مسجد النخيلة التأريخي

في مدينة من محافظة بابل تنتصب مئذنة تأريخية على أطلال مسجد يدعى مسجد النخيلة، و تسمى هذه المدينة بمدينة الكفل .

تقع مدينة الكفل في منتصف المسافة الفاصلة بين محافظتي بابل والنجف، وهي من إحدى الحواضر العراقية الموغلة في القدم، كانت تسمى في عهد النبي إبراهيم ( 1936 ق . م ) ( بانيقيا )، وفي عهد البرثيين ( 241 – 226 ق. م ) ( بلاشكر ) وفي عصر صدر الإسلام ( 620 - 752 م ) ( النخيلة )، وفي العصر العباسي ( 752 – 1276 م ) (دار المليحة، أو بر ملاحة)، وفي عام ( 1850 م ) أصبحت هذه المدينة تدعى ناحية الكفل وهي إحدى نواحي محافظة بابل، وتقع على شاطئ نهر الفرات، ويبدو من خلال موقعها الجغرافي أنها كانت تشغل منفذا تجاريا أو خليجا أو مرفآ، ترسو به السفن التجارية وغيرها، ولكن ما أطلق على هذه المدينة من أسماء أصبح الآن حبيس الكتب التي تحدثت عن هذه المدينة وتاريخها، وليس له استعمال في وقتنا الحاضر، فلتشرفها باحتضان جسد أحد أنبياء الله تعالى، وهو النبي ذي الكفل( عليه السلام) مع ثلة من أصحابه، أصبحت منسوبة إليه، كما تشرفت النخيلة ومسجدها بإقامة العبد الصالح الخضر (عليه السلام) وله اليوم مقام معلوم في داخل مسجد النخيلة وهو أحد المزارات المشهورة الملحقة بالمسجد وله كرامات مشهورة.

يعود تأريخ بناء مسجد النخيلة إلى منتصف القرن الأول الهجري, غير أن بعض الروايات تنص على أن مسجد النخيلة بناه النبي إبراهيم (عليه السلام) كما أشارت إلى ذلك رواية الإمام الجواد (عليه السلام ) في وصف حركة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). والنخيلة هي تصغير لكلمة نخلة، وقد اتخذها أمير المؤمنين(عليه السلام) قاعدة لتجمع عساكره وخيرة أصحابه واتخذها مسجدا ومقاما ومصلى في الأول من شوال من عام 36 هـ، ومن بعده نجله الإمام الحسن السبط (عليهم السلام)، وقد خطب فيها الإمام علي (عليه السلام) أكثر من خطبة في الحث على الجهاد والوعظ والإرشاد، ومن أشهر هذه الخطب خطبته في النخيلة في الخامس من شوال عام 36 هـ : ( أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ الوَثِيقَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهُ أَلبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ البَلاَءُ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالقَمَاءُ، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالاْسْهَابِ، وَأُدِيلَ الحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الجِهَادِ، وَسِيمَ الخَسْفَ، وَمُنِعَ النَّصَفَ...).

وعن عمار بن ياسر ( رضوان الله عليه ) قال : كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام ) وقد خرج من الكوفة أذ عبر بالضيعة التي يقال لها " النخيلة " على فرسخين من الكوفة،, وبعد استيلاء الأمويين على الحكم عمدوا إلى طمس معالم هذا المسجد وغيره من المساجد؛ لأنه يمثل في تصورهم قاعدة لموالي الإمام علي (عليه السلام)، فلم يراعوا حرمة بيوت الله؛ ولذلك لم تذكر المصادر أية معلومة أو إشارة الى وجود مسجد في هذه المدينة منذ استشهاد الإمام علي (عليه السلام) سنة ( 40 هـ ) إلى العهد الإيلخاني وبالتحديد عام ( 703 هـ ) العام الذي عزم فيه السلطان الجياتو محمد خدا بنده إعادة بناء ذلك المسجد والقبر الشريف للنبي ذي الكفل (عليه السلام )، وقد تم بناؤه في عهد ولده السلطان أبي سعيد بهادر خان في عام ( 730 هـ ) ، ولم يبق اليوم من هذا المسجد إلا مئذنته التي تقوم شاهدا على ذلك المسجد المندرس، ولم يكن إنجاز هذا السلطان الإيلخاني في هذه المدينة تجديد مسجد النخيلة فحسب، وإنما عمد إلى بناء مرقد نبي الله ذي الكفل(عليه السلام)، وعقد قبة مخروطية فوق ضريحه الشريف، وكان من أئمة المسجد عباد بن الربيع، وتاج الدين الآوي الأفطسي الذي قتل عام 171هـ بعد أن نصب في صحن المسجد منبراً مصنوعاً من الصخر فحفر اليهود له حفرةً واردوه فيها.
ومن أبرز مايميز مسجد النخيلة مئذنته التي هي من المعالم الأثرية الشاخصة في مرقد نبي الله ذي الكفل (ع) ومدينة الكفل , تقع المنارة في الجهة الشرقية من القبر الشريف , ويبلغ محيط بدن المنارة حوالي عشرة أمتار وارتفاعها عشرون متراً وتستند على قاعدة مكعبة الشكل يبلغ ارتفاعها بحدود أربعة أمتار في حين يبلغ طول الضلع المقابل إلى القبة بحدود (4,70سم) ويبلغ طول الضلع المقابل إلى خان السيف (4,20سم) أما الضلع المقابل إلى السوق فيبلغ عرضه ( 2,50سم) أما الضلع المقابل إلى خان قريش فيبلغ عرضه بحدود ( 4,80سم), يبلغ الارتفاع الكلي للمنارة مع القاعدة بحدود ( 24 متراً ) ويضم البدن مدخلاً صغيراً يؤدي إلى سلم حلزوني مكون من ( 59) درجة يرقي بواسطته إلى أعلى المنارة حيث يستطيع الزائر من خلاله النفوذ إلى حوض المنارة من خلال باب صغير , والسلم مضاء بأثني عشرة نافذة موزعة على بدن المنارة الغرض مكنها هو الإضاءة والتهوية , وقد زين بدن المنارة بأشكال متعددة من الزخارف الهندسية فهي تضم ثلاث حقول من الزخارف بينها أفاريز وأحزمة متكررة تدور جميعها حول بدن المنارة , وهذه الزخارف الجميلة تجمع بين الأشكال الهندسية و النباتية والكتابات الكوفية وخط النسخ وهي جميعها تستوحي عناصر محلية كانت شائعة قبل الغزو المغولي, وان أروع هذه التشكيلات على بدن المأذنة هي التي تقع في وسطها وتتألف من كتابة كوفية نادرة الوجود في العالم الإسلامي , وتتكون من أربعة كلمات كتبت بشكل مثلثات متداخلة وهي ((ودي حب محمد وعلي )) , وأما النصان المكتوبان فيذكران تأريخ التشييد وأسم الذي أمر بالبناء مع إطراء لذكره وألقابه و لم يبق من هذين النصين سوى بعض كلمات هي :

النص الأول : الصف العلوي ( ... السلطان الاعظم غياث الدنيا والدين ...... ندة محمد طاب ثراه ... السلطان .....) وذكر الدكتور طارق الجنابي كلمة ( خدابندة ) كاملة الأوصاف وأضاف الدكتور أيضاً كلمة ( وتمت في دولة ) بعد كلمة ( ثراه)
.النص الثاني : الصف الأسفل ( ..... الله تعالى – و – طلباً لجزيل ثوابه الأمير المعظم العادل ملك الأمراء منشئ العدل ومقرره حارس .....) وذكر الدكتور بدلاً من ( حارس ) كلمة ( حامي ) والصحيح ( حارس ) والكتبة هذه كتبت بخط الثلث .

كما بنيت فوق الضريح الشريف قبة وهي متكونة من طبقتين او قبتين الأولى داخلية نصف كروية صمم في وسطها نجمة زخرفية ذات اثني عشر رأساً مزخرفة بالمرايا مغلفة من الخارج بالقبة الثانية المخروطية والمقرنصة مكونة من عشرة طبقات عدا غطاء القبة وكل طبقة مكونة من مجموعة من العقود المدببة التي تكون مسطحة في بواطنها عدا الصف السادس المكون من حنيات بسيطة تعلوها . يبلغ ارتفاعها من الخارج فيبلغ (17م) تنتصب فوق قاعدة مثمنة الشكل ترتفع على السطح المجاور حوالي متر واحد وتقوم فوقها القبة المخروطية المقرنصة ارتفاعها (8م).

ويحيط بالمرقد والمقام سور يبلغ محيطه حوالي ( 663 م2) وعمقه حوالي( 3 م 2 ) وعرضه (1,35م) وكان ارتفاعه قبل هدمه (9م) ويعود تأريخه الى أكثر من 700 سنة , وقد استظهر ما يقارب( 180م) تقريباً منه وتم استكشاف الجزء المتبقي عن طريق مسح الرادار الأرضي وذلك لصعوبة التنقيب عنه في المنطقة الموجودة تحتها لوجود دور سكنية أنشأت فوقها ويحيط هذا السور بالمرقد والمقام وقبور الأصحاب (ع)، وفي جنوب مأذنة المسجد بئر تم اكتشافها عام 2009 وهي متصلة بسور المسجد القديم، كما أن لمسجد النخيلة عدة أبراج : ثلاثة منها كانت ظاهرة ,وخمسة ابراج تم اكتشافها عام 2009 م والباقي تحت الدور السكنية. كما كان للمسجد محراب والمشهور انه المكان الذي صلى فيه الإمام علي (ع) أيام إقامته فيه – وكان موضعه على يسار الداخل الى الضريح وقد تم قلع المحراب قبل عام 1860 م من قبل اليهود.




المصدر اعلام مركز تراث الحلة