هو إبراهيم بن ميمون،فارسى الأصل و كوفى المولد،توفى والده فى الثالثة من عمره فنشأ فى كنف أخواله.و سبب تسميته الموصلى،على ما روى المؤرخون،أنه طلب الغناء فى حداثته و صحب بعض الفتيان،فمنعه أخواله،فرحل إلى الموصل و إليها أنتسب.و فى الموصل لقى لقى إبراهيم نخبة الموسيقيين و المغنيين من العرب و الفرس فحذق هذا الفن و برع فيه،و كان قد تزوج من جارية تدعى شاهك أنجبت له إسحق و بقية ولده.ثم عاد إبراهيم إلى الكوفة فأستقبله أخوانه بقولهم " مرحباً بالفتى الموصلى " فجرى عليه اللقب.
و بدأ نجم إبراهيم يلمع فى سماء الفن و تطلبه العلية و الأشراف،إلى ان أمر الخليفة المهدى بإحضاره إلى بغداد.و مما يرويه ابنه إسحق أن المهدى لم يكن يذوق الخمر،و إبراهيم يميل إلى الشراب،فمنعه الخليفة من منادمة ولديه موسى و إبراهيم.و لما علم المهدى بعد ذلك أن أن الموصلى دخل على ولديه منتشياً،أمر بضربه و تقييده و حبسه.وفى السجن تغنى إبراهيم بهذه الأبيات:
ألا طال ليلى اراعى النجوم
أعالج فى الساق كبلاً ثقيلاً
بدار الهوان و شر الديار
أسام بها الخسف صبراً جميلا
كثير الأخلاء عند الرخاء
فلما حبست أراهم قليلا
لطول بلائى مل الصديق
فلا يأمنن خليل خليلا
و عرف المهدى بذلك فأطلق سراحه بعد أن أخذ منه المواثيق على ألا يعود إلى مثل ما كان عليه.
و بدأت السعادة تبسم لابراهيم الموصلى مع الخليفة الهادى الذى منحه فى يوم واحد مائة و خمسون ألف دينار.ولكن حكم الهادى لم يدم طويلاً،وقد قال إبراهيم :لو عاش لنا الهادى لبنينا جدران دورنا بالذهب و الفضة.
و يروى أن إبراهيم الموصلى كان أول من غنى الرشيد لما ولى الخلافة،و يروى كذلك إنه كان أول شاعر نال جائزته من الرشيد و كانت مائة ألف درهم و جائزة من الوزير يحيى خمسين ألف درهم.
و المعروف أن إبراهيم الموصلى أوجد أجواء فى الغناء جديدة.فالناس قبله كانوا يعلمون جواريهم ما تيسر من موروث الغناء،و كان ذلك مقصوراً على السود و اشباهن.فرفع إبراهيم مستوى فن العزف و الغناء بعدما أهتم بتعليم الجوارى البيض هذا الفن.
و لم يقتصر نشاط إبراهيم على تعليم الجوارى أنواع الموسيقى و فنون الغناء،و إنما كان يلقنهن كذلك دروساً فى ألوان الملابس و مناسبة بعضها ببعض،كما علمهن كيفية تنظيم الزهور فى مجموعات متناسقة. و يضاف ان الناس قصدوا إبراهيم كى يتلقوا منه فن المحادثة.
و يروى إسحق الموصلى أن أباه ترك من الألحان ما يزيد عن ستمائة لحن،و حين كبر و لزمه المرض انقطع عن خدمة الملوك.
عاش إبراهيم الموصلى ثلاثة و ستين سنة،و توفى بمرض القولنج ببغداد.