القشلة... القلعة التي أرخت نفسها

القشلة كلمة عثمانية تعني (المشتى) أي المكان الذي يقي الإنسان تقلّبات الجو، ثم خصّصت لإقامة الجنود وقت السلم، أي ما معناه الثكنة العسكرية أو القلعة.
كانت هذه القلعة تحتضن بداخلها آنذاك آلاف الجنود والمسؤولين عنهم ومستودعاتهم، بل إذا ما تمعّنت بها تجدها دائرة مدنية عسكرية تحت لواء الباشا، وبنيت القشلة حسب السالنامات (التقاويم) العثمانية سنة 1863 م، وتشير المصادر إلى أن القشلة ليست منطقة واحدة بل تكاد تكون عند كل ولاية من الولايات العثمانية قشلة خاصة بها، وربما من هذا المنطلق كانت القشلة التي تقع في الجانب الشرقي من نهر دجلة تسمى قشلة (البيادة) أي ثكنة الجنود المشاة أو (قشلة بغداد)، وقشلة البصرة، وقشلة كركوك.

في عهد مُتصرف الحلة محمد رشيد باشا (1300هـ -1881م) قرّرت الحكومة العثمانية أن يُشّيد بناء تجتمع فيه كافّة دوائر اللواء (السراي)، المقر الحكومي، في مكان واحد بعد أن كانت موزعة على بيوت مستأجرة، وبنايات صغيرة وغير نظامية في الصوب الصغير من جانب الحلة، يصل إيجارها السنوي إلى أكثر من عشرة آلاف قرش، فاختير موقعها في الجانب الكبير لتركز السكان فيه، الأمر الذي يسهل مراجعتهم للسراي، وقد كان إسطبلا للحيوانات على الجهة اليمنى للداخل إلى السوق الكبير، ويبعد عن حافة شط الحلة 100 مترا، وتقدر مساحته بـ(4000) متر مربع .


ولما كانت الخزينة خاوية من جرّاء الإنفاق المُسرف, قرّرت إدارة هذا الوالي اللجوء إلى التبرعات الجبرية من المواطنين, فجمعت من أهالي الحلة أكثر من مئتي ألف قرش فأنشأت بناية كبيرة ذات طابقين، وكان بناؤها من حجارة بابل, وكانت تُسمى بدار الحكومة, ثم شغلها الإنكليز بعد رحيل الأتراك, ثم شغلت من قبل مُديرية شُرطة الحلة بعد تأسيس الحكومة الوطنية عام 1921م، وقد برزت أهمية سراي الحلة كأحدى القلاع التي تحصنت بها القوات التركية في تصديها لإنتفاضة الحلة الشعبية الكبرى عام 1916، وقد أرخ السيد حيدر الحلي السنة التي أنشئت فيها:
ذا محمد رشيد باشا بباني شاد للحكم دار عز ومجد
قد دعا الملك مطريا أرخوه شاد بدر البهاء دارة سعد


يذكر الرحالة جيري الذي زار الحلة عام 1895م إن في الحلة بناية حصينة تدعى السراي، ويصفها شهود عيان أنها كانت على جانب كبير من الإتساع والإتقان وفخامة العمارة وذات طابقين، ويحتوي الطابق العلوي على 36 غرفة كبيرة، وفناء وسطي كبير، تحيط به أربعة أجنحة تنفتح على الفناء برواق أو أبواب ونوافذ كبيرة تعلوها عقود نصف دائرية، وللبناية عدة مداخل، وفوق المدخل الرئيس غرفة كبيرة، وأمام البناية حديقة خضراء تُحيط بها الرايات الملونة من مختلف الجهات عند الإحتفالات والمُناسبات يتوسطها خزان ماء المدينة الكبير الذي أُنشأ فيما بعد، وكثيراً ما كان الجندرمة الأتراك يحتفلون وسط عزف الجوق الموسيقي العسكري بالمُناسبات في الساحة المُقابلة لبناية السراي.

كان باب (القشلة) مواجهاً لمصرف الرشيد الحالي, والبناية مكونة من طابقين, ويشغل الطابق الأرضي غُرفة (الموقوفين) ومعاونو مُدير الشرطة, أما الطابق العلوي, فتوجد فيه مديرية أمن اللواء, ودائرة تحقيق الجنسية والجوازات، وفي وسط البناية مرقد الإمام الجواد بن موسى بن جعفر (عليهم السلام).
ويبدو أنه قد ألحق السجن ببناية السراي وكان موقعه خلف البناية, وقد تحوّل في زمن مُتصرّف لواء الحلة (سعد صالح) سنة 1941م إلى سوق المُخضرات وسوق الجزّارين, وما زال السوق قائماً, أما مكان القشلة فقد استملكته دائرة التأمين الوطنية.



اعلام مركز تراث الحلة