عاش منصور زلزل فى نهاية القرن الثامن للميلاد و أوائل القرن التاسع،فهو ينتمى إلى العصر العباسى الأول الذى بلغ فيه الأزدهار الفكرى و الفنى .و كان زلزل من أبناء العامة،نشأ فى الكوفة ومال إلى العزف و الغناء و أصبح أشهر من وقع بالعود فى دولة بنى عباس.
و يروى ابن خلكان و ابن عبد ربه أن زلزل أشتهر بالعزف أكثر من الغناء،و قد اقترن اسمه ببعض مقمات الموسيقى العربية.وهناك مقام لا يزال يستعمل حتى اليوم فى العراق يعرف بأسم المقام المنصورى.كما أن من نغمات السلم فى الموسيقى العربية المعروفة منذ القدم نغمة السيكاءعلى العود،و كانت تعرف بأسم الوسطى أيام زلزل و منها الوسطى القديمة ووسطى الفرس.فجاء زلزل و أستحدث موضعاً جديداً لأستخراج هذا الصوت يتوسط الموضعيين المتقدميين و عرف بأسم "وسطى زلزل".و إلى جانب ما ذكرناه أهتم زلزل بتسهيل صناعة العود فصنع أعواد من أخشاب محلية،و المعروف أن العود كان من أختصاص الفرس الذين سموه البريط (أى صدر البطة لتشابه الشكلين).
و من أشهر الخلفاء الذين أتصل بهم زلزل الرشيد و المأمون.و لأسباب نجهلها غضب الرشيد يوماً على زلزل فسجنه.ولما طال به الأمر راح إبراهيم الموصلى يفكر بوسيلة لأخراجه،وكان إبراهيم زوج أخت زلزل،فأغتنم فرصة وجوده يوماً فى مجلس الرشيد و غنى فى غياب الخليفة:
هل دهرنا بك راجع يا زلزل
أيام يبغينا العدو المبطل
أيام أنت من المكاره آمن
و الخير متسع علينا مقبل ...
و دخل الرشيد،و كان قد سمع الغناء،وقال: " يا إبراهيم ماذا كنت تغنى؟" فقال " خيراً يا سيدى" ،قال "فهاته". فتلكأ إبراهيم ،فقال الرشيد:هاته و لا مكروه عليك،فردد إبراهيم الغناء.فقال الرشيد : أتحب أن تراه؟؟أجاب إبراهيم : و هل ينشر أهل القبور ؟؟ فقال الرشيد: هاتوا زلزل.فجأوا به،فسر به إبراهيم، و أمر الرشيد زلزل،فجلس يعزف على العود وراح إبراهيم يغنى،فأهتز لهما المجلس.و أمر الرشيد بإطلاق سراح زلزل و أجازه.
و عندما تسلم المأمون الخلافة بعد مقتل أخيه الأمين،انهم الشاعر دعبل الخزاعى كلاً من إبراهيم الموصلى و زلزل بالتدخل فى شؤون الخلافة.
و قد توفى زلزل عام 175 هـ (791م) و كانت له جارية رباها و علمها الضرب و الغناء حتى برعت فيهما.فلما مات بلغ إسحق الموصلى أنها تعرض ميراث زلزل للبيع فقصد منزلها فغنت :
أفقر من أوتاره العود
فالعود للأوتار معمود
و أوحش المزمار من صوتيه
فماله من بعد تغريد
من المزامير و عيدانها
و عامر اللذات مفقود
فتأثر إسحق،ثم حدث الخليفة الرشيد بشأنها،فأمر بإحضارها و عرض عليها أن يشتريها،فقالت له : ليس من الوفاء أن يملكنى أحداً بعد سيدى فعطف عليها الرشيد فأمر بأن تعتق الجارية،و لم يزل يجرى النفقة عليها إلى أن ماتت فأنتهت معها قصة فنان شغل العصر العباسى مدة بغنائه و عزفه.