تنويه :
*الموضوع يحتوي على حرق لبعض مشاهد الأفلام المذكورة به*
أفعل التفضيل أصبحت عادة منتشرة بين محبي السينما، فمن أفضل فيلم إلى أفضل ممثلة وممثلة إلى أفضل مخرج وغيرها من التفضيلات، هي تفضيلات ظالمة في أغلب الوقت، فكل فيلم هو حالة مختلفة وعالم منفصل لا يجب مقارنته بآخر لكن يمكننا تحديد أكثر ما آثر بنا. هنا سأقوم بعرض أكثر مشاهد أثرت علي من سينما 2018.
من الملاحظ كثرة مشاهد النهايات وهو أمر غير مفاجئ، فمشهد النهاية يستفيد مما قبله عن طريق تعلقنا بالشخصيات والأحداث، وعلى كل فيلم أن يجعل من هذا المشهد تجربة لا تنسى، لكيلا نندم على مشاهدة ساعتين أو أكثر.
يجب الإشارة إلى أن القائمة شخصية بالطبع، واختيارها كان بناءً على الأثر النفسي الذي وضعتني فيه أثناء المشاهدة. مع الوضع في الاعتبار، أن هناك مشاهد أخرى من نفس الأفلام هنا، استحقت التواجد في القائمة لكنني فضلت عدم تكرار الأفلام كما أنه هناك مشاهد من أفلام، جودتها في المطلق، أقل من غيرها، لكنها احتوت على مشاهد شديدة التميز والتأثير.
1- مشهد “الوميض” من فيلم Annihilation
على الرغم من أن الفيلم نفسه عانى من التشتت في الأوليات بين ما يريد طرحه من الأفكار وتقديم عدد كبير من الشخصيات وجودها غير ضروري ودوافعها غير مقنعة، مما جعل الفيلم تجربة محبطة عامة، لكن لا يمكن إنكار عظمة هذا التتابع الذي يأتي في نهاية الفيلم. فمخرج الفيلم، ألكسندر جارلند، قد نجح في خلق تتابع بصري سمعي مميز تصل مدته إلى حوالي 10 دقائق بدون جملة حوار واحدة ومع ذلك لا يوجد ذرة ملل. وترجع قيمة التتابع، إلى انعكاسه على الفلسفة التي يناقشها الفيلم، فجارلند استطاع توظيف شريطي الصوت والصورة للكناية عن حالة الخلق والتجدد داخل الوميض، وما تحيل إليه فكرة الوميض نفسها، وهي لا وعي البشر حيث يواجه البشر أكبر مخاوفهم.
2- مشهد “هل أنت مستعدة لذلك” من فيلم If Beale Street Could Talk
ما يميز هذا الفيلم حقاً عن باقي أفلام العام التي ناقشت العنصرية ضد السود هو اعتناؤه بشخصياته وحنان باري جينكيز -مخرج الفيلم- عليهم. فصحيح أن الفيلم يناقش مواضيع قاتمة مثل الظلم القضائي، الاغتصاب، الطبقية وبالطبع العنصرية، إلا أنه في الأساس فيلم عن قصة حب. وينجح جيكنيز في صنع حالة شعرية وسط كل السواد المحيط بقصة الحب هذه. وهذا المشهد البسيط هو أفضل نموذج على هذا، فبعد أن ينجح فوني وتريش في العثور على شقة أخيراً، يتمشيان وهما يتأملا بعضهما ويمسكا يديهما بيدي بعض ويصرخان فرحاً وسط الشارع. كاميرا جينكينز المحمولة ولقطاته القريبة منهم بالإضافة لموسيقى الفيلم الرائعة. كل ذلك جعلنا كمشاهدين نتوحد مع هذه الشخصيات، ونفرح لهم لوهلة على الرغم من أننا نعلم أن فرحتهم هذه لن تكتمل.
3- مشهد “التدريب” من فيلم First Man
كثيرون رأوا أن هذا الفيلم محبطاً بالنسبة لاسم صانعه الذي خلد نفسه بفيلمين سابقين هما ويبلاش ولا لا لاند. إلا أنه لا يمكن إنكار أنه داميان شازال قد نجح في هذا الفيلم في خلق حالة شعورية شديدة الحساسية، فبينما أن أغلب الأفلام يكون لديها لحظة ولحظتين تتكدس فيهم كل المشاعر أو الأحاسيس وتبلغ أثرها الأكبر عند المشاهد، فهذا الفيلم احتوى على ما لا يقل عن أربع لحظات مثل هذه.
هذا ليس فيلماً عن اكتشاف الفضاء أو الصعود إلى القمر بل هو عن شخص نيل أرمسترونج، عن أحاسيسه وصراعته الداخلية. أرمسترونج هو رجل صامت لا يعبر عن دوافعه ومشاعره بالكلام إلى حد أنك تتساءل عن دافعه إلى الذهاب في هذه الرحلة الجنونية، هذا المشهد هو ما يجيب عن هذا السؤال.
في هذا المشهد، أول تدريب للطيارين الذين تم اختيارهم للانضمام لمجموعة رواد الفضاء بناسا، يتم اختيار أرمسترونج لتجريب الجهاز الذي يلتف به في كل الاتجاهات ويصيبه بالدوار في نفس الوقت الذي يتذكر فيه لحظاته مع ابنته المتوفية، ثم بعد انتهائه، يطلب أن يستمر ويعاود الكرة مرة أخرى.
أرمسنرونج هو شخص لم يستطع المضي قدماً بعد وفاة طفلته، لكنه لا يستطيع أن يعبر عن حزنه أيضاً وانضمامه لفريق ناسا كان ملجأه الوحيد، وهو ما يظهر في مشهد “القمر” بعد ذلك. شازال في هذا الفيلم استطاع توظيف كل العناصر من كاميرا محمولة وألوان باهته وموسيقى ومونتاج لنقل أحاسيس أرمسترونج الداخلية وتقديم فيلم شعوري وتجربة سينمائية شديدة الحميمية.
4- مشهد “لطالما أحببتك” من فيلم A Quiet Place
الفيلم نفسه كان مفاجأة فجون كرازينسكي، قام بتحويل فيلم رعب تقليدي إلى فيلم حسي مليء بالدراما والمشاعر الأبوية. فكرة الفيلم عموماً مبتكرة، فبسبب وجود كائنات تهجم على فرائسها عندما يصدرون أي صوت، مما أنتج فيلم صامت تقريباً يتواصل فيه الأشخاص إما بالإشارة أو بالنظرات. وهذه الفكرة هي ما ساعدت كرازينسكي في صنع فيلم أكثر إنسانية وأكثر سيمائية أيضا فقد عوض بغياب الحوار، شريط صوت قوي وموسيقى تصويرية استثنائية بالإضافة إلى صورة الفيلم المميزة والتي تتسم بالواقعية الشديدة على عكس أغلب أفلام هذا النوع.
الفيلم مليء بالمشاهد المؤثرة لكن هذا المشهد هو أقواهم، ارتكز الفيلم بالأساس على الدراما بين أفراد العائلة، لدينا هنا طفلة تظن أن أباها يكرهها لأنها كانت السبب في موت أخيها، الأب بالفعل مستاء لكن بالتأكيد لا يكره ابنته لكنه أيضاً لم يستطع البوح لها بذلك، وعندما تأتي هذه اللحظة التي كادت أن تموت فيها الإبنة، قام بالتضحية بحياته لإنقاذها، وقبل أن يموت، قام بتوديعها بلغة الإشارة بقوله لها أنه يحبها ولطالما أحببها.
مشهد مثل هذا من السهل أن يقع في فخ الابتذال لكن كرازينسكي، مخرجاً وممثلاً نجح في تفادي ذلك بمهارة.
5- مشهد النهاية من فيلم The Favourite
المخرج اليوناني يورجوس لانثيموس، الذي اشتهر بشخصياته الباردة إلى حد وصف الكثيرين لأداءات الممثلين في أفلامه بأنها أداءات ميتة بلا مشاعر، قد قام بصناعة فيلم مشهده الأساسي مليء بالأحاسيس المكبوتة، ففي هذا المشهد الذي تدرك فيه الملكة حقيقة أباجيل فتقوم بإذلالها لتذكيرها لها بأنها مجرد عبدة لدى الملكة.
اعتمد لانثيموث بجانب الأداء الرائع من ممثليه على تقنية التلاشي في المونتاج حيث يدمج في نفس اللقطة بين وجه أباجيل وهي تبكي لأنها مذللة، وجه الملكة وهي منهارة بسبب أنها أدركت أنها فقدت الشخص الوحيد الذي يهتم بأمرها، ثم لقطة للأرانب التي تعتبرها الملكة كناية عن أطفالها الموتى. مشهد في غاية العبقرية، يلخص الكثير بكل بساطة وبمنتهى الحسية.
6- تتابع البداية من فيلم Searching
ميزة هذا الفيلم الأساسية ليست شكله البصري المميز الذي يعرض أحداث الفيلم كلها من شاشة اللاب توب وليست أحداثه المشوقة وغير المتوقعة بل في استخدامه لهذا الإطار البصري لتكثيف كم كبير من المشاعر الإنسانية في وقت قليل وبشكل غير تقليدي بالمرة.
في هذا التتابع، نرى حياة عائلة على مدار سنوات، نبدأ بالزوجين، ثم ولادة الطفلة، حياتهم مع بعضهم البعض، مرض الأم ثم موتها، أثر ذلك على كل من الأب والإبنة، كل ذلك في سبع دقائق! كم المشاعر الذي ينتقل إلينا كمشاهدين مهول ويستمر أثره طوال الفيلم تقريباً، مجدداً، كم من السهل أن يقع صناع الفيلم في فخ الابتذال وربما على الورق، يمكننا وصفه بالابتذال أو على الأقل بالكليشيه، لكن تنفيذه هو ما حمل كماً كبيراً من الصدق والحساسية.
7- مشهد النهاية في قصة “الفتاة التي خافت” من فيلم The Ballad of Buster Scruggs
في فيلم يحتوي على ست قصص قصيرة، ليس من الغريب أن نعتبر هذه القصة أفضلهم والفضل الأكبر في ذلك، يرجع أن العناية الشديدة ببناء الشخصيات وتطورها فهذه القصة أطول القصص زمنياً على الشاشة وأثر ذلك يظهر في مشهد النهاية هنا والذي يمكن اعتباره أفضل مشاهد الفيلم لسببين، لأنه كان مفاجئاً، فبسبب طول القصة عن باقي القصص، لم نستطع كمشاهدين معرفة متى يمكن أن تنتهي لذلك عندما أتت أخر لقطة بقتل الفتاة لنفسها، كانت صدمة لنا بالفيلم جعلنا نتعلق بالشخصية ونحبها ونأمل في مستقبل أفضل لها بعد كل ما عانته.
السبب الثاني الذي يجعل هذا المشهد مميزاً هو أنه أكثر مشهد يبرز فلسفة الفيلم المتعلقة بعبثية الحياة وحتمية الموت، فأليس قتلت نفسها بدون داعٍ لأن هذا ما تعودت عليه طوال عمرها، أن تطيع الأوامر وتنفذ ما يُطلب منها دون تفكير.
8- مشهد النهاية من فيلم Leto
مثلث الحب المعقد بين أبطال الفيلم الثلاثة هو فعلاً ما يدور عنه الفيلم وليس عالم الروك في سبعينات روسيا ولا تقديم سيرة ذاتية لشخصيات معروفة، هو فيلم عن علاقتهم الثلاثة ببعضهم البعض ومشهد النهاية المؤثر هو أفضل نموذج يوضح ذلك.
في مشهد النهاية، نرى فيكتور وهو على وشك تقديم حفلته وينظر حوله باحثاً عن مثله الأعلى مايك، وهو أكثر شخص يهمه أن يتواجد، حتى من زوجة فيكتور التي عاش علاقة حب معها.
ظهر مايك بالفعل هو وزوجته ناتاليا. مايك يعلم بعلاقة فيكتور وناتاليا، لذلك كانت مشاعره نحو فيكتور مضطربة فصحيح أنه يشعر بالغضب والحقد لكنه أيضاً يقدره كفنان، مع ذلك يترك الحفل ويذهب تاركاً ناتاليا وحدها وهي مستمتعة بأداء فيكتور.
ناتاليا تحب فيكتور لكنها في نفس الوقت صريحة مع مايك ولا تستطيع تركه. تلك العلاقة المركبة بين هؤلاء الثلاثة تم بنائها بالتدريج طوال الفيلم مع توظيف أغاني الفرقة الحقيقة داخل الأحداث، وهو ما يجعل مشهد النهاية، مشهداً عظيماً لأنه يوضح النهاية المثالية لتوضيح طبيعة الفيلم.
9- مشهد النهاية من فيلم The Wild Pear Tree
يمكن اعتبار هذا الفيلم من أفضل الأفلام التي تناولت علاقة الأب والإبن على الإطلاق. الأب الذي جلب الديون لعائلته بسبب إدمانه للقمار والابن المستفز الذي يرى نفسه أفضل من كل من حوله ويعتقد أنه فنان ويحتقر أبوه لفشله.
كلا الشخصيتان أبعد ما يكونا عن المثالية وهذا مصدر تميز هذا الفيلم في تقديمه شخصيات حقيقية وغير نمطية. في هذا المشهد، يعود الشاب بعد قضاء فترة الخدمة العسكرية ويجلس مع أبيه ويكتشف أنه هو الشخص الوحيد الذي قام بقراءة كتابه بل ويحتفظ به معه دائماً ويحفظ جملاً منه، وفى نفس الوقت، يكتشف الأب أنه كان مصدر الإلهام لإبنه في كتابه وأن الحكاية التي كان يتلوها له في صغره عن شجرة الأجاص هي سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم، هذا هو الحب العائلي الغير مشروط وشديد الواقعية.
في آخر لقطة، حيث نرى الإبن يحفر الحفرة التي بدأها الأب بحثاً عن الماء والذي لم يصدقه أحد بسبب ذلك وظنوه مجنوناً حتى الإبن، لكنه يقوم بحفرها الآن لأجل والده. بعد مضى ثلاث ساعات هي مدة الفيلم، كانت هذه النهاية أكثر من مرضية لنا كمشاهدين.
10- مشهد الشاطئ من فيلم Roma
إيقاع الفيلم البطيء يأتي بثماره في هذا المشهد، فعلى مدار ساعتين شاهدنا فيهما كليو وتعايشنا معها حرفياً ومع تفاصيل حياتها اليومية، يأتي هذا المشهد لنعيش معه حالة توتر وقلق وخوف على كليو والطفليين اللذان قامت بتربيتهما.
مشهد طويل زمنياً، يبدأ بالعائلة على البحر والطفلين يخبران الأم بأنهما يريدا السباحة فتوافق وتطلب من كليو أن تبقى عينيها عليهما ثم تذهب للفندق، تراقب كليو الطفلين حتى يبتعدا، كليو لا تستطيع السباحة، تنادى عليهما ولا تسمع إجابة، يسحبهما الموج، تدخل كليو إلى البحر تدريجياً، تنادى عليهما، الموج يعلو ولا ترى أحداً، فجأة تجد أحدهما ثم بعد برهة تجد الآخر وقد عام فوق سطح الماء، ولا نعرف إن كان غرق أم لا، تسحبه كليو ثم يسحبهم الموج جميعاً إلى داخل البحر.
هل يغرقون جميعاً؟ تنجح كليو في إخراجهم جميعاً من البحر وتنقذ الطفلين ثم تأتي الأم والطفلين الآخرين ويشكراها ثم في لحظة انهيار تبكي كليو بحرقة والذنب يملأها قائلة بأنها لم تكن تريد طفلها.
هذا المشهد هو ذروة الفيلم، عبارة عن لقطة واحدة طويلة تتابع فيها الكاميرا كليو في كل خطوة، وبحركة كاميرا تماثل حركة كليو ثم حركة الأمواج وشريط الصوت المعتمد على صوت ارتطام الأمواج ببعضها، يستطيع كوارون أن يخلق حالة معايشة مرعبة لدى المشاهد.
هناك قيمة أخرى غير قيمة المعايشة في هذا المشهد، فكليو التي خسرت حياة طفلها، أنقذت حياة طفلين وأصبحت فرداً من العائلة بحق. مشهد في غاية الروعة، لن يمحى من ذاكرة أي ممن شاهد الفيلم، ويستحق أن يتوج بكونه أفضل مشاهد 2018.
مازن فوزي - اراجيك