجب أن يوجدَ شعورٌ مستمرّ أو متكرِّر بتبدُّد الشخصيَّة أو المحيط أو كليهما معاً.
  • يجب أن يدركَ المريضُ خلال شعوره بتبدُّد الشخصية والمحيط أنَّ ذلك ليس حقيقيَّاً.
  • ينبغي أن تسبِّبَ الأعراضُ ضائقةً كبيرة أو أن تؤثِّرَ في الحياة الاجتماعيَّة أو في العمل أو في مجالاتٍ مهمَّة في الحياة.
  • ينبغي ألاَ تكونَ الأعراض لدى المريض بسبب اضطرابٍ آخر في الصحة النفسيَّة، مثل الفُصام أو اضطراب الهلع.
  • ينبغي ألاَ تكونَ الأعراض بسبب التأثيرات الفيزيولوجيَّة المباشرة للكحول أو المخدِّرات أو الأدوية أو حالة طبيَّة.

قد يحتاج المريضُ إلى المزيد من التقييم أو الاختبارات لاستبعاد احتمال الإصابة باضطراباتٍ أخرى في الصحَّة البدنيَّة أو النفسيَّة وسواها من الأسباب، مثل معاقرة المواد المخدِّرة.




المضاعفات
يمكن أن تكونَ نوباتُ تبدُّد الشخصيَّة أو المحيط مخيفة، حيث قد تُسبِّب:
  • صعوبة في التركيز على أداء المهام أو تذكُّر الأشياء.
  • إعاقة الأداء أو العمل والأنشطة الروتينيَّة الأخرى.
  • حدوث مشاكل في العلاقات مع أفراد العائلة والأصدقاء.





المعالجات والأدوية
يعتمد علاجُ اضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط على الإرشاد أو التوجيه النفسي في الدرجة الأولى، ويُسمَّى كذلك بالعلاج بالتحدُّث أو المخاطبة. كما يمكن إضافةُ أدويةٍ إلى خطة العلاج أحياناً.
تقديم المشورة النفسيَّة: يُساعد هذا على فهم سبب حدوث تبدُّد الشخصيَّة وتبدُّد المحيط، كما يساعد على السيطرة على الأعراض وزوالها. ومن هذه الوسائل العلاجيَّة طريقتان هما العلاج السلوكي المعرفِي والعلاج الديناميكي النفسي. ويمكن أن يتحسَّنَ اضطرابُ تبدُّد الشخصيَّة والمحيط أيضاً عندما تساعد المشورة على علاج حالات نفسيَّة صحِّية أخرى، مثل الاكتئاب.
الأدوية: نظراً لعدم وجود أدويةٍ معتمدةٍ بشكلٍ خاص لعلاج اضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط، لذلك يمكن أن تساعدَ الأدويةُ التي تُستَعمل في تدبير الاكتئاب والقلق على العلاج. ومن الأدوية التي أظهَرَت أثراً في التخلُّص من أعراض هذا الاضطراب، نذكر الفلوكسيتين Fluoxetine والكلوميبرامين Clomipramin والكلونازيبام Clonazepam
التأقلم والدعم: في حين أنَّ اضطرابَ تبدُّد الشخصيَّة والمحيط يمكن أن يبدوَ مخيفاً، ولكنَّه ليس مؤذياً بالضرورة؛ حيث إنَّ إدراك وجود اضطرابٍ في الصحَّة النفسيَّة قابلٍ للعلاج يعدُّ مُطَمئِناً.
وللمساعدة على التعامل مع المصابين بهذا المرض، ينبغي اتِّباع ما يلي:
  • الالتزام باتباع خطة العلاج الموصوفة؛ والتي قد تنطوي على تقديم المشورة مع القيام بممارسة أساليب معيَّنة للمساعدة على إزالة الشعور بتبدُّد المحيط وتبدُّد الشخصيَّة يوميَّاً.
  • يُفضَّل السعيُ إلى العلاج في وقتٍ مبكِّر، لأنَّه يمكن أن يُحسِّنَ من فرص نجاح استعمال هذه الأساليب.
  • التعرُّف إلى الحالة: تتوفَّرُ في الكتب ومصادر الإنترنت معلوماتٍ تناقش سببَ حدوث اضطراب تبدُّد الشخصيَّة والمحيط وطريقة التعامل مع المُصاب بها.
  • التواصل مع الآخرين. ينبغي الحفاظُ على التواصل مع الأشخاص الذين يُقدِّمون الدَّعمَ والرِّعاية، كالأسرة أو الأصدقاء أو رجال الدين أو سواهم.




المصدر / صحتك الجسدية والنفسية الشيخ عباس محمد