لماذا خلق الله تعالى إبليس (لعنه الله) ؟
*
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي محمد وعترته (صلى الله عليهم وسلم) ...
ينبغي العلم أنّهُ ليس الشيطان فقط هو المسؤول عن الشر والضلالة ، بل يتبع الإنسان عدوٌ آخر لا يفارقه حتى يموت . ألا وهي النفس وهواها :
- قَالَ تَعَالَى : ﴿۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 53.]
- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ - [سُّورَةُ الشَّمْسِ : 7 - 10.]
- قال أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) : « أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ » . (بحار الأنوار : ج71، ص271.)
وقال (عليه الصلاة والسلام) : « هَوَاكَ أَعْدَى عَلَيْكَ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ ، فَاغْلِبْهُ وَإِلَّا أَهْلَكَكَ » . (عيون الحكم والمواعظ : ص514، ح9348.)
فلا بد من الإشارة إلى النفس الأمارة بالسوء ومن ثم الخوض في موضوع إبليس (لعنه الله) .
... أما بعد ...
فإن الله سبحانه وتعالى خلق آدم (عليه السلام) من أديم الأرض .
وأراد أن يختبره ويجازي أعماله . قَالَ تَعَالَى : ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ - [سُّورَةُ هُودٍ : 7.]
وما أراد تعالى أن تكون الدنيا لابن آدم هي المقر الرئيسي للعيش ، بل أراد من بني آدم العبادة والطاعة .
1- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ - [سُّورَةُ الذَّارِيَاتِ : 56.]
2- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْأَنْعَامِ : 32.]
3- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ - [سُّورَةُ البَقَرَة : 30.]
4- قَالَ تَعَالَى : ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ - [سُّورَةُ البَقَرَة : 35.]
الآن قد يسئل سائل : أوليس أنَّ الله تعالى أرسل آدم إلى الجنة ثم دخل إبليس (لعنه الله) فأضل آدم وأخرجه ؟!
فنجيبه :
سُئِلَ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : عَنْ جَنَّةِ آدَمَ (عليه السلام) ؟
فَقَالَ (عليه السلام) : "جَنَّةٌ مِنْ جِنَانِ الدُّنْيَا ، تَطْلُعُ فِيهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِنَانِ الْآخِرَةِ مَا خَرَجَ مِنْهَا أَبَداً". (الكافي : ج3، ص247.)
فهذا ليس بصعبٍ على الله سبحانه أن يخلق عالماً يطلع فيه الشمس والقمر ويطلق عليه لقب الجنة لجماله ومظهره الرائع . ومن ثم أليس في الجنة حورٌ عين وولدان مخلدون ؟ فكيف يكون ان تكون لآدم زوجة بشرية واحدة ؟. فإذاً أنَّ الجنة التي عنى بها الله تعالى في كتابه هي جنة من جنان الدنيا وليست من جنان الآخرة .
*
الآن قد يسأل سائل : (عقلي لا يتقبل أن يخلق الله تعالى إبليس ليضل عباده ؟!)
فنجيبه :
خلق الله تعالى الشيطان للعديد من المصالح والحكم التي لا يعلمها إلى الله ومنها :
1- زيادة خوف المؤمنين والملائكة من ذنبهم بعد مشاهدة سقوط إبليس من المرتبة الملكية إلى المنزلة الشيطانية ، الأمر الذي دفعهم لعبادة الله عبادة أخرى والخوف والخضوع له .
2- امتحان العباد ليفرق بين طيبهم وخبيثهم وليميز بينهم محبته لحكمته وعدله حيث خلق من يُظهر فيهم حكمته وعدله .
3- إظهار عموم تصرفه وتنوّعه بالعقاب والثواب والإكرام والفضل والإذلال والإعزاز ، فله سبحانه الملك التام .
4- إظهار كمال قدرته في الخلق ، فقد خلق الملائكة وجبريل والشياطين وهو خالق الأضداد كالجنة والنار والسماء والأرض والحر والبرد والطيب والخبيث .
5- إظهار كماله ، فحمده سبحانه تامّ كامل من كافّة الوجوه ، فهو محمود على عدله وخفضه ومنعه وإهانته وانتقامه ، كما أنه محمود على عطائه ورفعه وفضله .
*
دعونا الآن نعرف سبب إمهال الله تعالى إبليس (لعنه الله)
بإضلال بني آدم إلى يوم يُبعثون :
قال إبليس (لعنه الله) حينما رأى قوماً يتناولون أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) ، فقال لهم :
﴿اسْمَعُوا مِنِّي مَعَاشِرَ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ ، عَبَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَانِّ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ ، فَلَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ الْجَانَّ شَكَوْتُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْوَحْدَةَ فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَعَبَدْتُ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ أُخْرَى فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ نُسَبِّحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَنُقَدِّسُهُ إِذْ مَرَّ بِنَا نُورٌ شَعْشَعَانِيٌّ فَخَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ لِذَلِكَ النُّورِ سُجَّداً فَقَالُوا سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ هَذَا نُورُ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ أَوْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، فَإِذَا بِالنِّدَاءِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿مَا هَذَا نُورُ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ هَذَا نُورُ طِينَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ)﴾ . (علل الشرائع : ج1، ص136.)
وسُئِلَ الإمام الصادق (عليه السلام) : كَيْفَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْلِيسَ : ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ ؟
قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لِشَيْءٍ كَانَ تَقَدَّمَ شَكَرَهُ عَلَيْهِ . قِيلَ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : رَكْعَتَانِ رَكَعَهُمَا فِي السَّمَاءِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ . (علل الشرائع : ج2، ص212.)
*
خُلاصة الحديث :
تكمن الحكمة في بقاء إبليس إلى آخر الدهر في امتحان العباد ومجازاة الشيطان على صالح عمله السابق .
فيا عبد الله المسلم متى ما شعرت بالوسوسة أوْ سوَّلت لك نفسك لفعل الحرام والموبقات فذكّر شيطانك بعبادته التي قضاها في أعالي السماوات . وقل لنفسك : ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ - [سُّورَةُ الشُّعَرَاءِ : 62.]
هذا ونختم حديثنا بحديث أمير المؤمنين الإمام علي
(صلوات الله وسلامه عليه) :
« فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ ، كَلَّا مَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ ، وَمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ » .
المصدر : (نهج البلاغة : ص287. طبعة صبحي الصالح.)