مدارس الحلة أيام ازدهارها العلمي
د.عبد الرضا عوض

لعلّ ما يزيد تراث الحلة ثراءً وغنىً هو ما احتوته هذه المدينة من إرث حضاري تمثل في احتضان ثراها الأنبياء، ووطأ أرضها الأئمة (عليهم السلام) فكانت مهد الأنبياء ودوحة العلماء.
[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image002.jpg[/IMG] [IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image003.jpg[/IMG] تأسست للشيعة في الحلة الفيحاء جامعة كبيرة كانت تحفل بكبار العلماء، وتزدهر بالنشاط الفكري، وعقدت فيها ندوات البحث والجدل العلمي، وأنشئت فيها المدارس والمكاتب، وظهر في هذا الدور فقهاء كبار كان لهم الأثر الكبير في تطوير الفقه الشيعي وأصوله، ومن الأماكن المعظمة قبل تمصير الحلة سنة 495هـ، الذي نال اهتمام المزيديين وسجلت له كرامات كثيرة هو مكان أول تاريخ لغيبة أحد سفراء الإمام الحجة (عليه السلام) في الحلة في عهد الدولة البويهية, وتقول الحادثة إنّه عندما وجد أحد المزارعين رجلاً يصلي أقترب منه وحادثه ثم اختفى, فأطلق على المكان (الغيبة), وقيل إنّه محمد السمري من سفراء الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فعُمّر هذا المكان وبُنيت عليه قبة ومنارة في زمن السلطان غازان، وبنيت حول المقام أماكن للدرس وقاعات لمنام الطلبة.

تمتد وقفية المدرسة إلى حافة شط الحلة، واقتطع منها أجزاء وعلى مراحل إلى أن جاء الوالي العثماني مدحت باشا سنة 1869م فألغى الوقفية تماماً، ومنحت الأرض إلى الموالين للسلطة العثمانية، وسُجلت المساحة الملاصقة لقبة المقام باسم (جامع الدولة الكبير).

وفي بداية القرن العشرين تبرّع أحد الأهالي من الصفارين بدكانه لغرض بناء مزار مساحته (بحدود 30م2)، ونقضت المنارة التي شيدها غازان التي كانت محاطة من الأعلى بأسماء الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) سنة 1974م، وبنيت على أرض الدرس ومنام الطلبة خانات آلت إلى تجار كبار ثم تحول إلى محال تجارية، وكُتب في المدرسة أروع المخطوطات لمدرسة الحلة العلمية أيام ازدهارها الفكري.

[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image004.jpg[/IMG] المدرسة الزينية : سُمِّيت بالزينية نسبة إلى العلامة زين الدين السرابشنوي وقيل زين الدين المطير آبادي، موقعها في محلة الجامعين، ذكرت بالمدرسة النبوية في تاريخ الحلة، مساحتها تزيد على (5000) م2تبدأ من الشارع الفاصل بين محلة الجديدة والعنيبية حتى قبر الشافيني وتنتهي واجهتها بشط الحلة، وانتهت وقفيتها زمن الدولة العثمانية ومُنحت إلى ثلاثة من أتباع الدولة آنذاك (جاعد آغا، والسيد لافي، وحسون السكرجاوي)، وهذا الأخير قيل إنّه تملكها بالبيع من ورثة (جاعد آغا) وتحولت إلى منطقة سكنية، وبقيت قطعة أرض فارغة شيد عليها (قدوري الأزرملي) صاحب دور العرض السينمائي الشهير سينما (الرشيد الشتوي) نهاية أربعينيات القرن المنصرم، ونقضت سنة 1954م، وتنبأ المنجمون أنّ قدوري سيؤول وضعه إلى الإفلاس والفقر بعد إقدامه على اغتصاب وقفية المدرسة وحدث ذلك فعلاً، لكنّ أثر المدرسة غاب تماماً ولم يبقَ منها غير مسجد مهجور مساحته (60) م2 فقط يحمل اسم مسجد محمد الباقر (عليه السلام(.
[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image005.jpg[/IMG] المدرسة الزينبية: نسبة إلى زينب بنت اليوسفي الآبي، صاحب كتاب (كشف الرموز)، كانت تحتل المدرسة مساحة قدرت بــ(6000) م2، موقعها على يسار الداخل إلى سوق الهرج الحالي الذي هو بالأساس سوق الحلة الكبير، أُهمِل بعد شق سوق الحلة الحالي سنة 1934م زمن المتصرف عارف قطان، والمدرسة مكونة من ثلاثة أقسام، قاعات الدرس وهي القريبة من مدخل السوق استُعِين بها لتأسيس المدرسة الرشدية سنة 1883م، ثم أصبحت مكاناً للمدرسة الشرقية الإبتدائية، وهي أول مدرسة أُسِّست في العهد الوطني سنة 1918م، في مدخلها كانت قبور لثلاثة أعلام الشيخ محمود الحمصي، ونصير الدين القاشاني، ولصاحبة الوقف والمدرسة (زينب بنت اليوسفي)، هذه القبور دُرست تماماً، أمّا القسم الثاني فكان مناماً للطلبة يتوسط حجراته بئر يُغرف منها الماء للوضوء، وشغلته مديرية بلدية الحلة مرآبا لآلياتها، والقسم الثالث مكاناً لرباط الخيل والحمير، اتخذ ثكنة للجيش العثماني، واستُبِيح مَنْ فيه أثناء انتفاضة الحليين بقيادة مرزوك آغا، وهو كما كان يسمى بــ (الحشّاشة) يفصله عن الحسينية الكبيرة زقاق صغير.

[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image006.jpg[/IMG] مدرسة يحيى بن سعيد: من المدارس العلمية المهمة الكبرى في الحلة أيام ازدهارها الفكري. تقع المدرسة وسط مدينة الحلة في مثلث التقاء المحلات الثلاثة (الجامعين، وجبران ، والطاق) ذُكرت في كثير من المصادر، مؤسسها يحيى بن سعيد الهذلي سبط محمد بن إدريس، وابن عمّ المحقق الحلي، أدرك جزءا منها المعمرون وزارها وتجول بين أبنيتها الشيخ محمد حرز الدين، أُهمِلت وقفيتها وتجاوز بعض الأهالي على جزء من مساحتها فشُيِّدت عليها دور للسكن، وتحول قسم آخر إلى مقبرة لدفن الموتى، دُعيت بمقبرة (بيت مرعيد)، وتوقف الدفن فيها مطلع الخمسينيات ورفع التجاوز بعد مخاطبات عدة وسُجِّلت الأرض باسم العلامة يحيى بن سعيد، ثم اقتطع الجزء الأكبر من مساحتها أثناء توسيع (الجادة) سنة 1975م، ولم يبقَ تحت القبة التي نقضت هي الأخرى إلّا مرقد العلامة يحيى بن سعيد وثلاثة من أعلام الحلة، وبمطالبة بعض وجهاء الحلة تم تعويض الجزء المقتطع بـ(1500م2) لتكون المساحة الكلية (1700م2), لكن بعضهم قرّر خطأً تسمية المكان بمرقد (العلماء الأربعة) لاغياً تسمية مدرسة يحيى بن سعيد.

[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image007.jpg[/IMG] ومن مزايا مدرسة الحلة الفقهية أمور مهمة منها ظهور الكتابات الفقهية الموسوعية، وتنظيم أبواب الفقه واستحداث فروع جديدة، واستنباط الأحكام، وذلك ما برعت به هذه المدرسة، وكذلك ظهور طريقة جديدة في تصنيف الحديث.

إن هناك عواملا ساعدت على ازدهار الحلة أيام مجدها الذهبي، وعرسها الفكري منها : طيبة أهلها وحسن أخلاقهم وتواضعهم وكرم محتدهم واكرامهم الغريب، فضلاً عن عذوبة المناخ وخصوبة الأرض, ووفرة المياه وجمال طبيعتها الأخاذ، وكذلك منها اهتمام الحكام والأمراء بالعلماء والشعراء بالعطاء الجزل والحفاوة المعنوية والصرف على المدارس والطلبة، ومنها الوسطية في الموقع الجغرافي فهي قريبة من المدن المقدسة (النجف وكربلاء وبغداد)، وهذه المدن فيها حوزات عريقة وعلماء أفذاذ ومراجع كبار, وفيها مراقد الأئمة والصالحين ممّا يجعلها ممراً للزائرين والمسافرين، ومن العوامل التي ساعدت على رفعتها سلامتها من الغزو المغولي الذي أهلك الحرث والنسل، كذلك من الأسباب التي ساعدت على استقرار الحوزة في الحلة هو نشوء الأسر العلمية التي بذلت قصارى جهودها في البحث والتحقيق والتأليف والتصنيف والإبداع والتجديد، وها هي الحوزات العلمية في حواضر النجف وكربلاء واصفهان ومشهد وقم وجبل عامل ما هي إلا وليدة تلك الحوزة الحلية العظيمة التي ما زالت ترفدها بالموسوعات الفقهية والحديثية والأدبية التي انتجتها وجعلتها مناهج للدرس والتعليم.


مركز تراث الحلة