قصة لقاء طاووس الفقيه (رحمه الله)
مع الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام)
*
قَالَ طَاوُسٌ الْفَقِيهُ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :
رَأَيْتُهُ يَطُوفُ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى سَحَرٍ وَيَتَعَبَّدُ ، فَلَمَّا لَمْ يَرَ أَحَداً رَمَقَ السَّمَاءَ بِطَرْفِهِ وَقَالَ :
﴿إِلَهِي غَارَتْ نُجُومُ سَمَاوَاتِكَ وَهَجَعَتْ عُيُونُ أَنَامِكَ ، وَأَبْوَابُكَ مُفَتَّحَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ، جِئْتُكَ لِتَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَتُرِيَنِي وَجْهَ جَدِّي مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُكَ وَسَلَامُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ﴾ .
ثُمَّ بَكَى وَقَالَ :
﴿وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ ، وَمَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَأَنَا بِكَ شَاكٌّ وَلَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ وَلَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ ، وَلَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَأَعَانَنِي عَلَى ذَلِكَ سَتْرُكَ الْمُرْخَى بِهِ عَلَيَّ ، فَالْآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي ، وَبِحَبْلِ مِنَ أَعْتَصِمُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي ، فَوَا سَوْأَتَاهْ غَداً مِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا وَلِلْمُثْقِلِينَ حُطُّوا ، أَمَعَ الْمُخِفِّينَ أَجُوزُ ، أَمْ مَعَ الْمُثْقِلِينَ أَحُطُّ ، وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ خَطَايَايَ وَلَمْ أَتُبْ ، أَمَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي﴾ .
ثُمَّ بَكَى وَأَنْشَأَ يَقُولُ :
أَتُحْرِقُنِي بِالنَّارِ يَا غَايَةَ الْمُنَى *** فَأَيْنَ رَجَائِي ثُمَّ أَيْنَ مَحَبَّتِي
أَتَيْتُ بِأَعْمَالٍ قِبَاحٍ زَرِيَّةٍ *** وَمَا فِي الْوَرَى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايَتِي
ثُمَّ بَكَى وَقَالَ : ﴿سُبْحَانَكَ تُعْصَى كَأَنَّكَ لَا تَرَى ، وَتَحْلُمُ كَأَنَّكَ لَمْ تُعْصَ ، تَتَوَدَّدُ إِلَى خَلْقِكَ بِحُسْنِ الصَّنِيعِ ، كَأَنَّ بِكَ الْحَاجَةَ إِلَيْهِمْ وَأَنْتَ يَا سَيِّدِي الْغَنِيُّ عَنْهُمْ﴾ .
ثُمَّ خَرَّ إِلَى الْأَرْضِ سَاجِداً ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَشُلْتُ بِرَأْسِهِ وَوَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتِي وَبَكَيْتُ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعِي عَلَى خَدِّهِ ، فَاسْتَوَى جَالِساً وَقَالَ : مَنِ الَّذِي أَشْغَلَنِي عَنِ ذِكْرِ رَبِّي ؟
فَقُلْتُ أَنَا طَاوُسٌ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، مَا هَذَا الْجَزَعُ وَالْفَزَعُ ؟ وَنَحْنُ يَلْزَمُنَا أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا وَنَحْنُ عَاصُونَ جَانُونَ !
أَبُوكَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَأُمُّكَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ ، وَجَدُّكَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ) ؟!
فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ :
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، يَا طَاوُسُ دَعْ عَنِّي حَدِيثَ أَبِي وَأُمِّي وَجَدِّي ، خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَأَحْسَنَ وَلَوْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً ، وَخَلَقَ النَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَلَوْ كَانَ وَلَداً قُرَشِيّاً ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ﴾ ، وَاللَّهِ لَا يَنْفَعُكَ غَداً إِلَّا تَقْدِمَةٌ [أي هديّة] تُقَدِّمُهَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ .
*
المصدر : (بحار الأنوار : ج46، ص81.)