"ملاك الموت".. طبيب نكل بمئات الأطفال عبر تجارب قاتلة
المصدر: تونس – طه عبد الناصر رمضان
في أيار/مايو 1943، حلّ الطبيب الألماني جوزيف منجليه (Josef Mengele) المجنّد لصالح قوات شوتزشتافل (Schutzstaffel)، المعروفة أيضا بوحدات الأس أس، في معسكر الموت بأوشفيتز (Auschwitz) ببولندا، حيث وافقت الإدارة الألمانية على مطلب تقدّم به الأخير مطلع العام، لنقله إلى أحد معسكرات الموت النازية التي كانت منتشرة في بولندا.
تميّز جوزيف منجليه بطبعه الهادئ وثيابه الأنيقة وهيأته المحترمة التي جعلته شخصا جذّابا في نظر الجميع، لاسيما أن كل تلك الصفات تزينت بمستوى علمي وثقافي مرموق وخبرة مهنية وأبحاث طبية، إذ عمل مع العديد من كبار الباحثين الألمان حينها.
صورة للطبيب الملقب بملاك الموت جوزيف منجليه
"ملاك الموت" ينتقي التوائم
مع انضمامه لمعسكر أوشفيتز، تغيرت حياة منجليه بشكل جذري، فقد اتجه إلى إجراء تجارب وأبحاث طبية على البشر، لاسيما على الأطفال التوائم، بهدف دراسة الخصائص الجينية، ليكسب بذلك سمعة سيئة، ويلقّب بملاك الموت، ويتحوّل مع نهاية النزاع العالمي لمجرم حرب، وواحد من أبرز الوجوه النازية الفارة من العدالة، خاصة مع اختفائه بشكل غريب لعقود وتحديد موقعه بعد وفاته بالبرازيل.
لعب جوزيف دورا بارزا في انتقاء المعتقلين حال وصولهم على متن القطار إلى معسكر أوشفيتز، إذ كان يتمتع بسلطة إرسالهم إلى مراكز العمل القسري أو غرف الغاز.
إلا أن "طبيب الموت" هذا بدا سعيداً جداً عند عثوره على توائم في عربات القطار، وعمد إلى تفرقة هؤلاء الأطفال عن بقية أفراد عائلتهم ليتم اقتيادهم نحو مناطق أخرى في معسكر الموت.
صورة لهنريش هملر قائد قوات الأس أس خلال زيارته لعدد من المعتقلين بالمعسكرات الألمانية
لكن في بعض الأحيان، سمح ملاك الموت لعدد من الأمهات بالبقاء مع أبنائهن التوائم خاصة إن كان الأطفال صغار السن وغير قادرين على العيش بمفردهم.
مناطق خاصة في المعسكر
وعقب حصوله على التوائم، كان جوزيف منجليه يأمر بإرسالهم نحو مناطق خاصة بالمعسكر. حيث يستحم هؤلاء الأطفال حال وصولهم ويسمح لهم بالحفاظ على شعرهم وثيابهم الخاصة، على عكس سائر المعتقلين، قبل أن يجبروا، إما بمفردهم أو بمساعدة أمهاتهم، على ملء وثائق إرشادات تتضمن معلومات حول السن والطول ونمط الحياة.
وعلى إثر ذلك، يتكفل جنود الأس أس بمنح رقم لكل طفل ووضع وشم على جسد كل منهم، لتمييزه قبل أن يرسلوهم للطبيب منجليه، الذي يتكفل بالتدقيق فيهم بحثا عن سمة وراثية واضحة على أجسادهم.
وبالمناطق الخاصة بهم، حظي التوائم بحياة يومية أفضل من تلك التي عانى منها بقية المعتقلين.
فكانوا يستيقظون يوميا في حدود الساعة السادسة صباحا ليتم عدّهم قبل أن يحصلوا على وجبة الصباح. ومن ثم يمر الطبيب جوزيف منجليه بينهم لتفقدهم وتأمل أجسادهم وصفاتهم الجينية.
إلى ذلك، كان منجليه يمازح الأطفال ويسمح لهم باللعب ويحمل أحيانا في جيبه قطع شوكولاتة يقدمها للأطفال الذين لقّبوه بالعم منجليه.
صورة لعدد من المسؤولين بمعسكر أوشفيتز ويتوسطهم الطبيب منجليه
تجارب مرعبة.. بتر أطراف وانتزاع أعضاء دون تخدير
لكن مع قدوم العربات التي تقلّهم نحو المختبرات، تنقلب حياة التوائم رأسا على عقب، فيخضع هؤلاء حال نقلهم لتجارب مرعبة تنتهي بموتهم.
وفي حين اقتصرت بعض التجارب على سحب كميات هامة من الدم ونقلها من توأم لآخر وتأمل ردة فعل الجسم، اتجه منجليه لإجراء عمليات جراحية للأطفال، كبتر الأطراف والإخصاء وانتزاع الأعضاء، دون تخدير لمعرفة قدرة الجسم على تحمّل الألم.
صورة للطبيب جوزيف منجليه
إلى ذلك، سعى الطبيب النازي إلى تغيير لون أعين ضحاياه للأزرق، عبر حقن مواد كيميائية في عيون الأطفال لمشاهدة التغييرات، وغالباً ما كانت تلك التجارب تسبب العمى للأطفال.
العبث بالنخاع الشوكي أيضاً!
وإضافة لعمليات التدقيق والمقارنة بين الخصائص الجسدية، كلون العينين والشعر والطول وشكل الأصابع، للتوأم، أجرى منجليه تجارب أخرى اقتصرت على حقن النخاع الشوكي لأحد التوأمين بأدوية لمعرفة مدى تأثيرها على جسده، ومقارنة النتائج المتحصل عليها بالجسد السليم للتوأم الثاني.
الإعدام رمياً بالرصاص
كما لم يتردد منجليه في نقل بعض الأمراض الخطيرة والقاتلة كالسل وحمى التيفوئيد لأحد التوأمين لمعرفة تأثير المرض على الإنسان عن طريق مقارنة الأعراض على جسم التوأم المصاب بالجسم السليم للتوأم الآخر. وفي حالة وفاة أحد التوأمين، يصبح التوأم المتبقي بلا قيمة، لذلك تتكفل قوات الأس أس بالمعسكر بإعدامه رمياً بالرصاص قبل تشريحه وإرسال جانب من أعضائه نحو المخابر الألمانية.