مكتبات الحلة...ماض عريق وحاضر على الطريق

تعد الحضارة البابلية من أولى وأقدم الحضارات في تاريخ البشرية، اذ علّمت الناس التمدن والتحضر، والبابليون أول من علّم الناس الكتابة، وفي بابل انشأت أول مكتبة علمية منظمة في العالم.
أطلق البابليون على المكان الذي تحفظ فيه السجلات والوثائق اسم (دار السجلات او الوثائق)، ويسمى (أي-دبا) (E-DUB-BA)، ومعناه بيت الرقيم، وهو نفس الاسم الذي كان يطلق على المدرسة.

الرقم الطينية البابلية
[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image001.jpg[/IMG] أما المكان الذي انشأت فيه المكتبة فقد كان في بداية الأمر في المعابد، إذ خصصت غرف خاصة لحفظ الوثائق والرقم الطينية، وكذلك في القصور الملكية فقد خصصت غرفٌ ألحقت بالقصر لحفظ السجلات والوثائق إلى أن تطورت وأصبحت مكتبات منظمة عدت من أقدم المكتبات في العالم.


سوق الكتب في العهد الإسلامي
واذا كانت المكتبات في بابل شهدت في تأريخها القديم حضوراً راسخاً فإنها شهدت انتقاله كبرى مع تمصير الحلة (495هـ)، لتنتعش الحياة الثقافية والعلمية من خلال حركة التأليف والترجمة والتجليد وصناعة الورق والأحبار والنسخ والطباعة وبناء المدارس، ونشوء صناعة خزن المؤلفات والمصنفات في خزائن الأمراء المزيديين، والمدارس، والمساجد التي صارت ملتقى المعارف الفقهية، والفكر، والأدب، والعلوم، ويكفي أنها في فترتها الذهبية أنتجت اكثر من مليون مخطوطة توزعت على مكتبات العالم.
وكما كانت المساجد والجوامع تغني المكتبات بعلوم الدين والدنيا فأن لمكتبات المراقد الشيعية، والأسر العلمية في الحلة، دوراً معرفياً وفكرياً ظلت المكتبة حارسته، وقد لعبت الحلة هذا الدور باعتبارها حاضنة التشيع وحاضرة الدنيا بعد سقوط بغداد، فانتقلت إليها المعارف والعلوم والمكتبات الفكرية وطلبة العلم لينهلوا من معارفها وعلومها الشيء الكثير.
[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image003.jpg[/IMG] إن اول خزانة في الحلة هي خزانة ممصر الحلة صدقة بن منصور وتلتها خزانة العلامة الحلي، وصفي الدين الحلي، وآل طاووس، والسيد حيدر الحلي، ومحمد مهدي البصير، وطه باقر وغيرها من المكتبات التي ضمت الآلاف من المخطوطات والكتب، إلى أن استقرت هذه الكتب في دواوين الحلة في بداية القرن العشرين.

مكتبة أحمد سوسة
حديثنا اليوم عن المكتبات الأهلية في الحلة، إذ يقول الأستاذ الباحث خليل نوري إن مصادر تأريخ الحلة تشير إلى عدم وجود مكتبة أهلية (تجارية) في هذه المدينة حتى أواخر العهد العثماني والسنوات الأولى من الاحتلال الإنكليزي للعراق، لأن عدد المتعلمين وطلاب العلم كان محدودا جداً في تلك الفترة، وبالتالي فليس هناك جدوى اقتصادية من فتح مكتبة آنذاك، لذا نجد أن بعض أصحاب المحال كانوا يتعاطون بيع وشراء الكتب المخطوطة واللوازم المكتبية كالأحبار وبعض القرطاسية والأقلام وما شاكل ذلك، أما ما يخص الصحف والمجلات والكتب المطبوعة فكانت لا توجد إلا عند الذين يجلبونها من بغداد أو من خارج العراق بسفراتهم، وهذا ما تطرق اليه الدكتور محمد مهدي البصير بإحدى مقالاته في كتابه (سوانح)، إذ يقول: "لا تقرأ الصحف والمجلات والكتب الحديثة إلاّ في ديوان حبيب بك آل عبد الجليل، وديوان آل شبيب البغدادي"، واستمر حال المدينة هكذا على الرغم من محاولات المرحومين محمد جواد حيدر وعباس حلمي، صاحبي (مكتبة المعارف) و(المكتبة العصرية) ببغداد التي آلت فيما بعد إلى الحاج صادق القاموسي على تشجيع وحثّ أقاربهم ومعارفهم في الحلة بخوض ميدان تجارة المطبوعات والقرطاسية، وكان أول من تعاون مع حلمي في الحلة السيدان مجيد نصر الله وعباس السعيد، إذ أخذ يجهزهما بنسخ من القرآن الكريم والكتب والمجلات والصحف والقرطاسية، مع كل التسهيلات التجارية ليتعاملا ببيعها في محالهم مع بقية مواد العطارة الأخرى، وهكذا كانت البداية.

[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image005.jpg[/IMG] كانت أول مكتبة في الحلة هي (مكتبة الفرات) لصاحبها المرحوم عباس السعيد حيث أسسها عام 1925، كما جاء في دليل بلاد الشرق لعام 1945، حيث أصبحت هذه المكتبة وكالة لتوزيع الصحف والمجلات العربية والأجنبية في الحلة، إضافة لبيع الكتب والقرطاسية وتجليد الكتب، ثم آلت المكتبة إلى ولده مهدي، الذي كان يقوم بجلب طلبيات خاصة من المطبوعات المصرية واللبنانية لأمات الكتب، وفي أواخر الثمانينات أصبحت مكتبة للقرطاسية فقط.
[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image006.jpg[/IMG]
أما ثاني مكتبة في الحلة فقد أنشأت عام 1927 في شارع المكتبات، الذي يبدأ شمالا من ساحة الاحتفالات (القشلة) لينتهي جنوبا بشارع الإمام علي (عليه السلام) (ساحة سعيد الأمين)، يبلغ طوله (400) م، بتشجيع من المرحوم عباس حلمي صاحب المكتبة العصرية ببغداد، فأسس صاحب وعلي أولاد الحاج حسين السباك المكتبة العصرية بالمشاركة مع مجيد نصرالله، وقد كان اختيار هذا الاسم تيمناً باسم مكتبة حلمي ببغداد، واصبح لقب السباك بعد فتح المكتبة بـ (الكتبي)، وفي عام 1932 أصبح لهذه المكتبة مطبعتها الخاصة، وبذلك اصبحت المطبعة الأولى والوحيدة في الحلة، ومازالت مستمرة في عملها بعد أن آلت إلى ولده الحاج فارس، وتنقلت في أماكن عدة.

شارع المكتبات في الحلة في العهد الملكي
[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image007.jpg[/IMG] وفي أواخر ثلاثينات القرن الماضي قام الشيخ نجم العبود بتأسيس مكتبة الرشاد في بناية الأوقاف، ليقوم بعدها بإصدار مجلة الرشاد عام (1939)، وثم جريدة نفحة الرشاد، ثم بيعت المكتبة إلى عبد الجليل ناصر سنة 1947، واستمرت هذه المكتبة علامة مميزة من علامات شارع المكتبات لغاية عام 1976 حيث أغلقت هذه المكتبة العريقة كحال بعض المكتبات التي عانت من تضييق خناق السلطة على الإصدارات الثقافية والفكرية .

[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image008.jpg[/IMG] وفي عام 1935 افتتحت مكتبة في مدخل شارع المكتبات سميت بمكتبة الفيحاء لصاحبيها حميد طه علوش وعبد الحسين هادي علوش، وبعد فترة من الزمن اغلقت مكتبة الفيحاء, وأسس السيد عبد الحسين هادي علوش مكتبة المعارف منفرداً، وقد تعاقب على إدارتها بعده ولده المرحوم فلاح علوش و حفيده علي علوش، حيث تحولت مكتبة المعارف تدريجياً لتجارة القرطاسية في الثمانينات من القرن الماضي.

[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image009.jpg[/IMG] وفي شارع المكتبات أيضا، ضمن عمارة الأوقاف، أسس السيد هادي عباس الموسوي، الذي يعد أقدم كتبي في الحلة، عام 1953 مكتبة الرافدين، وبقيت المكتبة في مكانها المعهود حتى انتقلت إلى منطقة باب الحسين عام 1970.

ومن المكتبات التي لم تدم طويلا مكتبة الإرشاد وكانت بإدارة رؤوف كمال الدين في شارع الشهيد علي عجام، حيث أسست عام 1942 ثم أحرقت أثر مظاهرة اجتاحت شوارع الحلة تأييدا للفلسطينيين عام 1948، ومكتبة الشباب أسست عام 1947 وكانت بإدارة إبراهيم المطيري، ومكتبة الفيحاء التي تغيرت تسميتها إلى الجمهورية بعد ثورة 14 تموز، أسسها باقر زكوم سنة 1956 ثم آلت إلى كريم إبراهيم المطيري.
[IMG]file:///C:/UsersMaarefAppDataLocalTempmsohtmlclip1%EF%BF%BD1c lip_image010.jpg[/IMG] وقد ظهرت عدة مكتبات في الربع الأخير من القرن الماضي منها : مكتبة الطالب التي أسسها المرحوم رشيد الجبوري في منطقة الإبراهيمية سنة 1965م، ومكتبة غرناطة التي تأسست سنة 1974، ويديرها السيد علي هاشم الأعرجي، ومكتبة الدار الوطنية في منطقة التعيس، ويديرها علي الحاج حسين السباك، وهي امتداد للمكتبة العصرية الأم التي تأسست في شارع المكتبات سنة 1937، ومكتبة الأخوين في سوق العلاوي الذي أسسها السيد حسين هاشم الأعرجي سنة 1984، ومكتبة أحمد الحلي في شارع الإمام علي (عليه السلام) التي تأسست عام 1988، ومكتبة الكواز في شارع (40).

المكتبة المركزية في الحلة 1976
أما اليوم فتشهد الحلة العديد من المكتبات الأهلية، ومنها على سبيل المثال مكتبة الدار الوطنية للسيد محمد حسين السباك، ودار الصادق للسيد هادي محمد ناصر، ومكتبات اخرى مثل الرياحين، والغسق، والكوثر، ومكتبة ولاء الصواف، والأنوار، والطالب، والقراء، والحلة، والتعاون، والإيمان، ومكتبة العلامة الحلي، ومكتبة عبد الأمير خليل مراد، ومكتبة الأدباء، وغيرها .

المكتبة المركزية في الحلة 1976


مركز تراث الحلة