الدين والثقافة في سومر
كثير من القصص التي يحفل بها الكتاب المقدّس, كان قد أخذها العبريون الرُحّل من الثقافة والدين السومريين. وبيومنا هذا, نجد اليهود والمسيحيون, بل وكثير من المسلمين: يعتقدون بأنّ تلك القصص هي قصصهم الأصلية والتي وضعها الشعب المختار, ولكن هذا أبعد ما يكون عن الواقع!

موجز تأريخي لحضارة سومر

أوائل الساكنين


عُثِرَ على مستوطنات بشرية, في وادي الرافدين, منذ عصر النيوليت { الحجري الحديث }, وتوزعت المراكز الحضارية في الشمال كما تثبته ثقافة قرية جرمو { 6700 – 6500 قبل الميلاد }, وفي العصر النحاسي ثقافة " تل حسونة " و " سامراء " { 5500 – 5000 قبل الميلاد }, وفي الجنوب كما تثبته ثقافة مناطق " العبيد " { 5000 – 4000 قبل الميلاد }, " الوركاء " { 4000 – 3200 قبل الميلاد } و" جمدة نصر " { 3200 – 3000 قبل الميلاد }.



لا يوجد سجلات مكتوبة, تعود لتلك الفترة, حول أصل السومريين, كما أنّ الجماجم المعثور عليها لا تحلّ مشكلة الأصل هذه, حيث أنها تمثِّل جماجم ذات أشكال مختلفة بوجود بعض المؤشرات للأصل القوقازيّ, وتجري دراسة المنحوتات السومرية والتي تبيِّن جماجمها نوع من الاستطالة, وإلى جانب الألوان, والتي تعطي انطباع عن مزيج قوقازيّ وأعضاء بسلالة سوداء. ولكن كل هذا لا يشكِّل دليل كاف لحل مشكلة الأصل السومريّ, وهو ما فعله البلاستيك بالمنحوتات المصرية بحيث يعطي انطباع مخالف للواقع.



تمّ استبعاد إمكانيّة التحديد المؤسّس على تطوُّر أنواع الجماجم في مجموعة الهلال الخصيب, لأنها قد امتزجت بصورة كبيرة, مع هذا, يمكننا التفريق بين 4 مجموعات كبرى بملامح رئيسيّة بكل مجموعة بحقب زمنية مختلفة:

قبل 4000 قبل الميلاد, نعثر على جماعات مستطيلة الرأس dolicocéfalas من النمط " المتوسطيّ ", " الأوروبيون الأفارقة eurafricanos " عبارة عن تنوُّع لتلك الجماعات ولم يلعبوا دور هام قبل العام 3000 قبل الميلاد, يبدأ النوع " الألبيّ { نسبة لجبال الألب } " قصير الرأس braquicéfalos
بالظهور بعد العام 2500 قبل الميلاد, و" القوقازيون " الآتون, ربما, من الألبيين: فيظهرون بكثرة بعد العام 500 قبل الميلاد. امتلك متحدري الكيميريُّون, بالعموم, رؤوس " دائرية " { قصيرة braquicéfalos } أكثر مقارنة بباقي شعوب المنطقة, ويمكن أن يكون أصل مصطلح " سومريّ " بحسب بعض علماء اللغات هو مصطلح " كيميريّ cimerios ", ولهذا ترى كثير من الأبحاث بأنّ كلا الشعبين يشكلان ذات الشعب بحقب مختلفة, لكن لا يوجد أدلة قاطعة لدعم هذه الفرضيّة.



من المُحتمل أن يكون السومريون قد شكّلوا قبيلة قادمة من الخارج, وربما من مناطق سهوب, لكن يبقى أصلها مجهولاً حتى الآن. وهذا ما أطلق عليه تسمية " المشكلة السومرية " منذ بدايات القرن العشرين. بكل الأحوال, تتبلور بحقبة موقع " العبيد " جملة من التطورات في الوركاء { أوروك بالآكاديّة } والتي يمكن اعتبارها بداية حضارة سومر.

حقبة أوروك / الوركاء



تشكِّل أوروك مركز لأهم الاكتشافات بتاريخ البشريّة: ففيها يظهر الدولاب { العجلة } في العام 3500 قبل الميلاد, تبدأ الكتابة في العام 3300 قبل الميلاد وفيها أقدم الرقيمات الطينية ذات الكتابات المسمارية حتى الآن. وتثبت تلك الرقيمات, بوصفها سجلات مكتوبة توثيقية, بأنّ السومريين لم يكونوا شعب هندي أوروبي ولا شعب حاميّ ولا ساميّ ولا حتى شعب عيلاميّ – درفيديّ { الذي ينتسب له العيلاميون, على سبيل المثال }. كما تثبت هذا لغتهم ذاتها. وهناك من يعتبر بأنّ السومريين لم يكونوا أوّل من استوطن وادي الرافدين الأدنى, في جنوب الهلال الخصيب, بل وصلوا بلحظة محددة بالعصر النحاسيّ, بحدود العام 3500 قبل الميلاد, خلال ما يعرف بالحقبة U حالياً.

حقبة السلالات الملكيّة القديمة

أدى انتشار تطورات ثقافة أوروك في باقي مناطق وادي الرافدين: لولادة ثقافة سومر. وهذا ما سمح بازدهار المدن بأراضي جديدة. وتميَّزت, سريعاً, تلك المدن بظهور الأسوار, ما يُشير لحصول صراعات وحروب فيما بينها. كذلك يبرز انتشار الكتابة لأبعد من المجال الإداري والتقني إلى النقوش الخاصة بتماثيل هياكل العبادة.

رغم وجود قوائم ملكيّة سومرية, فتبقى تلك الحقبة مجهولة نسبياً, حيث يتم وضع تواريخ لتلك العهود الملكية صعبة التصديق. ففي الواقع, جرى إعداد تلك القوائم اعتباراً من القرن السابع عشر قبل الميلاد, وذلك بغية تمجيد الأصول البعيدة والأنساب العظيمة لكل حاكم. في الغالب يكون وجود بعض الملوك واقعيّ لكن بعضهم الآخر لا يوجد أدلة كافية تدعم حضورهم.

الهيمنة الآكاديّة

الامبراطورية الآكادية


بحدود العام 2350 قبل الميلاد, سيطر سرجون الآكادي على السلطة في مدينة كيش. وقام بتأسيس عاصمته آكاد وغزا باقي مدن سومر وغلب لوغال زاغيزي سي الذي كان مُسيطراً حتى وقتها. تشكلت ملامح أوّل امبراطورية ضخمة في التاريخ, وسيحكمها خلفاء سرجون الآكادي, الذين سيواجهون ثورات دائمة. ويبرز بين خلفاء سرجون حفيده الغازيّ نارام سن. ومن تلك اللحظة يبدأ تقهقر الثقافة واللغة السومرية لصالح الآكاديين.

ستتهاوى تلك الامبراطورية بحدود العام 2220 قبل الميلاد, بسبب الثورات الدائمة والغزوات التي قام بها العموريين الرعاة, سيما الغوتيين منهم. إثر سقوطها, سيطرت تلك القبائل الرعوية على كامل المنطقة, خصوصاً على محيط العاصمة آكاد المُدمرة. وتصفهم السجلات السومرية " بالبرابرة " أو " وحوش الجبال ", لكن الواقع ربما لم يكن بكل هذا السوء, فقد ازدهرت الفنون ببعض المناطق التي سيطروا عليها, كحال مدينة لغش, سيما خلال فترة حكم كوديا. استخدموا في الأعمال الفنيّة مواد جلبوها من مناطق بعيدة: كشجر الأرز من لبنان أو حجر الديوريت, الذهب والعقيق الهنديّ, ويُشير هذا لنشاط تجاريّ بتلك الحقبة ايضاً. اشترت المدن الجنوبيّة الأبعد عن مركز السلطة الغوتيّة حريتها بدفع جزية كبرى, فقد ازدهرت أوروك / الوركاء خلال حكم السلالتين الثانية والرابعة.



عصر النهضة السومريّ

كان, بحسب رقيِّم أثري, أوتو حيكال ملكاً على أوروك بحدود العام 2100 قبل الميلاد, وقد هزم وطرد الحكّام الغوتيين من سومر. لم يستمرّ كثيراً في الحكم, فسرعان ما سيطر أورنموعلى الحكم من خلال السلالة الثالثة في أور { سلالة أور الثالثة } أو النهضة السومرية. امتدت الامبراطورية لمساحات فاقت مساحة امبراطورية سرجون, والتي ستأخذ فكرة توحيد الامبراطورية. ويتجلى هذا البُعد الوحدويّ من خلال تسمية الملك الحاكم: بوصفه ملك سومر وآكاد.

سيخلف أورنمو بالحكم ابنه شولغي, الذي حارب عيلام وقبائل رعاة جبال زاغروس. وخلف هذا الحاكم ابنه أمارسين والذي خلفه في الحكم أخوه شوسين الذي خلفه في الحكم ابنه إبي سين, والذي بعهده ازدادت هجمات العموريين الآتين من الجزيرة العربية, سيما في العام 2003 قبل الميلاد, والتي تسببت بسقوط آخر إمبراطورية سومرية سائدة. ومن تلك اللحظة سوف تبدأ الثقافة الآكادية بالسيطرة, ولاحقا الثقافة البابليّة التي سترث دور الامبراطوريات السومرية الكبرى.

حقبة سلالة أور الثالثة

سمح زوال الامبراطورية الآكادية بحصول النهضة السومرية والعودة لممالك المدن. وقد برزت إصلاحات كوديا من السلالة الثانية في لغش بتلك الحقبة السومرية الجديدة { 2175 قبل الميلاد }. وبوقت لاحق خلال حقبة السلالة الثالثة في أور, وضع أورنمو مجموعة من القوانين والقواعد المُصاغة بصورة جيدة وحقق تغييرات عديدة. وبتلك الفترة بدؤوا بتسمية الملوك: كملوك سومر وآكاد { 2111 قبل الميلاد }. سيطوِّر شولغي بحدود العام 2093 قبل الميلاد الأوزان والقياسات الموجودة, كما أنه سيعزِّز تقوية الحدود لصدّ اعتداءات ساميّة – عموريّة.

تحققت هزيمة الاميراطورية الآكادية, بالنهاية, بفضل هجمات العموريين المعدومين بقوات مساعدة من العيلاميين الساميين القادمين من الهضبة الإيرانية فتغلبوا على أور { العام 2003 قبل الميلاد }. حيث تعود لحالة التشرذم السياسيّ وانتعاش السلالات الحاكمة المحلية. وبهذا تُخلق امبراطورية صغيرة بحدود العام 1792 قبل الميلاد, وستظهر الملكية الخاصة مُفضية لمجتمع ما قبل رأسمالي. بالمقابل سيجري تنصيب سلالة عمورية حاكمة في بابل { العام 1792 قبل الميلاد }.

تمّ تنظيم مجتمع السلالة الثالثة في أور, على الشكل التالي:

1- الماشدا: " في المقام الثاني ".
2- الإيرين: " جمهور القصر ". ويمكن أن يشمل الخَدَمْ أو الحاشية.
3- الإيرغيم: الخادمون { الأحرار }. يبيع الآباء أبناءهم للهيكل المقدس, وهم لا يفقدون حريتهم بالرغم من صغر سنهم.
4- النامرة: العبيد. وكان يتم تمييزهم من خلال قلادة تحمل الاسم أو خصلة شعر على الرأس.




الدين والعقائد
الأدب السومريّ

اشتمل الأدب السومريّ على ثلاث مواضيع كبرى, هي: الأساطير, الأناشيد والرثاء. وقد تضمنت أساطير سومر السير المقتضبة لشخوص آلهة ما بين النهرين: إنليل كبير الآلهة والجدّ الأكبر لكثير من الآلهة الصغيرة. إنانا إلهة الحب والحرب إو إنكي إله المياه الصالحة المُجابه, من حين لآخر, للإلهة نينهورساغ إلهة الجبال. تشكِّل الاناشيد نصوص مدح الآلهة, الملوك, المدن أو الهياكل. أما المراثي أو نصوص الرثاء فتتحدث عن الكوارث كخراب المدن أو الهياكل وتخلي الآلهة عنها كسبب.

بالرغم من إمكانيّة وجود أصل لتلك القصص, من خلال وقائع تاريخية محددة كالحروب, الطوافانات أو النشاط المعماري لملك هام, فربما قد حصل التضخيم والتشويه بمرور الزمن.

شكّل الخلق الأدبيّ السومريّ الخاص نموذجاً من القصائد الحوارية المؤسسة على مفاهيم متناقضة. كذلك شكلت الأقوال المأثورة { الأمثال } جانباً مهماً من النصوص السومرية.

وكحال الجماعات القديمة الغير متمدنة, فقد رأى السومريون محيطهم من خلال السحر الصادر عن الأرواح, سحر قد شكّل التفسير الوحيد لكيفية عمل الأشياء, وقد شكّلت تلك الأرواح آلهتهم. وبحضور كثير من الأرواح في المحيط, اعتقد السومريون بالعديد من الآلهة التي امتلكت مشاعر بشرية. لقد آمنوا بكون الشمس, القمر والنجوم: آلهة. كذلك اعتبروا نبات القصب الذي نما بمحيطهم والبيرة التي قطروها بمثابة آلهة.

آمنوا بأن الآلهة تحكمت بالماضي وتتحكم بالمستقبل, وأنها هي من وهبتهم كل مؤهلاتهم, بما فيها القدرة على الكتابة, وحتى أنها ساهمت بتزويدهم بكل ما احتاجوا معرفته. لم ينتبهوا لأنّ كل نتاجهم الحضاريّ قد حصل نتيجة جهودهم الخاصة فقط, كما أنهم لم يكترثوا بالتقدُّم التقني أو الاجتماعي.

رافق كل إله من تلك الآلهة السومرية { باللغة المسمارية السومرية: دينخير = إله والجمع دينخير – دينخير أو دينخير – ني – ني } مدنا مختلفة, وكانت أهمية تلك الآلهة دينياً تتبع السلطة السياسيّة بكل مدينة لناحية الازدهار أو الانحطاط. وفق التعاليم السومرية, خلقت الآلهة الإنسان اعتباراً من الطين وبقصد قيام هذه المخلوقات الجديدة بخدمة تلك الآلهة. وعندما كانت تغضب تلك الآلهة: تسببت بالزلازل أو الكوارث الطبيعية. يسود هذا المشهد في الدين السومريّ, بالتالي ساد الاعتقاد بأنّ البشرية قاطبة قد كانت تحت رحمة الآلهة.




رسم بياني يوضّح العلاقة بين آلهة سومر, حيث يمثل اللون الأزرق الفاتح: الآلهة الذكور واللون الزهري: الآلهة الإناث بتسمياتها المعروفة.

يمكن التنويه بأهم آلهة سومر, وفق التالي:

- آن, إله السماء.
- نمو, الإلهة الأمّ.
- إنانا, إلهة الحبّ والحرب { تكافيء الإلهة عشتار الآكاديّة }.
- إنكي في هيكل إريدو, إله الخيرات, المُتحكِّم بالمياه العذبة بأعماق الأرض.
- أوتو بالسومرية أود, إله الشمس.
- نانا, إله القمر في مدينة أور.
- إنليل, إله الرياح.

من المُحتمل أن يكونوا السومريون قد حفروا آبار لبضعة أمتار في الأرض وعثروا على المياه العذبة. اعتقدوا بأنّ الأرض عبارة عن قرص ضخم طافٍ على مياه البحر. وقد أسموا هذا البحر نمو وفكروا بأنّه تواجد منذ الأزل. واعتقدوا بأنّ نمو قد خلق الأسماك, الطيور, الخنازير البريّة ومخلوقات أخرى قد ظهرت في المستنقعات والأراضي الرطبة.

بحسب السومريين, خلق نمو السماء والأرض. جرى فصل السماء عن الأرض لإفساح المجال لولادة الإله الذكر آن { إله السماء كما ورد أعلاه } وولادة إلهة أنثى للأرض هي الإلهة كي. آمنوا بأنّ آن وكي قد أنجبا ابنهما الإله إنليل { إله الغلاف الجوي, الرياح والعواصف } وهو المسؤول عن فصل النهار عن الليل وعن سقوط المياه من السماء إلى الأرض, وإلى جانب والديه وضع أساس خلق النباتات, البشر ومخلوقات أخرى, ساهم بإنتاش البذور وأعطى الشكل البشريّ اعتباراً من الطين.

تشكّل الكون, بحسب اعتقادات السومريين, من قرص مسطّح مغلق بقبّة نحاسيّة. اقتضت حياة ما بعد الموت الهبوط لعالم سفلي منحط, والعيش بجحيم لا يُطاق.

اعتقدوا بأنّ نموّ المزروعات: قد حدث بسبب اقتران إله ذكر مع زوجته الإلهة الأنثى. رأوا بأشهر الرطوبة والحرارة خلال الصيف وتلوُّن الحقول بالبنيّ: كلحظات موت للآلهة. وعندما كانت تعود للخضرة لتلك الحقول في الخريف: آمنوا بقيامة تلك الآلهة من الموت. واعتمدوا هذا كبداية للعام, حيث كانوا يحتفلون به في هياكلهم ترافقهم الموسيقى والأغاني.

لم يؤمنوا بالتغيُّرات الاجتماعيّة, بالرغم من قيام كهنة سومر بتغيير بالقصص التي قصُّوها وخلق تغييرات في القصص القديمة, دون اعترافهم بأنّ هذا عبارة عن تغيير فرضه البشر أو التساؤل عن سبب إخفاقهم بتحقيقه بقصص سابقة. كانت الأفكار الجديدة, ببساطة, وحياً من آلهتهم.

امتلك السومريون نماذج مختلفة من الكهنة, ومن أشهرها الآتي:

- الآشيبو, طارد أرواح وطبيب.
- البارو, فلكيّ وعرّاف.
- كاديشتو, كاهنة.

تكونت الهياكل السومرية من قاعة مركزية وممرين جانبيين, محاطين بغرف الكهنة. وفي نقطة محددة بالممر نعثر على غرفة مبنية من طوب طين مشوي وتستخدم لتقديم الأضاحي من حيوانات ونباتات.

كان يتم تشييد الحظائر والمخازن, بالعموم, بالقرب من المعابد / الهياكل. بوقت متأخِّر, بدأ السومريون ببناء معابدهم في قمم التلال المُجهزّة مُسبقاً, على شكل مدرجات وواجهات متعددة: سميت تلك المعابد بالزقورات.