محلة المهدية... مهد المراقد والمساجد

الحلة مدينة العلم والأدب، شربت من الفرات طيب مائه، وامتدت جذور ثقافتها في عمق التاريخ، وعلى الرغم من قرون الظلام الطويلة، بقيت الحلة حاضرة الدنيا، وكان النصيب الأوفر منها لمحلاتها التسع القديمة، ومنها محلة المهدية، أم المساجد والمراقد.

المهدية من المحلات العريقة في مدينة الحلة، تبدأ حدودها من جانب مسجد (القطانة) إلى (عكد الطويل)، ويمر بـ(التابية) حتى (عكد التبانة)، وهو الفاصل بين محلتي المهدية والجباويين، وتكونت هذه المحلة بعد زيادة السكان في منطقة الجامعين، فاختار هؤلاء الناس المنطقة المحصورة بين مدرسة (آل نما) ومدرسة العلامة الشفهيني، وقد أصبحت المهدية تمتد من مرقد ابن نما إلى محلة الجباويين، ويفصل السوق الكبير بين المهدية ومحلة جبران.
يذكر الدكتور ظاهر الشمري أن المهدية سميت بهذا الإسم نسبة إلى السيدة المهدية بنت الحسن (عليه السلام)، التي يوجد مرقدها في وسط (عكد الطويل)، ويعود تاريخه إلى القرن السادس الهجري، ومنهم من يرى أنَّها سميت بالمهدية، كما ذكر اليعقوبي، نسبة إلى الشيخ "مهدي كاشف الغطاء" .

تعاقب على السكن في هذه المحلة الكثير من العوائل والشخصيات التي أسهمت بشكلٍ فعال في بناء تاريخ وحاضر مدينة الحلة، منذ تمصيرها من قبل الأمراء المزيديين (الإمارة المزيدية 495هـ)، ومن أبرز هذه الشخصيات (علاء الدين الشيخ علي بن الحسين المعروف بالشفهيني)، ومرقده في المحلة نفسها، ومن عوائلها العريقة: آل كواز، وآل خواجة، وآل عجام، وآل علوش، وآل الطريحي، وآل مرجان، وقد انمازت بكثرة المراقد منها: مرقد العلامة السيد محمد بن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)– وهو ولده بالنسب وليس مباشراً ويقع قرب دائرة الإطفاء – في الفرع المقابل لها من الخلف، ومرقد العلامة المجدد الكبير محمد بن أحمد بن إدريس العجلي الحلي صاحب كتاب (السرائر)، ومرقد السيد جلال الدين أحمد المعروف بابن الفقيه، في حسينية ابن إدريس حالياً، ومرقد نجم الملة جعفر بن محمد بن نما، ومرقده مقابل متنزه الشعب ومجاوراً لمدرسة الوثبة الابتدائية سابقاً، وقد هدمت المدرسة بعد الانتفاضة الشعبانية (1991م)، ومرقد نجيب الدين محمد بن نما الحلي في الشارع المقابل لمتنزه الشعب، ويقع في بداية شارع أبي القاسم المحقق، ومرقد الشيخ نصير الدين القطان، ويقع مقابل بيت المجتهد الكبير، والفيلسوف المتبحر السيد مسلم السيد حمود الحسيني الحلي من آل العالم (وقد اطلق اهل الحلة على بيت جده وأبيه ـ بيت الشرع-)، في الزقاق الخارج إلى السوق الكبير المقابل لسوق الحدادين، ومرقد العلامة الكبير السيد ابراهيم الهدام في الزقاق الذي يلي بيت شبيب البغدادي،

وسيد اسماعيل السيد خضير، ومرقده في الزقاق الخارج إلى الشارع العام المؤدي إلى متنزه الشعب، ومرقد العالم الجليل محمود الجومرد، في السوق الكبير، في الطريق المؤدي إلى سوق الحطابات، ومسجده المقابل له مقر موكب محلة المهدية منذ زمن بعيد، (هيئة السلاسل - ومقر هيئة التطبير-)، والسيد محمد أبو عربيد، ومرقده في الجهة المقابلة لأبن ادريس الحلي، والسيد نظام الدين العميدي، ومرقده خلف مرقد نجيب الدين بن نما الحلي، وكذلك السيد ظاهر بن السيد هاشم الحطاب، اعلى الله مقامهم الشريف، وغيرها من مراقد العلماء التي لم تظهر اسماؤهم، أما مراقدهم فشاخصة للعيان تحت مسمى (بنات الحسن) (عليه السلام)، خوفاً من هدمهم إبان الحكم العثماني البغيض.

من أهم أزقة، (عگود)، هذه المحلة: (عگد الجية): وهي تسمية قديمة جداً، وقد نسب يوسف كركوش هذه التسمية إلى بني جيا، و(عگد التايبة): ويمتد من التايبة قبالة حمّام الجوادين إلى سوق العلاوي، وفيه يقع مرقد الشيخ علي الشفهيني، وحمّام المهدية، وكذلك القسطخانة، و(عگد الكروية): وهو العكد المجاور لعكد التابية، وجاءت تسميته نسبة إلى الكرويين من آل القيسي، الذين يسكنون هذا المكان، و(عگد أبو كبة): وهو من الأزقة المعروفة، والشاخصة في محلة المهدية، إذ سكن فيه بعض تجارها، ووجهائها، ويقع مدخله في السوق الكبير، وفيه مسجد سمي على اسم مشيديه من (آل كبة ـ مسجد أبو كبة -)، وزقاق السياسيين نسبة إلى (ساسة الخيل)، و(عگد الگرعيين): وهو الزقاق الذي يقع خلف مرقد نجيب الدين بن نما الحلي، وفيه يقع مرقد العلامة نظام الدين العميدي، و(عگد العجم): ينقل أنَّ أصل هذه التسمية نسبة للعجم، لكن في حقيقة الأمر لا علاقة للعجم بهذه التسمية، لأنَّ المصادر تشير إلى أنَّ سكنة هذا الزقاق جميعهم من الأسر الحلية المعروفة إلاّ أن هناك بعض الأسر الإيرانية سكنت هذا الزقاق أيضًا إلى مدة، قبل ترحيلهم من قبل النظام البائد في الثمانينيات، و(عگد حمادي الحسن): نسبة الى أسرة آل حمادي الحسن، و(عگد ليلة): نسبة لأسرة آل ليلة التي نزحت من الرمادي في الزمن الماضي، واستقرت في محلة المهدية، وهي أسرة يشار اليها بالبنان، ولها علاقات طيبة وحميمة مع من حولها من الجيران، و(عگد الخراطة): سمي بهذا الإسم نسبة إلى خرط أواني الطعام قبل تنظيفها، والتي كانت تنظف بعد انتهاء الضيوف من الطعام في ديوان آل شبيب، و(عگد آل شبيب البغدادي): نسبة إلى هذه الأسرة الكريمة التي كانت لها الوجاهة بين الناس والكرم الذي ذاع صيته آنذاك، و(عگد أبو اللگن): وهو عكد مغلق لا يفضي إلى شيء، يطل مدخله على السوق الكبير، و(عگد الزوية): وهو الزقاق الذي يوجد فيه مرقد السيد اسماعيل السيد خضير المؤدي إلى الشارع العام الواصل إلى متنزه الشعب.

احتوت محلة المهدية على مكتباتٍ قديمة، منها مكتبة آل الطريحي، وكانت مكتبة عامرة يرتادها أهل العلم والمعرفة، وبمرور الزمن تلاشت آثارها، فضلاً عن وجود مكتبة (آل يحيى) العائدة للسيد أحمد النجار الموسوي، إلا أن المكتبة أُغلقت عام (1991م)، وقد تميزت المحلة بمجالسها الأدبية، ومنها مجلس آل الطريحي، وآل القزويني، وغيرهم، كما نبغ فيها الكثير من المفكرين، والمثقفين، سواء في العهد الماضي أو الحاضر، وعلى الرغم من أن أغلب سكانها الأصليين قد رحلوا عنها إلى الأحياء الحديثة إلا إنها مازالت تعطي من تراثها، وماضيها نكهة تسحر الرائي، وتستوقف المتأمل في ثرائها الروحي العميق.




اعلام مركز تراث الحلة