الكلك ... في ذاكرة شط الحلة
كان الـ(كلك) من وسائل النقل النهري القديمة التي بقيت إلى منتصف القرن الماضي في المدن العراقية الواقعة على الأنهر وخاصة الحلة، إذ كان وسيلة النقل الغالبة على ضفاف شط الحلة
الـ(كلك): عبارة عن مسطَّح من سيقان الأشجار مربوط بشدة, يحمل الأشخاص والبضائع فوقه، ويسير بواسطة تيار النهر, وعند محطته الأخيرة يفكك وتباع أخشابه للتجار، أما الملّاح فأنه يعود إلى المنطقة التي بدأ منها، حيث يبدأ هناك بالعملية مجددا، ومنها ما هو مصنوع من جلود الماعز المنفوخة التي تربط معا بأعمدة وتُغطى بمنصة حصران من القش.
استخدمت الأكلاك والقفف منذ الألف الثالث ق.م، وقد ذكرها الكثير من المؤرخين والبلدانيين والرحالة الأجانب في شط الحلة، غير أن ابن بطوطة، وابن جبير لم يتطرقا إليها، وكذلك البلدانيون العرب والعجم الذين تحدثوا عن الحلة وسورها وعمائرها وذكروا السفن والقوارب، وتعد الكتابات المسمارية والمنحوتات الآشورية أول المصادر التي ورد فيها ذكر الأكلاك والقوارب، إذ تأكد استعمالها في النقل النهري منذ عهد سرجون الأكدي، كما جاء في نص لشلمنصر الثالث الذي يعود للقرن التاسع ق.م. الآتي: (...عبرت الفرات على أكلاك من جلد المعيز في وقت طوفانه) .
كما ورد ذكر الأكلاك في رواية (زينوفون) القائد والمؤرخ اليوناني، ويبدو من تتبع النقل النهري في دجلة والفرات وروافدهما في العصور القديمة، أن الكفة كانت مكملة للكلك، أي أن وظيفتها تبدأ عند انتهاء وظيفة الكلك، وبينما كانت الأكلاك على الأرجح تستمر حتى بابل، فسيبار، ومنها (أكادا)، و(لارسا) في العهود القديمة، فإنها كانت على العهود اللاحقة، تفكك في بغداد فتباع أخشابها، وتحمل الجلود بعد تفريغها من الهواء على الحمير، لإعادتها إلى ايمار الواقعة على الفرات.
ومن الجدير بالذكر أن الأكلاك ظلت مستخدمة كوسيلة من وسائل النقل في شط الحلة حتى العصور الحديثة، إذ يقول الرحالة البريطاني (ولستد)، الذي زار العراق في القرن التاسع عشر، أن سكان مدينة الحلة يستعملون الجلود المنفوخة في عبور النهر، وكذا وصف (لايارد) صناعة الأكلاك في العراق.
لاريب أن استخدام الأكلاك في بلاد الرافدين استمر في الألفين الأول والثاني للميلاد، غير أن الروايات التي تصف الأكلاك أخذت بالتواتر منذ القرن السادس عشر الميلادي، وقد جاء في رواية الرحالة (بياترو ديللا فالا 1647م)، أن (الأكلاك) تستخدم لنقل الأخشاب من غابات الأناضول إلى العراق، كون العراق فقيرا للأخشاب، وكانت الأكلاك تستخدم من قبل قوات الإحتلال البريطاني لنقل المعدات العسكرية في الحرب العالمية الأولى.
كلمة كلك التي اشتق منها الأتراك كلمة (كلكجي) هي كلمة آشورية (كالاكو)، ونشاهد في المنحوتات الآشورية تصويرا لها إلى جانب الكفف، كما نلاحظ في المنحوتات كبر حجمها ولاسيما المستخدم منها بنقل الأخشاب أو المواشي أو الحجارة، وقد يصل عدد القرب الجلدية المنفوخة تحتها إلى 400 قربة، وغالباً ما تفرش أرضية الكلك بطبقة من القصب، أو من اللبد وتشيَد فوقه غرفة أو غرفتان، إذا كان الهدف منه نقل الأشخاص وعائداتهم الشخصية، كما ورد في وصف ( ثياناب).. ويتراوح عدد المجاذيف المستعملة في الأكلاك بين مجذافين وستة مجاذيف تبعا لحجم الكلك، أما أعمار جلود المعيز أي صلاحية استخدامها مجددا فتتراوح بين سنة ونصف إلى سنتين ..
اعلام مركز تراث الحلة