تدوين اللغة الأكدية

إلاّ أن الصعوبة في استخدام الطريقة الصوتية (المقطعية) في الكتابة بدأت عندما حاول الكتبة تدوين اللغة الأكدية التي أصبحت منذ عهد الدولة الأكدية ( 2371ـ 2230 ق.م) لغة البلاد إلى جانب اللغة السومرية، واستمرت بالتداول باللهجتين البابلية والآشورية طيلة أكثر من ألفي عام. لكن الأكدية لغة (سامية) تختلف عن اللغة السومرية من جوانب عدة فهي تضم أصواتاً صامتة، كالأصوات الحلقية والمفخمة التي لا توجد في اللغة السومرية كما أن تركيبها النحوي وصياغة الاسم والفعل فيها بتغيير بنية الكلمة وحركاتها وذلك بزيادة حركات أو حروف على جذر الكلمة في بدايته أو نهايته أو بين أحرفه الأصلية أو حذف حركات أو حروف منها بذلك يتغير المعنى ويحدد تحديداً دقيقاً وأن كل ذلك لا يمكن التعبير عنه بوساطة العلامات الصورية أو الرمزية الموجودة في الكتابة المسمارية السومرية المنشأ، لذا كان على الكتبة أن يجدوا طرائق ووسائل جديدة تساعد على استخدام الكتابة المسمارية لتدوين اللغة الأكدية بأفضل صيغة ممكنة فمنها:
§ الطريقة الصوتية بالدرجة الأساس حيث استخدموا قيم العلامات الصوتية مقاطع لتدوين المفردات الأكدية، فكان الكاتب يجزئ الكلمة الأكدية إلى عدد من المقاطع الصوتية ويحاول أن يجد علامات مسمارية فيها قيم صوتية مشابهة لأسلوب لفظ المقاطع الخاصة بالمفردة الأكدية، وقد يدمج الكاتب مقطعين في مقطع واحد، حسب رغبة الكاتب والأسلوب الذي اعتاده في الكتابة ولا توجد قاعدة عامة لذلك.
§ استخدم العلامات المسمارية بمعانيها الصورية أو الرمزية وبخاصة في الحقب المبكرة ـ عصر الدولة الأكدية وحتى بداية العصر البابلي القديم ـ فإذا أراد الكاتب أن يكتب كلمة رجل أو يلم = awilum أو كلمة بيت، بيتُم = bitum، بكتابة العلامة المسمارية التي تعني، وفق الطريقة الرمزية والصورية، (رجل) أو (بيت) أو غيرها من المفردات التي توجد لها علامة مسمارية خاصة تعبر عنها.
§ وقد يستخدم الكاتب الطريقة الرمزية نفسها في التعبير عن عدد من المفردات اللغوية الأكدية أو الطريقة الصوتية (المقطعية) حسب رغبته دون قيود معينة، وبمرور الوقت تزايد استخدام الطريقة الصوتية في الكتابة وتقلص استخدام العلامات الرمزية إلاّ في العلامات التي تدل على أشياء مادية، أي حسب الطريقة الصورية.
§ استخدم المقاطع الصوتية التي تضم أصواتاً مخففة لتدوين الأصوات الأكدية المفخمة أيضاً مثل استخدام المقطع الذي يضم صوت (س) المخفف لتدوين المقطع الأكدي الذي يضم صوت (س) وصوت (ص) وصوت (ز) وعبروا عن صوت الحاء (ح) أو العين (ع) بأحد حروف العلة بـ (e )أو يـ (I)، أو الحركة القصيرة المماثلة لهذين الحرفين ( ا e واِ I) .
§ خصص الكتبة علامات مسمارية معينة كانت موجودة في الكتابة المسمارية أصلاً لتدوين مقاطع أكدية معينة، أو أنهم ابتكروا علامات جديدة لتدوين الأصوات الأكدية التي لا توجد علامات مسمارية تعبر عنها.
§ أضاف الكتبة قيماً صوتية للعلامات الرمزية التي كانت تلفظ بالسومرية وهذه القيم الصوتية الجديدة تمثل أسلوب لفظ العلامة الرمزية بالأكدية، وبذلك زاد عدد قيم العلامة الرمزية الصوتية وكما في الأمثلة الآتية:
العلامة الرمزية السومرية (إ = e ) والتي تعني بيت، غدت تقرأ بالأكدية بيتُم (bitum ) بمعنى بيت أيضاً وغدت تستخدم للتعبير عن المقاطع الصوتية المشتقة من قراءتها الأكدية وقد زاد عدد معاني العلامة المسمارية الواحدة عن عشر معان كما زادت قيمها الصوتية أكثر من ذلك.
وهي علامات توضع غالباً قبل العلامات المسمارية التي تدل على الأسماء وأحياناً بعدها لتحدد صنف أو ماهية الاسم الذي تعود له والمعنى المقصود منه، إن كان للعلامة أو العلامات المسمارية التي تمثله أكثر من معنى واحد. فالعلامة التي تدل على الخشب، (وهي العلامة التي كانت تقرأ بالسومرية GIŠ وبالأكدية اِصُ is.u وتعني شجرة) إذا وضعت أمام أية علامة مسمارية أو مجموعة علامات عرف أن تلك العلامة أو العلامات تدل على اسم شيء مصنوع من الخشب. وهكذا بالنسبة لأسماء المدن والبلدان والأنهار والأشخاص والمجموعات البشرية.
ويظن أن هذه العلامات كانت تكتب فقط ولا تقرأ لما كانت الغاية منها توجيه القارئ إلى المعنى المقصود من العلامات فحسب. وهي علامات تمثل مقاطع صوتية كانت تكتب بعد العلامات الرمزية من معنى واحد أو قراءة واحدة تهدف إلى تحديد المعنى أو القراءة المقصودة من العلامات الرمزية وذلك بكتابة علامة إضافية بعدها تشير إلى المقطع الصوتي الأخير من المعنى أو القراءة المطلوبة واستخدمت النهايات الصوتية على نطاق واسع لبيان حالة الاسم الإعرابية، فالعلامة الرمزية لا تعبر عن حركة الاسم الإعرابية، فإذا وضع الكاتب بعد العلامة الرمزية المقطع الصوتي الذي يشير إلى حركة الإعراب مع التمييم أو بدونه عرف القارئ موقع الكلمة من الإعراب وهكذا نجد أن أكثر العلامات الرمزية المستخدمة للدلالة على الأسماء يعقبها أحد المقاطع الثلاثة الرئيسة التي تدل على حركة الإعراب والتمييم وهي امُ um واَم am واِم im. وكما هي الحالة بالنسبة للعلامات الدالة، يظن أن النهايات الصوتية كانت تكتب للإرشاد فقط إذ إن العلامة الرمزية كانت تقرأ كاملة مع حركة الإعراب، كما تشير إليها النهاية الصوتية.