السؤال: موقفه (صلى الله عليه وآله) من اسرى بدر
ما هو تفسير الآية الشريفة التالية: (ما كان لنبي أي يكون له اسرى حتى يثخن في الارض) بلاضافة الى الرد الذي نرد به على من يقول أن عمر بن الخطاب أصاب في هذه الواقعة حيث كان يريد يقتل الخصم والرسول أراد أن يبقيهم ...
الجواب:
أولاً :إن النصوص التاريخية التي نطمئن بصحّتها نقلت بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان رأيه أن يقتل أسرى معركة بدر ـ وهو الاصوب ـ ولكن إصرار بعض الصحابة ـ كأبي بكر ـ على عدم قتلهم وأخذ الفداء منهم قرّر (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يأخذ منهم الفداء بعد أن أخبر أصحابه بأن نتيجة أخذ الفداء هو أن يقتل في العام القابل من المسلمين بعدد الأسرى, فقبلوا ذلك وتحقق ما أوعدهم به (صلى الله عليه وآله وسلّم) في معركة أحد.
ومما يؤيد هذا ما جاء في بعض النصوص : (أن جبرئيل نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) يوم بدر, فقال : إن الله قد كره ما صنع قومك, من أخذ الفداء من الاسارى, وقد أمرك أن تخيّرهم : بين أن يقدّموهم ويضربوا أعناقهم, وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم. فذكر ذلك (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأصحابه, فقالوا : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا ( هذه الكلمة تشير إلى أن الذين قالوا ذلك هم من المهاجرين ).
بل نأخذ فداءهم, فنقوى به على عدونا, ويستشهد منا عدتهم ) ( تاريخ الخميس 1/393 عن فتح الباري عن الترمذي, والنسائي, وابن حبان, والحاكم بإسناد صحيح, ومصنف عبد الرزاق 5/210, والبداية والنهاية لابن كثير 3/289, وطبقات ابن سعد 2/14 قسم1 ).
فمما تقدم يدل على أن تخييرهم هذا إنما كان بعد تأكيدهم على رغبتهم في أخذ الفداء, وظهور إصرارهم عليه, فأباح لهم ذلك.
ولكننا نجد روايات أخرى تقرّر عكس ما ذكر آنفا, وتقول : إنه (صلى الله عليه وآله) مال إلى رأي أبي بكر, أي إلى أخذ الفداء، ولكن عمر رفض ذلك وكان رأيه هو قتلهم, فنزل القرآن بمخالفته وموافقة عمر. وهذا غير صحيح, لأن بعض علماء السنة نصّ على أن النبي (صلى الله عليه وآله) مال إلى القتل ( راجع على سبيل المثال : الكامل لابن الأثير ج 2 / 136 ).
وذكر الواقدي أن الأسرى قالوا : لو بعثنا لأبي بكر, فإنه أوصل قريش لأرحامنا, ولا نعلم أحداً آثر عند محمّد منه ؛ فبعثوا إليه فجاءهم فكلموه, فوعدهم أن لا يألوهم خيراً, ثم ذهب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فجعل يفثؤه ويلينه, وعاوده بالأمر ثلاث مرات, كل ذلك والنبي (صلى الله عليه وآله) لا يجيب ( مغازي الواقدي ج 1 ص 107 و 108 ) وهذا دليل على ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يرض بأخذ الفداء.
ثانياً : إن الإلتزام بما ذكروه معناه تكذيب قوله تعالى: (( وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحي )) (النجم:3 و 4). كما أنه لا يبقى معنى ـ والحالة هذه ـ لأمر الله تعالى للناس باطاعة الرسول حيث قال : (( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول )) (النساء:59)، حتى إذا امتثلوا الأمر الإلهي وأطاعوه يؤنبهم, ثم يتهددهم. لقد كان يجب أن يتوجه التأنيب والتهديد للرسول, والمدح والثناء لهم, لأنهم عملوا بوظيفتهم.
ثالثاً : إن مجرد الإشارة على الرسول بالفداء لا تستوجب عقاباً, إذ غاية ما هناك : أنهم قد اختاروا غير الأصلح.
وإذن, فلابد أن يكون ثمة أمر آخر قد استحقوا العقاب لمخالفته, وهو أنهم حين أصروا على أخذ الفداء قد أصروا على مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله), والتعلق بعرض الحياة الدنيا في مقابل إرادة الله للآخرة ـ كما قال تعالى:(( تريدون عرض الحياة الدنيا, والله يريد الآخرة )) (الانفال:67) ـ بعد بيان النبي (صلى الله عليه وآله) لهم بصورة صريحة, إذ لا عقاب قبل البيان, ثم المخالفة.
ولكن الله تكرم وتفضل عليهم, وغفر لهم هذه المخالفة, وأباح لهم أخذ الفداء تأليفاً لهم, على ما فيه من عواقب وخيمة. وقد بلغ من حبهم لعرض الدنيا أنهم قبلوا بهذه العواقب أيضاً. بل يمكن أن يكون إصرار بعض المهاجرين على أخذ الفداء يرجع إلى أنهم قد صعب عليهم قتل صناديد قريش, حيث كانت تربطهم بهم صداقات ومصالح ووشائج رحم, وقد استهوى موقفهم هذا جماعة من البسطاء والسذج من سائر المسلمين الحاضرين.
فهذا التعاطف مع المشركين من قبل البعض, ثم حب الحصول على المال, قد جعلهم يستحقون العذاب العظيم, الذي إنما يترتب على سوء النيات, وعلى الإصرار على مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله)، والنفاق في المواقف والأقوال والحركات, لاسيما مع وجود رأي يطالب بقتل بني هاشم الذين أخرجهم المشركون كرهاً ونهى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن قتلهم. (مع ملاحظة : أنه لم يشترك من قوم عمر أحد في حرب بدر).
تعليق على الجواب (1)
كيف يمكن أن يكون أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرحم وأعطف على المشركين منه، والله سبحانه يقول : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))؟!
الجواب:
ان هذا الافتراض اشتباه محض فلا يوجد مصداق للرأفة والرحمة في موارد الاوامر الشرعية الالهية من الحدود وغيرها وإن كان هناك اعتراض بعنوان الرأفة والرحمة فهو من الرد على الله والنفاق، وليس معنى كون رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين أن يكون رحيما حتى بالمشركين الذين كتب الله عليهم القتل فإرساله رحمة للعالمين بإخراجهم من الظلمات الى النور ومن الضلال الى الهداية.
وأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وإن إخذتهم الرقة حسب المدعى وهو غير صحيح لأنهم طمعوا في الفداء والدنيا، لكن النتيجة أنهم لم تأخذهم الرقة على المسلمين الذين سيقتلون بعددهم، ولم تأخذهم الرقة على نفس المشركين من زيادتهم في طغيانهم، فرحمته صلوات الله عليه على العالمين تختلف في صورتها عن الرقة المزعومة التي أدركت بعض أصحابه، وهي التي تستحق الثناء من الله تعالى لا رقة أصحابه التي نزل فيها التوبيخ والعتاب.